احموا القضاء ... تحموا العراق!

 

                                                                                      

 

                                                                                                    جاسم الحلفي

        السلطة القضائية هي إحدى السلطات الثلاث في النظام السياسي للدولة، بجانب السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بغض النظر عن نوع النظام السياسي، رئاسي، برلماني، الجمعية. أما الفصل بين السلطات فهو المنظم للتعاون والرقابة المتبادلة، والمرسخ لاحترام كل سلطة للاختصاصات الوظيفية المنوطة بالسلطة الأخرى، وإذ أرسى افلاطون وارسطو اساس ذلك في "دولة المدنية" فقد بينه الفيلسوف الفرنسي (مونتيسكيو) بشكل اوضح في مؤلفه "روح القوانين". فيما عدّها المفكر الانكليزي (جون لوك) الوسيلة الضامنة لعدم تركز السلطة في يد شخص واحد على نحوٍ يعرض الحقوق والحريات للانتهاكات. ان الاستقلال المقصود يقوم على التعاون، وليس التقاطع، عبر التحديد الدقيق للصلاحيات، من اجل الوصول إلى الهدف الرئيسي للدولة، وهو تحقيق النفع العام للشعب.

  ان العراق وهو يعيش مخاض التحول اليوم، ويريد هجر فكر الاستبداد، عليه ان يتعامل مع القضاء كسلطة ثالثة، وفقا لما جاء في الدستور، وليس كجهاز ملحق بالسلطة التنفيذية، وذلك يتطلب احترام استقلاليته، بدون اي تدخل في شؤونه من اي شخص مهما بلغ موقعه في النظام السياسي. والملاحظ وكما شهد عدد من القضايا بان هناك تدخلاً واضحاً، من قبل بعض اطراف السلطة التنفيذية وخصوصا المتنفذين منها، وكذلك الجهات المتهمة بجرائم الارهاب او الفساد، وهذا امر مقلق وخطير. وفي شأن القضية التي اعترف بها منتسبو حماية طارق الهاشمي بقيامهم بعمليات ارهابية، وبتوجيه منه، كما دونها قاضي التحقيق، وتدقيقها والمصادقة عليها لاحقا من قبل خمسة قضاة، كان يمكن ادارة عرضها بعيدا عن اي تصور، يمكن استغلاله بان هناك ابعادا سياسية وطائفية تقف خلف القضية، ما خلق اجواء مشحونة بالتوتر الطائفي، ووفر غطاء لتدخل اطراف السلطة التنفيذية بجميع متحاصصيها، وبشقيها مجلس الوزاء، ورئاسة الجمهورية، كذلك تدخل السلطة التشريعية سواء من النواب او رئاسة البرلمان، في شان قضائي ليس من اختصاصهم الدستوري، فهذا يصرح بدلا من مجلس القضاء، وذاك يطالب بنقل القضية بعيدا عن بغداد، فيما كان المفترض ان يتركوا هذه القضية لمجلس القضاء الاعلى يديرها وفق الاحكام القانونية، فهو جهة الاختصاص اولا واخيرا، وليس سواه من ينطق بالحكم، إن الواجب يتطلب ابتعاد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بكل السبل عن القضاء خاصة في القضايا التي هي محل خصومة بين متحاصصيها. كي ياخذ القضاء مجراه، خصوصا وانه سبق وان اصدر احكاماً مشرفة، منها الحكم لصالح منظمات المجتمع المدني بانهاء الجلسة المفتوحة، والحكم لصالح الاستاذ مثال الالوسي حينما صوت البرلمان بسحب الثقة منه، والحكم لصالح الحزب الشيوعي العراقي بشأن قضية قانون الانتخابات، وان جاءت متأخرة، وكذلك الحكم باعادة  الفرز اليدوي لصالح قائمة دولة القانون. فيما كان هناك قضايا لم تكن فيها الاحكام واضحة كما يجب، ومنها تفسير الكتلة او القائمة الفائزة في تشكيل الحكومة، وطبيعة ارتباط الهيئات المستقلة. ان ازمة نظام الحكم بسبب المحاصصة الطائفية، واستمرارها واعادة انتاجها وتفاقمها، اثرت بهذا الشكل او ذاك على جميع مفاصل الدولة، ولم يسلم منها القضاء، فالطائفية والانقسام والفساد اثرت و تؤثر على جميع نواحي الحياة. ولكن مع ذلك لا سبيل امام العراق الا بسلطة قضائية عادلة ومستقلة، وهذا يتطلب فيما يتطلبه الكف عن التصريحات نيابة عن القضاء، وانهاء فرض الاشتراطات عليه، وتجنب فرض اولويات وقضايا اي جهة، فهو وحده المخول بتحديد ذلك، وعليه ان ينظر في جميع القضايا المطروحه امامه، وعدم استثناء قاتل او فاسد مهما كان موقعه السياسي والاجتماعي، وان يبادر القضاء بمقاضاة من يتدخل بشؤونه، او ينطق نيابة عنه ، ان تحقيق هذه المتطلبات، وغيرها الكثير، من شأنه ان يفضي، في نهاية المطاف، الى بناء نظام قضائي عادل ومستقل ونزيه وشفاف يحتل موقعه الصحيح باعتباره سلطة ثالثة عن حق، الى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن دون أي تقاطع معهما، فالاستقلالية لا تفترض القطيعة بل التعاون.