كَرتّا دقَيسّي

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

الحياة في القرى حافلة بالنشاطات والاعمال والمهام الظرورية الكثيرة , فكان سكانها في حالة النشاط مستمر وقمة الحيوية لمواصلة ودفع عجلة حياتهم القروية بهمة لامتناهية الى الامام لكونهم كانوا يعتمدون في معيشتهم بالاساس على كد اياديهم ومن عَرق جبينهم , وهذه الاعمال كانت موزعة بين الرجال والنساء معا, وان اختلف معيار المقياس في بعض الامور.

 وهنا ساتطرق الى احدى الظواهر القروية الجبلية  والتي كانت على الغالب نسوية وهي كَرتّا دقَيسّي وهو مصطلح سرياني مركب معناه  حِمل , حَزمة الحطب الى جانب معاني اخرى لـ كَرتّا مثل هَم الحياة او المسؤولية , وقَيسيّ معناها القاسي من قساوة صلابتها , الكل يعلم ما للحطب من دور مهم في حياة القرية للنار ولاغراض اخرى بيتية وعمرانية,وبينما كانت رجال القرى في منهمكين في حقولهم وغيرها مع دوابهم كانت جوقة من النساء تخرجن معا في جولة لاطراف القرية او لمناطق بعيدة لجلب حملا من الحطب للتصريف اليومي خا قَبلا قَيسيّ اي حزمة حطب , ومعهن الحبال ولدى الوصول لتلك المناطق كانت النسوة تفترقن كل واحدة في اتجاه لا على التحديد  لجمع الحطب اليابس من  قَيسّي ويشّي  الحطب اليابس, هَشيّ, دقّيّ من دَقيقي الصغيرة , تَركّي  ,سريوقي من سرَقتا اي الكنس اي الحطب اليابس والنحيف كعود المكنسة , من بين الاحراش الجبلية على الاغلب او قطع الحطب بواسطة جَودتّا – نَرّا الفأس,وبعد جمع الكمية المناسبة من الحطب ,كان الحبل يمرر على الارض ذهلبا وايابا ثم تبنى الحطب عليهِ بالمقلوب خرخت, رِشا ختايا ,اي رؤوس بعضها مع مؤخرة الاخرى كي تثبت على الحبل ووضع حزمة من اوراق السنديان طَربّا والتي تكون لينة على المنطقة التي تمس الظهر تكون فاصلة بين الظهر الحطب اليابس وذات النتواءت الحادة كي لا تؤذي ظهر الشخص عند الحَمل .ثم يمرر رأسي الحبل على الحزمة ويشد بكل قوة حتى تتكبس الحزمة وتكون مضغوطة ,سهلة الحمل .

 وعند الانتهاء من اعداد الحمل كَرتّا , كانت النسوة تساعدن بعضهن البعض اثناء الحمل لان بدون مساعدة لاتستطعن رفعها واستقامة ظهرهن والانطلاق ,فتاخذ المراة وضعية القرفصاءوكان هناك جزاءا من الحبل ممتد من الحمل فتمررهُ من فوق رأسها على صدرها ثم تحاول ببطء القيام فتقوم امراة اخرى بمساعدتها  لتقوم المراة ويستقيم ظهرها , وهكذا كل واحدة تساعد الاخرى ثم ينطلقن في الطريق ويسامرن خلال المشي عن شؤون وشجون حياتهن الخاصة او الغناء . وخلال الطريق كانوا يستريحن من شدة التعب ولهثة الحر في الصيف , وذلك بوضع حملهن على صخرة ليكون مركز ثقلهِ على الصخور دون فكهِ او حَلهِ من الظهر ليكون من السهل النهوض والذهاب . وذات مرة استراحت النسوة لبرهة من الوقت, وبعد الاستراحة قامَن للانطلاق لكن دون احدى الصديقات فرجعن اليها ليجدن انها ميتة , كما واسقطت عدد من النساء الحوامل اجنهن من الثقل والتعب .

واضافت احدى السيدات من شدة العطش كنا نشرب مياء المطر المتبقية في مواضع حوافر الخيول , وذلك بوضع قماش فستاننا على الفم كي يصفي المياه من الحشرات وغيرها من الشوائب .او نصادف الذئاب او الدببة او تسلل الحياة او العقارب الى داخل الحزمة .او عند جمع الحطب فان الحشرات اللاسعة الدبابير  زرقطّي ,دبورّي تلسع وجوه النسوة وتنتفخ على الحال , عندئذ كانت تستعين باحجار ساخنة كِيبا شَخينّا تحت الشمس لوضعها على مكان اللسعة لازالة الانتفاخ .

وهناك حكمة سريانية مشهورة وعلى لسان الحمار مِري لخمّارّا شقدَن الوخ ايتلوخ خّا جَخشّا امريّ شقدَوخون لا بريخّا ولا طَاوا ان ديلّي هَر طينّي رِش خاصيّ , ذات مرة اوصلوا البشرى للحمار قائلين لهُ مبروك لديك جحش فقال وما جدوى البشرى مادام حملّي على ظهري!!

وكان في احدى قرانا رجل  لايستعين ابدا بخدمات الحماراثناء التحطيب قائلا ليبّي راخشن لاقلاتّا دخمارّا اي لا استطيع مواكبة مشية الحمار وتحمل بطئهِ, لذلك كان مثل الحصان في رفع الاحمال وقضاء الاشغال وبهمة فولاذية .

هولّي ويدّلاّ دونيّي كَرتّا ودريلاّ رِش خاصوّ, اي جعل الدنيا حملا ووضعها على ظهره يقال للذي يهتم بكل شيء ويعطي كل شيء حقهُ اي يوجع او يصدع رأسهُ بكل شاردة وواردة .

كَرتَن هَر هولا رِش خاصَن, اي حملنا على ظهرنا , هذه كانت حال شعبنا الكلدو آشوري السرياني فكانوا مستهدفين من كل الانظمة والجوارين ويهاجرون من منطقة لاخرى بحثا عن الامن والاستقرار,لكثرة الظلم والاضظهادات المستمرة .

ايمَن دخَولا قَطي قَيسي مبَربزّي, عندما ينقطع الحبل يتبعثر الحطب , يقال هذا المثل عند موت رب العائلة او فقدان القائد وكيف يتبعثر تابعيه فهو يؤكد على اهمية دور القائد او المسؤول في كل شيء.

آوا دآزل لقَيسي  دلا خَولا  سبيقَا دايّر,الذي يذهب للحطب بدون حبل يرجع فارغا , فالمثل يؤكد على اهمية اخذ الاحتياط اللازم في تدبير امور الحياة.

آوا دآخل مخَيتا دقَيسا عَل خاصهِ ليلي مَخ آوا دمانيلون, الذي يتلقى العصا ليس كمَن يُعدّها. يقال هذا من باب الشعور بالمقابل ومعاناتهم .

وكثير من الاباء والامهاء لديهم مشاكل في الظهر فيعزون سبب ذلك قائلين من يوقرّا دكراتّا اي من ثقل حزمات الحطب .هذه كانت اضاءة بسيطة على جانب من حياة اهلنا في القرى ,فالف تحية لتلك الايام الخوالي وبساطة حياتها . تَودّي ساكَي بارخ مار.