ضرب سوريا .. وشمولية الحرب الطائفية في المنطقة ‼

 

 

              

       

                                         

                                          يوسف زرا

لا شك ان الحرب الأهلية في سوريا والتي نشبت منذ أكثر من سنتين، لها أسبابها وجذورها ومبرراتها التاريخية داخل المجتمع السوري، ومنها الانقسام المذهبي الإسلامي بالدرجة الأساسية رغم عدم إذكاء ناره منذ عقود وله أسبابه أيضا وهي.

إن بعد الحرب العالمية الأولى بين دول المحور الأوربية والإمبراطورية العثمانية ( الخلافة الإسلامية بقيادة المذهب السني ). وثم انتهاء الخلافة الإسلامية على يد الزعيم التركي القومي كمال اتاترك عام 1924. مما أدى إلى ظهور الدول العربية الحالية بقيادات قبلية ، أي تحكمها مجموعة أمراء ومشايخ عربية كان لها نفوذاً اجتماعياً واسعاً في البنية التحتية، ولازالت تسميات لغالبية تلك الدول العربية تسمى بأسماء أشهر قبائلها وأقواها على ارض الواقع. ومنها آل سعود في الجزيرة وال هاشم في العراق سابقا والأردن حالياً ، عدى الإمارات العديدة في منطقة الخليج التي لازالت تحكمها سلالات من المشايخ والأمراء لتلك القبائل المتحكمة فيها بعد الحرب المذكورة. وجميع هذه القبائل تنتمي إلى المذهب السني ، وبقي أنصار المذهب الشيعي بعيدين عن تولي أية سلطات رسمية في الدول العربية المذكورة ما عدا سوريا والتي كان يحكمها قبل حوالي أكثر من نصف قرن حزب سياسي علماني قومي وغالبة قادته من الطائفة العلوية ( الشيعية )، ولم يكن الحكم فيها طائفيا ولا دينيا بل حكم قومي عروبي والوحيد في الدول العربية المجاورة لدولة إسرائيل مباشرة، والداعمة للمقاومة المسلحة الفلسطينية كحماس في غزة وحزب الله في لبنان .

     وبعد قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948 وبدعم مباشر من الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا ، وعلى اثر احتدام الصراع على الأماكن المقدسة والمتنازع عليها بين المسلمين واليهود مما أدى إلى اشتعال عدة حروب طاحنة في المنطقة. وكانت مصر وسوريا وثمة العراق المشاركين الفعلي فيها ثم الأردن وسعودية وغيرها. وان ظهور التيار الديني إلى جانب التيار القومي في غالبية الدول العربية، كان العامل المساعد لنشوب النزاعات وحروب بين دولة إسرائيل والعرب والى مدة غير محدودة .

