تقرير حول التعايش السلمي في البصرة

 

 

 

 

 

 

                                  

                                                         قصي مصلوب

                 

                                                            

    عاشت المسيحية جنباً الى جنب الإسلام لقرون في مدينة البصرة , ورسمت أجمل لوحة حب وتعايش سلمي بين الديانتين بل ومثال يقتدى به في الشرق , الى أن هب إعصار من ألأفكار الدخيلة هزت كيان البيت الواحد , فكانت البصرة نموذجاً للمحبة لتبقى بعد عام 2005 صورة مشوهه غيرت ملامح قرون من التعايش السلمي .

في زيارتي لبيت صديقي الفنان أكرم عبوش كان العراق والمحبة التي جمعت أطيافه حاضرة مع أقداح الشاي والمطر المنهمر في بلدة عراقية في نينوى , ليصبح المطر مثال للدمع الذي يذرفه العراقي اليوم بسبب دخول الفتنة في بيته لتجعله يعرف الفرقة لأول مرة في تاريخه .

وفقا لأخر إحصائية كنسية نشرت في الإعلام المسيحي والعراقي بان عدد العوائل المسيحية في البصرة قبل تغير النظام العراقي عام 2003 كانت تقدر 3000 آلاف عائلة مسيحية , بينما تشير الإحصائية التي نشرتها الكنائس مؤخرا بان عدد العوائل المتبقية في المدينة 40 عائلة .

شاهدة على عصر الحب والتعايش السلمي سيدة ولدت وترعرت وأنهت دراستها في البصرة وتزوجت في بغداد لتهجرها بعد أحداث العنف الى نينوى , السيدة اليزابيث اندريوس زوجة صديقي الفنان اكرم عبوش والذي تربطني به علاقة فنية وعائلية ذات العقد الخامس من عمرها والتي تخرجت من إعدادية التجارة في البصرة عام 1980 وتوظفت بكمارك المدينة العريقة عام 1981 اختلطت ملامح وجهها بملامح تلك المدينة التي أحبتها فتركت أثارها على طباعها من كرم وصدق ومحبة وقبول الأخر فتجدها مميزة في بلدتها .

تتحدث اليزابيث اندريوس عن ذكرياتها الجميلة في البصرة مدينة التآخي حيث سكنت مع عائلتها في منطقة صبخة عرب فتعلو هالة من الحزن وجهها الأشوري الأسمر لتقفز دمعة ساخنة تحرق وجنتيها لتقول " الله على تلك الأيام ما جنا نعرف منو مسلم ومنو مسيحي الله على أيام البصرة ام النخيل والخير " .

عاش في البصرة العرب والأشوريون والكرد والصابئة واليهود كاسرة واحدة حيث ارض الميناء والنخيل هي أم تحتضن الجميع وهي ملتقى الثقافات والتسامح .

الشيخ م . ر قال " شهدنا تهجير رهيب للإخوة المسيحيين من مدينتهم البصرة بعد سلسلة من الهجمات المختلفة عليهم وعلى مصادر رزقهم مما جعلهم يختفون من المدينة التي عرفت تواجدهم في اغلب محالها " .

عبر التاريخ وجدت الكنائس في البصرة ومنذ تأسيسها قبل 14 قرنا ولاتزال الأديرة والكنائس القديمة شاخصة منها كنيسة مار افرام في حي الدكاكير وكنيسة البصرة في مناوي باشا ودير الراهبات في مناوي باشا وكنيسة الأرمن الارثوذكس والمبنية عام 1222 وكنيسة الصخرة الرسولية في العشار والعديد من الكنائس والأديرة الاخرى المنتشرة في المدينة . 

تقول اليزابيث " في الأعياد كانت تتجلى وحدة مجتمعنا حيث خبز العباس والفرحة بعيد بحيى وميلاد المسيح والمولد النبوي والكسله وغيرها من الإعياء والكل يشارك بل يعيش ويختبر الحدث ويحترم أخيه العراقي ومناسبته , وكانت النساء في عاشوراء ترتدي السواد مسيحيات ومسلمات يحزنون لحزن الأخر حيث يرتبط المجتمع برباط أزلي من الألفة والتعايش الأخوي " . 
يستقبل المسيحي أذان الجامع بود وفرح ووكذلك المسلم عند سماعه قرع أجراس الكنائس فهم شعارهم الدين لله والوطن للجميع هكذا وصفت اليزابيث شخصية الإنسان البصري .

لم تنقطع علاقات الإخوة بين المسيحيين والمسلمين رغم التهجير نجد الاعلام العراقي ينشر مادة خبرية عبرت عن عمق الروابط الاجتماعية والإنسانية بين مسيحي ومسلمي المدينة، حيث زار وفد من ممثلي المسيحيين في البصرة المرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني في مقر إقامته بالنجف الاشرف، وقدموا له التهاني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك .

هاني محمود الذي قطعت يداه اليمنى اثر تفجير في البصرة لم يحزن على يده مثلما تجده يكرر الجملة " اوف اوف عليج يا بصرة وعل سمج وعل شط والاهوار وعل طيبت اهلج " .
هاني اليوم مهجر من البصرة يعيش بعد التهجير في الموصل كانت الصدفة جمعتنا معا في بيت احد مسيحي البصرة المهاجرين الى نينوى وعند سؤالي له عن البصرة اليوم وجدته شاكيا لينطق ببضع كلمات لا تعبر عن حجم الماسات حسب قوله " تغيرت الخارطة والجنينة المزينة بالأطياف المتآخية في البصرة " ليتحدث ومعه تعلو هالة كثيفة من دخان السكائر .

