بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيله الابدي ...... تجربتي الصحفية مع الاعلامي الكبير المرحوم جميل روفائيل

 

   

                                         

 

 

 

 

                               

                                         عصام شابا فلفل

 

   من منا لم يعرف ذلك الصوت الرخيم الذي كان ينطلق عبر اثير اذاعة البي بي سي واذاعة مونتكارلو.. من منا لم يكن يتشوق لسماع خبر او تقرير اخباري او موضوع تاريخي عن العراق من اثير تلك الاذاعات.... اذن كلنا كنا نستمع ونتشوق لسماع تلك التقارير او الاخبار، وخاصة حين كان يختمها بعبارة (جميل روفائيل.. خبير الشؤون اليوغسلافية.. بلغراد).. لم تكن تجربتي في عالم الاعلام والصحافة مع جميل روفائيل من قبيل الصدفة ، لأني كنت متشوقا جدا لرؤية هذا الرجل واللقاء به وجها لوجه.. خاصة وانا لم اتشرف بلقائه مرة رغم كونه صديقا حميما لوالدي.. وحدث مرة عام 1977 وكنت حينها طالبا في اكاديمية الفنون الجميلة / جامعة بغداد، حدث ان كتبت موضوعا قصيرا او بعبارة اخرى خاطرة تتراوح بين النص الشعري وخلجات نفسية، وذات مساء دعاني احد الاصدقاء الى سهرة في نادي حمورابي في الكرادة.. لبيت دعوة صديقي وحضرنا الامسية، واذا بشخصية انيقة تدخل النادي فقام الكثيرون لمصافحته.. سالت صديقي. من هذا الرجل.. قال.. الا تعرفه.. قلت كلا.. قال.. انه الصحفي والكاتب جميل روفائيل... نهضت مسرعا وعلى الفور وذهبت اليه وسلمت عليه وقلت له, انا فلان.. ففرح جدا بلقائي ودعاني الى الجلوس جنبه.. وبعد لحظات تجرأت واخرجت الورقة التي كتبت بها الخاطرة وقلت لها.. اتسمح لي بقراءة هذه الاسطر.. قال لي.. تفضل.. وحين قرات تلك الاسطر استغرب جدا وقال متعجبا.. ابني انت شاعر ويمكن ان تكون صحفيا.. لم لا تنشر نتاجاتك... شرحت له الموقف بعدم نشري تلك الكتابات واستاذنت منه.. وحالما تركنا النادي .. انقطع كل شيء ولم اسمع اي كلمة عن جميل روفائيل الا من خلال الاذاعة.. ومرت سنوات طويلة الى يوم سقوط النظام.. وحينها تجرأت ومجموعة من مثقفي تللسقف على تاسيس اول جريدة في سهل نينوى وكانت السهل الاخضر، وبعدها بشهر واحد اصدرنا جريدة اخرى وكانت نجم تللسقف، واتصل حينها شقيقه الصحفي والاعلامي باسم به يعلمه بهذا الانجاز، فطار فرحا بهذا الخبر وارسل لنا مكافأة نقدية لصحيفة نجم تللسقف وكانت (400) دولار كدعم مادي ومعنوي لاصدار احد اعداد الصحيفة.. بعدها باشهر قليلة عاد الى مسقط راسه تللسقف واستقبله الفنانين والشعراء والصحفيين واستضافته العديد من القنوات الفضائية والصحف والمجلات.. وقمت انا بزيارته الى منزله.. وكم كانت فرحتي كبيرة حين قابلته.. وكم كان فرحا حين رانا نحن الصحفيين... كان يامل ان تكون تللسقف منبرا اعلاميا حقيقيا يخدم المنطقة خاصة وابناء شعبنا عموما.... واستمرت لقاءاتنا اثناء فترة تواجده في تللسقف.. وقد زودني بالكثير الكثير من تجربته الاعلامية والصحفية... وعلمني اصول الصحافة الصادقة والهادفة.. تعلمت منه الصدق في نشر وتحليل الخبر.. علمني اصول كتابة التقارير الاخبارية واصول صياغة الحوار الصحفي والقصة الصحفية ومدلولات الصحافة الحديثة و... و.. الخ, وبعد ايام ترك ارض الوطن بعد ان ودعنا جميعا بكلمة وهي (شوفو انا راح اروح . وبعون الله ما راح اطول شهرين وارجع لبلدي واعيش بي بقية عمري بين اهلي وزملائي واحبابي) .. ودعنا جميل روفائيل وهو على يقين بانه سيعيش بقية عمره في ارض ابائه واجداده.... نعم لقد عاد جميل روفائيل فعلا الى ارض وطنه بعد شهرين من وداعه لنا كما تنبأ هو.. ولكن كيف عاد....؟؟

كنت حينها والعديد من الادباء والشعراء والصحفيين في مدينة اربيل نحضر مؤتمر الادب السرياني الذي يقيمه اتحاد الادباء والكتاب السريان في العراق.. وفي مساء اليوم الثاني من المؤتمر رن هاتفي واذا بشقيقه الاعلامي باسم يهاتفني قائلا( عصام.. خابرني جميل ويوم 15 تشرين الاول راح يجي للعراق وبعد ما يرجع ابد).. من فرحتي صرت اغني ونقلت الخبر الى السادة المؤتمرين الذين فرحوا جدا بالخبر وقالوا .. لا بد من زيارته في بيته اذا عاد .... وفي تمام الساعة الخامسة فجر تلك الليلة.. واذا بباسم يهاتفني ليقول لي( عصام... لقد مات جميل بالسكتة القلبية....) لم اعرف ماذا افعل من هول الصدمة.. قمت على الفور واخبرت الاديب نزار حنا الديراني والشاعر زهير بهنام بردى بالامر.. واثناء انعقاد الجلسة الصباحية للمؤتمر تفاجأ الجميع بهذا الخبر المؤلم .. نعاه في الحال كل من الاستاذ فاضل ثامر والاستاذ حسين الجاف والاستاذ ابراهيم الخياط والاستاذ ناجح المعموري، وكتب عنه الشاعر زهير بهنام بردى قصيدة مؤثرة جدا.. اذن .. لقد رحل جميل وترك وراءه رصيدا كبيرا جدا من التقارير والاخبار والحوارات الصحفية...

جميل روفائيل, تمر اليوم ذكرى رحيله الرابعة وكأن الامور حدثت البارحة.. رحمك الله يا ابا نجاح...