     ولكون منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية إستراتيجية سياسيا واقتصاديا، وهذا مما أدى إلى احتدام الصراع فيها أيضا بين الدول الغربية من جهة والاتحاد السوفيتي في حينه وامتداده إلى هذا اليوم مع روسيا من الجانب الثاني لكونها الوريث الفعلي للاتحاد المذكور وطيلة العقود الممتدة منذ الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 عبوراً إلى الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 . وثم الحروب العربية الإسرائيلية للأعوام 1956 / 1967 / 1973 وبقيادة مصر . مما أدى إلى ازدياد النفوذ الغربي في المنطقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرئيسي لدولة إسرائيل، والمتعاملة مع الدول العربية بسياسة الكيل بمكيالين والغاية منها تحقيق أهدافها البعيدة، وهي السيطرة على ما كان يسمى سابقا المياه الدافئة أي منطقة الخليج والبحر العربي. وثم الاستحواذ على منابع النفط وبدون منازع باعتبارها الأغنى في العالم. مما أدى بالدول الغربية المذكورة ومنذ عقود السعي لإقامة حكومات فيها ذات ارتباط مباشر معها أو الموالية لها. بغية دعم أنظمتها الرجعية القبلية ومساندتها في حالة قيام شعوبها بثورات داخلية ذات اتجاهات سياسية واقتصادية متقاطعة مع مصالحها، وقد تؤدي إلى استمرارية الحرب بينها وبين إسرائيل وفي هذه الحالة لا بد من خلق اضطرابات شاملة في المنطقة ككل، والغاية منها ضرب الحركات الوطنية ذات طابع ديمقراطي وتقدمي، ثم جعل حالة الاضطرابات كنزيف دائم يضعف قدراتها الاقتصادية والعسكرية ويزيد الاحتدام والصراع المذهبي على السلطة بين زعمائها السياسيين وبين بعضها البعض على كراسي الحكم. وفعلاً كما حصل ولمدة 8 سنوات من الحرب بين العراق وإيران ( 1980 – 1988 ) والحرب العراقية ضد الكويت عام 1990 – 1991 ولا يمكن تحقيق أي استقرار امنيٍ واقتصاديةٍ وسلام دائما بين حكام المنطقة ككل والاحتقان التاريخي المذهبي والطائفي والقومي متوارث بين المكونين الإسلاميين الرئيسيين كثأر قائم بين السنة والشيعة من عهد الخلافة العثمانية ولمدة أكثر من ستة قرون. والذي فعلا لم تعد دولة عربية بصورة خاصة لا يوجد فيها بؤر وخلايا نائمة أو مشتعلة بهذه النسبة أو بتلك بين المذهبين المذكورين.

     وهناك عدة عوامل الفاعلة إلى تأجيج وإذكاء نار هذا النزاع، هو قيام الثورة الدينية في إيران عام 1979 وظهور الدولة الإسلامية فيها بقيادة الطائفة الشيعية وبمفاهيم فقهية لا تقبل المهادنة ولا المساومة عليها. وثم محاولة تعميمها على شعوب جميع الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وخاصة المحاذية لإسرائيل. إلى جانب الحرب الإعلامية المتصاعدة بين الحكومة الإيرانية والدول الغربية بسبب محاولتها لامتلاك السلاح النووي والذي سيؤدي إلى اختلال التوازن العسكري في المنطقة لصالح الدول العربية وضد إسرائيل بالدرجة الأساسية .

    وان استغلال الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية استخدام سوريا السلاح الكيمياوي ضد المعارضة المسلحة أخيرا، وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية قوية للنظام السوري  ومحاولة إسقاطه. مما يؤدي بالدرجة الأولى ضرب المصالح الروسية في سوريا  والمنطقة ككل، وتضييق الخناق على النظام الديني القائم في إيران. ففي حالة ضرب سوريا فعلاً. فأنه سيؤدي إلى اشتعال سعير الحرب الطائفية في عموم الدول العربية وفي مقدمتها – لبنان – عراق – أردن – مصر . ولا بد أن يؤدي إلى اختفاء عدة دول مهمة تاريخياً. وقيام غيرها بكيانات هزيلة ومسيرة ومسلوبة إرادة شعوبها. وهو الهدف الرئيسي للدول الغربية وإسرائيل معاً. وثم تنفيذ خارطة المستقبل لهذه الكيانات ككانتونات لا استقرار فيها ولا سلام دائم بين شعوبها،وأخيرا لا بد أن تقول.

     وهل تتراجع أمريكا من تهديدها بضرب سوريا بسبب عزتها دولياً وعدم تجاوب أوربا معها. أو بتصلب موقف روسيا من الضربة المحتملة.؟

     أم التهديد أصبح نوع ( من الحرب النفسية ) تطلقها أمريكا لفشل سياستها في المنطقة بعد تدخلها العسكري المباشر في العراق وليبيا ومساهمتها بإسقاط نظاميهما وقيام حكم طائفي تتصارع فيهما القوى المتنفذة للمذهبين وتنشط فيهما المنظمات الإرهابية الدينية المتطرفة مما أدى إلى عدم الاستقرار وشبه الحرب الأهلية بين الفصائل المتناحرة على السلطة ؟