الشيوعي البصراوي ..... تعقيب على مقالة الصديق شوكت توسا

 

 

 

 

                                                       

 

                                                              نبيل يونس دمان    

                 

     عبد الزهرة الطالب في كلية الاداب- جامعة الموصل في بداية سبعينات القرن الماضي كان يجلب الانتباه اليه بثقافته الواسعة ومبدئيته الصارمة ثم حقده المقدس على البعث، لذلك استحق احترام الطلبة التقدميين من مختلف المشارب والملل والاحزاب، فيما حصد كرها وملاحقة متواصلة من اجهزة البعث- فاشي.

     من سياق المقدمة اعلاه تعرفت عليه فتوطدت علاقتي به وبزميل اخر من بلدة دجيل التي ازالها عن الوجود صدام حسين لاحقا، اسم ذلك الزميل عبد الهادي، هذان الطالبان انجذبت نحوهم اكثر بسبب كرههم للبعث وعدم ايمانهم بالتحالف معه، كان عبد الهادي الدجيلي اكثر قربا مني كونه في نفس كليتي الهندسة.

     كما تعلم عزيزي القارئ ان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية قد تم التوقيع عليها في تموز 1973 وفي خريف ذلك العام ابتدأ الدوام الرسمي لنا كطلبة في جامعة الموصل، في تلك الفترة افتتح مقر للحزب في بداية شارع النبي جرجيس مقابل الشارع النجفي، ونفس المبنى كان مقرا للحزب في الفترة التي سبقت انقلاب 8 شباط الدموي، عرفت ذلك من خلال استئجار زميلي الراحل منذر حميد حكيم غرفة في نفس المبنى عام 1972 وقد شاهدنا معا قطعة خشبية مقلوبة وفوق الكتابة طلاء بسيط وقد دون فوقها اسم احد مقار الحزب في السابق. لتلك الاسباب كان المقر معروف موقعه وغرفه وسطحه والصعود اليه بدرجات كثيرة، في تلك الايام تشكل وفد طلابي من المجموعة الثقافي لتهنئة الرفاق بمناسبة افتتاح المقر الجديد وسط الموصل التي شهدت في اوائل الستينات اشرس موجة عنف طالت المئات من العناصر التقدمية فيما تركها اضعاف ذلك العدد الى المدن العراقية وخاصة بغداد، لذلك كان الحذر واجبا في التعاطي مع تلك الاجواء، على اية حال تحركنا من الجامعة مجموعة من الطلبة لا اذكر منهم الان الا ابن مدينتي كوريال صادق تومكا والطالب عبد الزهرة البصري ذلك العنصر الرائع المشخص مع الزميل عبد الهادي الدجيلي في الانتماء الى القيادة المركزية التي لا تؤمن بالتحالف مع البعث بل تتخذ اسلوب الكفاح المسلح سبيلاً للوصول الى السلطة.

     استقبلنا في المقر من قبل رفاق الحزب وفي مقدمتهم المناضل الراحل توما توماس (ابو جوزيف) وقيادي اخر اسمه الرفيق امين زنكنة، فجلسنا معهم نتحدث وكان المتحدث الاكثر تمكنا والالمع بيننا عبد الزهرة وهو يعبر عن مخاوفه من التحالف والعلاقة الجديدة مع البعث، بالنسبة لي لم اتذمر بل خضعت للامر الواقع ولكنني كنت دائم التصادم مع البعث ومنظمته الارهابية (الاتحاد الوطني) الى درجة كلما تلتقي اللجنة الجبهوية المصغرة في الجامعة يرد اسمي واسم عبد الهادي واخرين باننا عناصر (فوضوية) وضد التحالف الجبهوي، كنت ارتاح كثيرا عندما اسمع ذلك، لشيء كان يضطرم في داخلي كالنار المستعرة للوصول الى الاهداف التي امنت بها.