ليردف " كنت طفلا وما أن أجد القس سالم حبيب يمركنا نقبل يد القساوسة وكأطفال الحي هكذا كانت البصرة هي عراقية شرقية رائعة " .
السيد بنيامين حنا مهجر من البصرة يتحدث بحزن " صار مسيحي البصرة بين ناريين فأما القتل لان البعض منا مازال مستمر بممارسة أعماله السابقة التي ينظر لها البعض كونها أعمال ضد الدين حيث يستهدف من قبل الجماعات المسلحة او ان يهجر مدينته حيث لم يتوفر له فرص التوظيف ليهجر عمله السابق " .

تصب الشاي اليزابيث لي ولزوجها أكرم وتصف أيام البصرة فتتذكر تلك اللحظات فتذكر " كان والدي موظف في الدولة بينما الغالبية العظمى من أرباب الأسر التحقوا في الحرب العراقية الإيرانية كان والدي يطرق أبواب بيوت المحلة ليرى ماذا يحتاجون فيشتري الخضار والفواكه وأمور أخرى تحتاجها العائلة .

الفضول أثارني كي أكون بلب العلاقة بين المسلم والمسيحي في البصرة فبعد تساؤلي لها قالت " لم نكن كبنات نشعر بان المسلم غريب فيوم كنا انا ووالدتي لوحدنا بالبيت وشب حريق هائل ببيتنا فشاهده جارنا ليصرخ تعالوا هناك حريق في بيت ابو ايشو فبعد خمسة دقائق تجمهر خمسين شخصا ليطفئوا الحريق ليساعدوننا بتنظيف المنزل كيف أنسى تلك المحبة التي عندما نسمع اختفت من احياء العراق يعتصر قلبنا حزنا " .
الكاهن " ا . ش " يروي حكاية كنيسته بين الأمس واليوم ليقول " عندما كنت أقيم قداس في كنيستي كان يقصدها قرابة إلفي شخص أما ألان فلم يعد هناك غير خمسة مسنين من من يرفضون الرحيل من مدينتهم يقصدون الكنيسة للصلاة وعودة ذالك الحب بين أطياف المدينة التي هجر منها 90 بالمائة من المسيحيين بسبب المضايقات بسبب مزاولتهم أعمال يرفضها المجتمع هنا حاليا " .

للعيد في البصرة طعم كطعم التمر وحلاوته تذكر اليزابيث ام ريتشارد عن ايام العيد " كنا في أعياد أخوننا المسلمين نفرح أكثر من أعياد المسيحيين حيث يتجمع عشرات الرجال والشباب ليزور البيوت , فيطرق كبار السن بيتنا لنشعر بأننا أرضاً وشعباً وأعياداً واحدة ويتكرر المشهد بزيارتهم بعيد الميلاد , فكان الامان حاضرا بين تصافح الأيدي والقبل المتبادلة .

ام ريتشارد تستغرب كيف هجر المسيحيين والمسلمين من مدينتهم لتقول أثناء التحاق احد أصدقاء والدي بالحرب العراقية الإيرانية وهو هاشم البصري جاء بعائلته الى بيتنا ليقول لوالدي " آخي اندريوس آن زوجتي وأبنائي الثلاثة هم أمانة لديك ان عدت من المعركة سالما أخذهم وان استشهد يبقون بذمتك فأنت اخي وبقت العائلة لدينا لحين عودت الأب من الجبهة بعد عشرين يوما " .

قد نجد مضايقات في الأسواق في بعض المدن العراقية للمرأة السافرة لكن ما ترويه اليزابيث عن البصرة يجعلنا نتمنى ان يكون العراق كله البصرة حيث كانت المرأة المسيحية تسير بأسواق المدينة بثقة وأمان وفرح .

تروي السيدة اليزابيث قصة من مدرستها " النجوم " لتتحدث " حيث كان أهلي ينتظروني لكن الطالبات اللواتي كنا في المراحل النهائية من خامس وسادس ابتدائي يخبرن والدتي خالة " اسمر " لا تنتظري اليزابيث نحن سنرجعها للبيت فهي اختنا الصغيرة بينما اليوم ينتظر الأهل الطفل كي لا يختطف من نفس الوطن.
تختم حديثها مع انهمار الأمطار الغزيرة بنينوى لتقل " توظفت في كمارك البصرة لم اعرف او اشعر بان هناك بين الموظفين أمر اسمه الشيعة والسنة او مسلم ومسيحي بل الكل عراقي محب ومتفائل بحياة جديدة .
 

اليزابيث رغم إنها تقطن نينوى لازال الحنين يأخذها الى البصرة الفيحاء مدينتها وأهلها الاصلاء حيث تقول أنها لاتزال تحتفظ بعلاقات الصداقة مع الكثير الصديقات اللواتي ربطتهن روابط الأخوة في ارض أحبت الجميع الإنسان والنخل والشناشل ونبض الحياة 
قد تكون السياسة تشق صف الوطن لكن ما دام الإنسان حيا وهو يحب أخيه الإنسان ويقبله رغم الاختلاف فهو أساس كل تغير مستبقلي قادم ليحرر وطنه من كل فرقة وأخلاقيات طارئة اليه .