مجدا لشهداء مذبحة صوريا المنسية !

 

                      

                                   

                                                    بدران امرايا              

                 في 16 من أيلول الجاري تحل علينا الذكرى الحادية والأربعون لمذبحة صوريا التي كانت قرية آمنة من قرى أبناء شعبنا الكلدوآشوري بسهل (صليباني) السليفاني المطلة على ضفاف نهر دجلة بمياه الرقراقة كان أهالي القرية الطيبين يعيشون بجو من الهدوء والمودة والتعاون والألفة يمارسون أعمالهم الروتينية اليومية في القرية ككل يوم وكل حسب واجباته وما يتيح له من أعمال ,

 

 إلا إن رحى الزمن لم تدور وتشأ أن تستمر الحياة بأجواء تلك الدرة السهلية وعلى ذلك المنوال المرغوب والمعتاد، حيث مع انبلاج نور صبيحة الثلاثاء المصادف 16 –  9 -1969  وبينما كانت مفرزة من الجيش العراقي بقيادة ألبعثي العفلقي السفاح الملازم الثاني عبد الكريم خليل الجحيشي من سكنه محافظة نينوى كعادتها تتوجه إلى المثلث الحدودي العراقي السوري التركي ( قرية فيشخا بور ) مارة بعدة قرى مطلة على الشارع العام ومن ضمنها القرية الوديعة صوريا بحثا عن الفارين من الخدمة العسكرية هنا وهناك وكانت من خصال هذا الضابط ألبعثي المغرور شتم الناس بإسماعهم كلاما خشنا من سلاطة لسانه وإيذاء الشباب ليشبع ميوله العدوانية وعقدة نقصه ,وعند وصول المفرزة للقرية المذكورة توقفت لدقائق معدودات ولم يبخل الأهالي الطيبين عن تقديم ما وجب تقديمه لعابر سبيل من حسن وكرم الضيافة، ثم واصلت المفرزة  شق مشوارها واجتازت القرية بأكثر من خمسة كيلومترات وفجأة انفجر لغم ارضي تحت إحدى سيارات المفرزة المذكورة دون أن تسفر عن خسائر بشرية ، ولدى سماع أهالي القرية صوت الانفجار تناثروا متفرقين كحبات ثمرة الرمان عند وقوعها أرضا هائمين على وجوههم في البساتين والأدغال والأحراش للهروب من بطش هذا الجزار الظالم وعلى اثر الانفجار أمر هذا الضابط المفرزة بالرجوع إلى قرية صوريا وعند بلوغها شرع الجنود بمد طوق ضيق حول القرية وجمع سكانها صغارا وكبارا شيوخا ونساءا في إحدى حظائر الحيوانات القريبة,وفي ذلك اليوم شاء المشيئة الربانية أن يقصد القس حنا القرية قادما من زاخو لإكمال واجباته الكهنوتية تجاه المؤمنين لكن لم يقدر إحياء طقس القداس الإلهي في ذلك الصباح ، ولدى إحضار من وقع في مخالبهم الدموية من الناس البسطاء والعزل انتصب ذلك المجرم وركبّ بندقيته الفتاكة صوب من هم في الحظيرة وكان القس يتصدرهم وأطفال لم يتجاوزا الثلاثة أشهر بأحضان أمهاتهن ولم تفلح محاولات القس حنا في إفهامهم واقناعم بأن أهل القرية براء من الصلة بمصدر ذلك الانفجار  براءة الذئب من دم يوسف حتى وجد نفسه تحت زخة كثيفة  من وابل الرصاص لتجعله يغرورق ويتعمد بدمه الطاهر,وبذلك دارت الدائرة على هؤلاء العزل دون أن يرتكبوا أي ذنبا او مهانة والحصيلة كانت( 38 ) شهيدا و(22 ) جريحا ولم ينجو ممن كانوا في الحظيرة سوى من حالفه الحظ وتستر بين الجثث الهامدة ومن بينهم رضيع كان طفل يرضع من صدر امه وهي جثة هامدة غارقة بدمها ,ورافقت المذبحة قصص استشهادية بطولية مثيرة حيث حاولت الفتاة ( ليلى خمو ) منع الضابط من إكمال فعلته الشنيعة وجريمته النكراء عندما رأت إن والدها الشيخ انبطح ساقطا على الأرض ولكن ذلك الوحش الدموي وجه لصدرها السلاح وارداها قتيلة في الحال ، إلى جانب الفتاة ( كاترين )التي رمت بجسدها النحيل على زوجها لإنقاذه من براثن الموت لكن القلب الفولاذي والعديم للرحمة والرأفة لذلك الضابط المتهور صوب نحوها البندقية وأمطرها بوابل من  برصاص فتراقص جسدها الواهن على أنغام قعقعة الرصاص فاستشهدت في الحال لتسجل آية من نكران الذات وقيم الشهادة والتضحية بأغلى واعز الأشياء من اجل الأحبة وتكون مثلا وقمة للزوجة الوفية والعظيمة ,وسجل هذا المجرم في صفحة ذكرياته السوداء صفحة مطرزة بالخزي والعار