     لم يمر اسبوع من ذلك اللقاء في مقر الحزب ومن ذلك التاريخ البعيد، في ذلك الوقت طبعا كان الزميل شوكت يوسف توسا قد تخرج وانهى فترة السنة في الخدمة العسكرية الالزامية وعاد الى القوش في خريف 1973 ليشارك في احدى المعارك انذاك، ان شوكت لم يسمع او ربما نسي مصير الطالب الرائع عبد الزهرة الذي خطف ذات يوم من تلك الايام من قبل اجهزة الامن في الجامعة وضيع اي اثر له من ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا. كنت دائم التجوال مع عبدالهادي الدجيلي في اروقة الجامعة ويوما صادفنا عنصر من عناصر الامن الغريبة عن الجامعة كما وصفهم بحق شوكت توسا في مقالته، رمقنا ذلك العنصر كالعادة بنظراته المريبة، وكان شكله متوسطا في الطول يتمايل جسمه مع كرشه عند السير وهو يرتدي البدلة المدنية وبربطة عنق، هنا قال لي عبد الهادي هل انتبهت الى (كلب) الامن الذي كان يلاحقنا بنظراته الحاقدة، قلت نعم، فقال لي بانه الشخص عينه الذي اعتقل عبد الزهرة، وبمرور الايام كنا كلما نراه في شوارع الجامعة انا وكوريال تومكا نقول هذا هو الذي اعتقل عبد الزهرة، وعند تعييني مهندسا في الفترة بين عامي 77- 78 كنت ارى نفس الشخص القذر امامي في سوق قضاء سنجار فاتجنبه واحيانا اغير مساري خوف ان يشخصني فتبتدأ دورة الاستدعاء والاستفزاز.

     تلك هي قصة عبد الزهرة البصري الذي غيّب شأنه شان الالاف من خيرة ابناء شعبنا وكما يقول الشاعر سعدي يوسف (الوجوه التي غيبت بين قصر النهاية والماء والعجلات السريعة) على يد اجهزة البعث المرعبة والمدعية زورا وبهتانا بالقومية والوحدة والاشتراكية شعارات كاذبة ديماغوجية، انهم تشربوا من مبادئ الفاشية فاصبحوا اسوء منهم متعطشين للدماء، قتلة، وارهابيين حقيقيين هؤلاء الذين ابتلى العراق بهم قرابة اربعة عقود.

     اما وقد ورد اسم عذاب الركابي في مقالة شوكت والركابي شاعر مجيد من الديوانية كان طالبا في كلية الاداب في السبعينات، توطدت علاقتي به كثيرا لشعره الحماسي وعن طريقه احببت الشعر الشعبي الجنوبي. مرة كنا عائدين من احتفال في منطقة دير ماركوركيس شمال الموصل، انذاك كانت المنطقة المحيطة غير مسكونة كما اليوم، انشد عذاب الركابي مقطعا شعريا يقول (باكو جلماتي مني وكَالوا اخرس وما يحجي) ويقصد بسارقي كلماته البعثيين، بعد ذلك اهدى بعض قصائده المكتوبة بخط يده الي، احتفظت بها سنينا حتى جاءت ضربة البعث لنا في اواخر السبعينات فلم استطع الاحتفاظ بها، لكني اتذكر مقطع يخاطب الشهيد فهد قائلاً: اصفك شما ينباك الجف العندي بجفك اصفك، واحجي بحجيك "قوو تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية". ثم يواصل منشدا: لنّه صوت من الصرايف من بيوت الطين " وطن حر وشعب سعيد". في فترات سابقة سألت عن عذاب الركابي فقيل انه في ليبيا وحاولت الاتصال به بالانترنيت ولكني لم اوفق، والان اسمع من شوكت توسا بانه في مصر وحبذا لو اعطاني وسيلة للاتصال به او على الاقل تحيته بعد مشوار طويل من افتراقنا.

من اليسار الشاعر عذاب الركابي- نوئيل يونس ياقو- هدى الفيلية- كوريال تومكا جامعة الموصل 1974

من اليسار عبد الهادي الدجيلي- مرتضى ابراهيم الموسوي- نوئيل يونس ياقو جامعة الموصل 1974