تساؤلات فكريه .. حول مفهوم الكتابه

 

                                                   

                                                             

                                                             

                                                                        

                                                              

                                                       

                                                        هرمز طيرو

                                                                          

 

 

     في حوار داخلي مع الذات ( Dialogue ) اشبه بممثل مسرحي في دورصامت ( مونودراما  Monodrama ) أتساءل نفسي كثيراً لماذا نكتب ؟ وهل هناك معنى وقيمة لما نكتب ؟ أو ما هي جدوى من الكتابة وخاصة الكثيرين يقرون ما يلي:

1 – البعض يتفحص العناوين فقط .

2 – البعض قرأتهم تتجاوز بعض العناوين .

3 – البعض يقرأ فراءة سطحية .

4 – بعض البعض فقط هو الذي يقرأ قراءة عميقة .  

   عليه فإن النتيجة في النهاية تكون محدودة التأثير وفي الكثير من الأحيان لا تعدو أن تكون منافسة بين الكتاب والمثقفين ، وتكون عند عامة الناس عابرة ينتهي تأثيرها بمجرد الأنتهاء من قراءتها ، لأن الحوار هو من جانب واحد ولا يتطرق لأسلوب الحركة من النواحي الفكرية والرؤية المتكاملة ، وهذا الأمر يدعونا في النهاية للتأمل العميق من أجل الوصول إلى نتيجة تصبح فيها الكتابة طرفاً فكرياً ورؤية عميقة وفعالة في تطور فكر الأنسان وفي حركة المجتمع الكلداني السرياني الأشوري .

   إنها محاولة جادة لتوسيع دوائر الفكر والحوار لأن نسبة كبيرة من أبناء شعبنا هم خارج هذه الدوائر ولأسباب عديدة ! من هنا تأتي قيمة كتابة هذه المقالة ( تساؤلات فكرية .. حول مفهوم الكتابة ) بإعتبار أن المسألة تحتاج إلى قياسات وأصول وضوابط وذلك من أجل أن تحقق بعضاً من أهدافها المنشودة ، ويمكن أن ندرج ادناه بعض الملاحظات وعلى الشكل التالي :

   اولاً : أن نسبة الأمية ( ليس فقط في القراءة والكتابة بل الأمية في الفكر والتحليل ) ما زالت متفشية بين أوساط كبيرة من أبناء شعبنا ، رغم كل الظروف ( التطور الهائل في نظم الأتصالات والمعرفة ) المتهيئة والملائمة لانحسار هذه العوائق ، لذا فالكتابة لا تصل إلى هذه الشريحة العريضة من الناس .

   ثانياً : لقد عرفت المدن والقصبات والمناطق التي يتواجد فيها أبناء شعبنا داخل العراق وخارجه معدلاً لا بأس به من الندوات الفكرية والسياسية والعلمية ، وذلك من خلال إقامة هذه الفعاليات في المناسبات القومية أو الوطنية ، ولا شك فإن حصاد هذا الجهد القيم لا بد أن يتحول من حصاد فكري وسياسي وثقافي إلى حصاد ملموس يصل إلى الشرائح الأجتماعية المحرمة فكرياً وثقافياً وهي صاحبة المصلحة العليا لكل هذه الجهود . وهذا لم يحدث ولم نلمسه لحد الأن ، لأن العملية الفكرية والثقافية كحالة عامة ليست متاحة للجميع بل أنها تصل إلى قسم من الناس الذين لديهم القدرة على تناولها والتعامل معها ومن ثم تداولها بين أقرانهم فقط ، وبعد ذلك تنتهي العملية بأنتهاء المناسبة ، وسبب ذلك حسب اعتقادي هو أنه لا تستثمر هذه المناسبات لخروج بنتائج محدودة تكون :

1 – مادة غزيرة لتبادل الأفكا ر والدخول في الحوار العام .

2 – مادة أولية لخلق فكر جديد ومستمر ومعاكسته .