من أفعاله الشنيعة ,ولم تشبع ميوله مما أقدم عليه حتى أمر بإحراق القرية وما يوجد فيها مما تدب فيه الحياة ,حتى وصلت وقاحته بأمر المعاون الطبي في ناحية العاصي بعدم إسعاف جرحى جريمته النكراء ,وبذلك تكون هذه المذبحة أول فعل مشين وأول وسام لصليب معقوف رمز الخزي والعار واللعنة الأبدية اثبت إنا أزلام البعث ولدوا وتخرجوا من المدرسة النازية الهتلرية وما اقترفته في ( محارق هولوكوست ) وتصدر هذا العمل اللا أخلاقي قائمة البعث بعد مرور عام وشهر على انقلابهم الأسود  17 – 30 تموز 1968 وجثوهم على صدور وأنفاس العراقيين لما يقارب ثلاثة عقود ونيف وما ترتب على ذلك الانقلاب من مسلسلات المذبح دموية وتدمير العراق أرضا وشعبا وحضارة ولم تسلم منهم اية شريحة عراقية وحتى البيئة والطبيعة نالتا حصتهما ,وبذلك تكون المذبحة هذه باكورة للأنياب الدموية للنظام المقبور الذي كان صائما وفي سبات وتغذى بهذه الضحية الحقيرة ,وعدّها بمثابة رسالة ودرس دموي مهيب ورادع للشعب العراقي ومن يرفع رأسه باتجاههم  ولم تنصف هذه المذبحة بحقها الإعلامي والقانوني المطلوب لتكون على مرأى ومسمع الشعب العراقي والرأي العام .وبعد الإطاحة بالنظام المقبور في 9 نيسان 2003 فما زال الإعلام مقصرا تجاهها  والانكى مازالت القرية على حالها كومة من الأنقاض تعشعش فيها الغربان وتتطاير مناه ذكريات ورائحة الموت منذ 1991 ولحد عام 2007 حيث شيدت مجموعة من الدور فيها لكنها لا تناسب وتضحياتها  وتم فتح و نبش مكان المقبرة وإجراء تحليل على رفات الضحايا قبل عام من الآن فكانت هذه خطوة ايجابية ,ولكن كان من الحري بحكومة إقليم كردستان الإحاطة بها وإنصافها وتعويض أهالي الضحايا ماديا ومعنويا بما فيها إقامة نصب تذكاري يعكس ويجسد ويخلد الملامح الأليمة للمذبحة في بمنطقة وقوعها ( المفرق الحدودي دير بون فيشخا بور زاخو ) إلى جانب نصب آخر لشقيقتها مذبحة سميل ( يوم الشهيد الكلدوآشوري السرياني ) التي حصدت ( 5000 ) شهيدا في 7 آب 1933 بنصب تذكاري بمنطقة مفرق دهوك سميل نينوى ، أسوة بباقي النصب التذكارية العديدة للكرد في الإقليم ، لزيارتهما في الذكرى السنوية من كل عام و ورفع الصلوات على راحة أرواح الضحايا ووضع أكاليل الغار  وإيقاد الشموع على النصبين أو تخليد  هذه المناسبتان المأساويتان على الطوابع المالية ودرجها في كتب التاريخ  أو غيرها من المجالات التذكارية ، لأنهم رووا شجرة حرية الحياة بدمائهم الطاهرة وسطروا تاريخ اممهم بمداد من الذهب وعلى سفر الخلود ،او درج تلك الجريمة المخزية في قائمة اتهامات النظام المقبور,ودرج المذبحتين في الدستورين العراقي الفدرالي ودستور إقليم كردستان العراق أسوة مما تعرض له الأشقاء العرب والكرد والتركمان من المذابح التي ذكرت في الدستورين المذكورين والا سنستشف من عكس ذلك استخفافا واسترخاصا بدماء ضحايا شعبنا االكلداني السرياني الاشوري ,على مذبح حرية العراق وشعبه, لتعكس الوطنية الحقة والتآخي القومي الفعلي وليس الديني فقط بين الكرد والكلدان السريان الاشورين القومية الثانية في الإقليم  وانعكاس مفهوم القوميتين الرئيسيتين العربية والكردية في السلطات العراقية المركزية الى القوميتين الرئيسيتين  الكردية والكلدانية السريانية الاشورية في إقليم كردستان  العراق وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات ومن أهمها استحداث محافظة في سهل نينوى لشعبنا ولبقية القوميات المتعايشة هناك وإحقاق لطموحات شعبنا المشروعة وفق الدستور وحمايته من الإرهاب الذي بات يلاحقهم في كل مكان ولصرف نظرهم عن مسالة الهجرة  التي باتت مثل السلاح الفتاك لمحو وجودنا القومي في وطننا الأم، وختاما نتذرع للرب أن يتغمد شهداء صوريا وسميل والعراق ككل برحمته الواسعة ويمطر عليهم شآبيب الرحمة والرضوان , وينعم العراق والعراقيين بالخير والسلام والأمن والرفاهية., ويعود سالما معافى لمكانته الريادية.بين الأمم ...