نداء الإستغاثة

 

   

                                         

 

 

 

                                         

                                          يوسف زرا

 ضمن مجرى مسيرة الحياة، لابد أن نشير إلى ما يعترض أي تجمع بشري معوقات لا إرادية    ومهمش كلياً، إما لقلة خبرته لتعايشه ضمن بيئة سياسية مضطربة وحالة إجتماعية تتقاطع فيها سبل الحياة به وتجبره في حالات عديدة لتأمل الفترة الزمنية التي مضت عليه وهو لازال محدود الكفاءة والمقدرة لإجتياز تلك المعوقات، ولكن تعتبر هذه الفترة غير واضحة المعالم والنظرة الجلية إلى المسيرة الطويلة والبعيدة عن أفقه على تحليلها. وقد يجابه صعوبات جديدة ومتنوعة وليس في خزينه إلا ما مضى عبر المرحلة الأولى، ويجب عليه الاستعداد لمجابهة ظروف أصعب وأشد ولا معين له غير الاستسلام، ولابد من التفكير والإصرار لمواصلة المسيرة والتحدي لها، أي بمعنى انه لابد أن يعي ويثق بنفسه ككائن إنساني عليه خوض المعركة وكسب الخبرة المطلوبة من خلال التجارب التي صادفته وجعلته في كثير من الأحيان بعيداً عن استرجاع الماضي الغابر لحياته، وكيف يجب أن لا يدب اليأس فيه ولا يتراجع عن الركب الحضاري. بل يمضي ويخوض في معترك الأقدار مهما كانت النتائج. ولكن إذا عدنا عدة سنين إلى الوراء واستعرضنا ما كان ولازال يطفو على سطح الأحداث من المفردات اليومية المصيرية لمجمل شعوب المنطقة العربية بصورة عامة والشعب العراقي بصورة خاصة، وإلى أي وضع إمتدت به الظروف وبسبب ما تعرض على أيدي مجموعة حكام من الذين أصابهم داء العظمة والغرور الشخصي والإنفراد بالسلطة المطلقة حد جعلوا من ذاتهم حكاماً معصومين وبمستوى القدسية، ولم يلتفتوا خطوة واحدة إلى الوراء، وما خلفته سياستهم الرعناء وركبوا رأسهم متشبثين غالبيتهم ولعقود عديدة بالفكر السياسي المتطرف، وابتعدوا حتى عن الإصغاء إلى نداء العقل المتزن والرجوع إلى جادة الصواب وإحترام أبسط حقوق الشعب العراقي بدلاً من إذلاله وزجه في آتون عدة حروب داخلية وخارجية مهلكة، رغم اضطرار مجمل الحركات الوطنية الطبقية والدينية المعتدلة وغيرها إلى طرح نداء الإستغاثة لمن سينقذهم من الحكم الدكتاتوري والقومي المتطرف. دون أن تقدر هذه القوى أن نداءها كان بعيداً عن سامعيه من أبناء الشعب العراقي المقهور والمسلوب الإرادة. مما اضطرهم إلى الرضوخ لشروط الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهي، لابد من احتلال العراق والتحكم بثرواته وبمصيره، وتحت خيمة ما تسمى بالديمقراطية اللبرالية والتي كان كل عراقي وبدون استثناء مستعد لسماع هذه الكلمة ومتلهف لتحقيقها وبأي نسبة كانت. وهذا ما حصل في 9/4/2003 من احتلال الوطن وفرض الوصايا عليه وبشروط مجحفة ولمدة غير محدودة. ولم يكن المحتل صادقاً بقوله من إقامة نظام ديمقراطي ناجز ما لم يضمن تحقيق مصالحه الآنية والبعيدة وتخدم دولة اسرائيل معاً أيضاً. فكان المخطط الاستراتيجي ومنذ مدة طويلة هو ظرب القوى الديمقراطية والوطنية على اختلاف مناهجها السياسية والإجتماعية. طبقية يسارية، وقومية أو دينية معتدلة في عموم الدول المجاورة لإسرائيل. والتي تملك أعظم ثروة نفطية وغيرها في العالم.

فكانت البداية مباشرة وبعد سقوط النظام السابق، إقامة نظام حكم متصارع داخلياً بسبب تمكنه (أي المحتل) من تحريك وإذكاء الإحتقان التأريخي في البنى التحتية للشعب العراقي وتأجيج النزاع المذهبي والطائفي بين أبنائه وتشغيله فترة طويلة بإنتخابات صورية ولعدة مرات، وإقامة حكومات متعاقبة من المحاصصة الطائفية المتكونة من الأكثرية الشيعية والسنية من العرب من جهة. وثم محاولة تحريك النزاع التأريخي الخامد بين العرب والأكراد من الجهة الثانية. رغم أن الشعب الكردي تمكن من إقامة الحكم الذاتي في اقليم كردستان وضمان الأمن والاستقرار النسبي فيه قياساً بباقي أجزاء الوطن الذي سادتها الأعمال الإرهابية والإغتيالات الفردية، وتوجيه الضربات وبدون توقف لكل مكوناته الإجتماعية والسياسية عن طريق المفخخات والعبوات اللاصقة يومياً. وخاصة في المدن الرئيسية ومنها بغداد العاصمة والموصل، بصرة وكركوك، بعقوبة وتكريت وأخيراً أربيل عاصمة الإقليم وبدون أي رادع قانوني وأخلاقي، والذي لازال يسقط من جرائها يومياً مئات الشهداء والجرحة. وفشلت جميع الخطوات والتدابير المتخذة من قبل القيادات الأمنية المختصة. إلى جانب استشراء الفساد المالي والإداري وتزوير الشهادات في جميع مرافق الدولة.

واتهام كبار رجال الحكم جهاراً من الوزراء وزعماء الكتل السياسية داخل البرلمان وخارجه دون أن تطالهم يد العدالة لأنهم محميون من قبل تلك الزعامات، وكما يرد في الكثير من القنوات الفضائية وعلى لسان العديد من الشخصيات الرسمية والمستقلة من داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، حتى وصل الأمر والاستياء بأنه لابد من ظهور شخصية عسكرية قوية ويستلم زمام الأمور، كما حدث في مصر. ولا أمل من رسو سفينة المجتمع إلى شاطء السلام دون إزالة الأشخاص المتربعين على كراسي الحكم وإحالتهم إلى العدالة. وكنداء منهم لإستغاثة الشعب العراقي وكشكوى لابد منها لمنقذ لهم من مأساتهم. وإلا المصير المجهول يشمل الجميع ولا ينجو أحد منه سواءً كان من الأقلية أو الأكثرية الإجتماعية والدينية أو من السياسية، طبقية أو قومية، طائفية أو اثنية. فهل من يلبي هذا النداء؟

ويحقق للكل الأمن... وللوطن الولاء؟

ولا يوتيبيا من السماء!!!