    ثالثاً : تقوم فلسفة الكتابة على ركيزتين أساسيتين الأولى تتمثل بقضية التعبير والثانية تتعلق بمفهوم الحرية ، والكاتب الذي يتحرك خارج هاتين الركيزتين يشعر بالعجز الحقيقي ويتطوع بالانكماش في دوائر محدودة طلباً أما لمنفعة خاصة أو لدرء ضرر ما ، عليه فإن القضية تستحق الدراسة وتحتاج إلى مراجعة .

   رابعاً : لقد صنعت المادة الكتابية الثقافية الإعلامية زحاماً على امتداد ساحة الكلمة المقرؤة أو المسموعة ، مع العلم إن ذاكرة الإنسان في عصرنا الحالي اصبحت ثكلى بهموم كبيرة مما أدى إلى صعوبة استقبال الرسالة بكافة انواعها ، بالإضافة إلى أن هذه الذاكرة نفسها اصبحت لا تمتد لأكثر من عدة أيام ، لذا فإن الكتابة اصبحت جهداً فكرياً غير مضمون العوائد ولأسباب التالية :

1 – تشعب المواقف .

2- تداخل الرؤى .

   خامساً : إن الكتابة تعتبر من الوسائل المهمة للتعبير عن الفكر الحر وتكوين ظاهرة الرأي العام ، خصوصاً وأن وسائل النشر السريعة اصبحت واحدة من أبرز الصناعات الثقافية في عالمنا المعاصر ، ومع ذلك فإن معدل تناقص الأمية وتزايد دوائر ومساحات الحرية اصبحت خطورة الكتابة اضعاف ما كانت عليه من قبل . وهذا ما يغري الكثيرين للكتابة من جانب ، ولكن في نفس الوقت يثير التساؤل الذي هو عنوان هذا المقال ( حول مفهوم الكتابة ) مع ادراكنا مسبقاً من أن الكتابة لم تعد فقط ما يكتبه الكتاب المتخصصون اصحاب الرؤى المتقدمة ، بل أمتدت إلى ابعد من ذلك لكي تشمل ما يكتبه الكثير من الناس الذين وفدوا على مجال الكتابة من كل حدب وصوب ، خصوصاً وإن الكتابة انتقلت عند بعضهم من مرحلة التعبير عن الفكر والإبداع وتكوين الرأي العام إلى مرحلة تسمى 

( ملهاة سلبية ) .

    سادساً : إذا كانت لدينا الرغبة والإرادة في الانتقال من الحوار الذاتي إلى الحوار العام ، فإن هذه الرغبة تحتاج إلى إمكانية ومقدرة فكرية بالإضافة إلى الجو السياسي السائد والظروف الاقتصادية الجيدة . لأن الحوار العام ليس هبة فوقية أو قراريصدر من الجهات العليا ، بل إنه حالة فكرية إبداعية ترتبط بثقافات ( الديمقراطية ، العلمانية ، الليبرالية ) وأعتماد هذه الثقافات كأسلوب في التعامل وطريقة للحياة على المستويات الفردية ثم الأسرية بعدها تنتقل إلى المجتمع ثم الدولة .

     لقد أردت من خلال كل ما تقدم أن أطرح تساؤلات جدلية وفكرية عن جدوى في كل ما نكتبه ، وهل هناك مؤشرات معينة يمكن اللجوء إليها وبشكل جاد للوصول إلى تبادل الافكار والتصحيح المتبادل بين المتحاورين أو لغرض تحويل الحوار من طرف واحد ( الذاتي ) إلى الحوار ( العام ) وفتح باب النقاش حول كافة القضايا المصيرية ( السياسية ، الثقافية ، الأجتماعية .. ألخ ) التي تهم أبناء شعبنا وأمتنا ، خصوصاً إذا كان أحد هذه  التساؤلات : هل يمكن لنا أن نفكر في كافة هذه القضايا مع تحديد عدد من المحاور وكما يلي :

1 – إن الخلفية الفكرية والثقافية للكاتب المتميز وخصوصاً الذي له الدور الريادي في تشكيل عقلية الأجيال القادمة تعتبر من المسائل المهمة في تحديد الإجابة الواعية لتساؤلاتنا الفكرية عن لماذا نكتب وما هي جدوى من الكتابة من عدمها ؟ . وهنا ينبغي أن نسجل حقيقة نظراً لأهميتها بالنسبة لموضوعنا عموماً ، وهي إن قواعد الأزمة الأساسية لهذه التساؤلات لا تعود فقط إلى ضعف القدرات الفكرية والثقافية للكاتب ، بل إلى إنخفاض ونقص في كفاءة وقدرات بعض القراء ايضاَ .

2 – إن زيادة دوائر الحريات وأتساع مساحات التعبير هما أمران يجعلان للكتابة جدواها الحقيقي ، لأن الكاتب إذا أراد أن تكون له مصداقية مع نفسه اولاً ومع القارىء ثانياً عليه أحترام عقل وتفكير الغير ، وأن يتحرك في مساحات بدون مصدات أو حواجز ، فالحرية والتعبير عنها ليست طريقاً للمصداقية فقط ولكن للجودة الحرفية ايضاً ، لأن الكاتب الجيد لا تظهر أصالته ولا يتألق ضياء فكره إلا ضمن أجواء التي ذكرناها سابقاً وهي ( الديمقراطية ، العلمانية ، اللبرالية ) .

     يتضح مما تقدم ، ومن خلال متابعتنا لما ينشر من مقالات وكتب بأننا احياناً نقراء كتاباً أو مقالاً يحتوي كل منهما على :

1 – الأفكار الجيدة والتي تستحق النقاش .

2 – مساحة واسعة من الحوار لأن عدم الحوار تفقد الكتابة جزء كبير من قيمتها ومبرر وجودها  .

     لكن دائماً تكون المفاجأة في الجانب الأخر ، حيث يمضي ( المقال / الكتاب ) بلا رد فعل وكاننا نعيش في ظلام ثقافي وفكري دامس أو نعيش في وادي السكون . وتفسير ذلك لا يخرج من الحالة السلبية التي يعيشها المثقفون والمفكرون من أبناء شعبنا في العصر الحديث  بينما العالم يتقدم بوعي ويتحرك نحو الأفضل ، لذا يستوجب على كاتب المقال بصورة خاصة والمثقف بصورة عامة درجة عاليه من اليقظة والوعي مع أمتلاك هدف واضح وضمير شجاع ، وإعادة النظر في مصداقية الكتابة وشرف الكلمة وعدم الاتجار بالمفاهيم المستهلكة والافكار القديمة اللتين أصبحتا عبأين على شعبنا ، هذا الشعب الذي يسعى دائماً إلى التجديد والأبداع الفكري والثقافي دون الوقوف امام ظواهر التخلف والانتحارعلى طريقة " هارا كيري Harakiri "  وهي عملية انتحار التي كان يقوم بها المقاتل الياباني بعد هزيمته في المعركة ، حيث وفدها في مجال الكتابة قسم من كتابنا ، بينما بادر الأخرون بترويج ثقافات أخرى وهي الانتحار على طريقة " كامي كازي Kamikazi " وهي طريقة انتحار الطيارين اليابانيين ضد السفن الامريكية في الحرب العالمية الثانية .

    وعلى أية حال ، فإن الكتابة أن لم تكن إضافة إيجابية فهي حتماً ستكون وبالضرورة إضافة سلبية عندها لن نصل إلى الإجابة الصحيحة لتساؤلاتنا الفكرية في .. لماذا نكتب ؟ . لذا رأيت بأنه من الضروري كتابة هذه المقالة ، وما أعني به ( من الضروري ) هو مساهمتي أذا أجيز القول في عملية التنوير وتقفيف الفرد حول اهمية الكتابة والرد على ما يكتب اولاً ، والتمسك بالقراءة والكتابة والعودة إلى المعرفة والإبداع ثانياً .