بيـــن موشي بولص .. و .. عادل أدهم آثار تصدح بالإيثار في نشر الأخبار

 

 

                                       

 

                       سلام صبري

             ومسيرة الألف ميل .. تبدأ بخطوة ( والخاء مثلثة ) , والإرادة القوية في التواصل مطلوبة , وكذلك ( القوى ) والقاف مثلثة , لمن تابع القراءة في سورة ( طه )! و قد يعسر الهضم عند من لا يدرك من الأمور إلا القشور! و لا سيما من لا ينعم بتأمل في الأعماق ليتحقق من جمال المعدن , وحقيقة الولاء عند البشر! ثم المسيرة استمرارية لا تقف في حدود القناعة , والنقطة أقرب مسافة بين خطين في الفكر الرياضي .. والعلم نقطة كثّرها الجاهلون في منطقة فلاسفة التصوف لا كل المتصوفة , والخلاف رحمة , والإصرار على الرأي بقوة وعناد هو الإجحاف بعينه بحق الحرية في زمن العولمة , وقبل العلمنة , والثالوث في مخاض يعدّ علناً إذا ما بات الخفاء ينزوي عن الرؤيا بعدما أكتضت الشوارع بموبقات الفكر , ولوثة الأشرار تقتل أسماك دجلة على مرأى الكأس الحاقدة في آثار أبي نواس! وهذا السبات الفكري في ساحة قرعاء ترفع شعار الولاء للبشر, والاصنام نحتها صناع القرار في كل بيت, ثم الخارطة آتية في رسمها الجديد من جنوب المدينة ولا من مبارز داخل ( الخندق ) , والفتنة قائمة تنتزع الابواب باباً و باباً في تلويث الفراتين , والنيل , والعاصي , وقد بدأ الزحف المغولي الجديد في ظل شباب تحّف الحاجب وتقلّم الأهداب في صالة ( التحرير ) على صورة سيف جذاب لمقارعة ( الطغيان ) .. وطوابير قوم لوط يغزون العمارات والأسواق , وينفرون من القديم في تقاسيم تبيح الزواج بين الذكران ... وتلك ( شموس ) تنزف دماً أزاء ( الغيرة الوطنية ) التي تدعي النسبة إلى فحول الشعراء , أو فحول الخيل في ظل الملك ( عمليق ) الذي أخذ يفترع النساء علناً على ضفاف داعر أو سوق تئن تحت سلاح جديد في التباهي بـ ( الزنيم )! 

 


والألف ميل , تبدأ بخطوة , والخطوة بدأت .. ولن تنتهي! فالكل يلقى نحبه , ولا ينتظر , والكل يمسك بخيط الأمل , ويعيش الأمل , ويحوك خيوط الشمس حين يروم الوصول إليها !
بهذه الدافعية المغروسة في الأعماق تنهض الهمم لأحتواء اليأس , وتتدارك مخايل الغرور , بل هنا يفتح التاريخ بابه لمن يريد دخول سطور المجد أو ذهن الخلد! وهكذا دخل ( أينشتاين ) مختبرات العلم , ورسم البعد الرابع , إلا أن زحفه غير المؤطر بالحكمة قد سلم الفناء العام بيد أشرار العلماء , فانتكس فيهم الخير , وذروا هلوسة القتل في المعادلة الذرية التي وضعها ( أينشتاين ) بين أناملهم .. من غير أن نلعن يهوديته الألمانية , بل تهويده للعلم في هذه الصورة البشعة , فجاءت مأساة ( هيروشيما ) و ( نكازاكي ) ولايزال العالم يدفع ثمن الخوف والرعب في إستمرارية مخيفة لاتعرف التردد أو التراجع في ظل قطب أحادي بمثابة الحادي الذي يستحوذ على قيادة غدٍِ مجهول ورهيب إلاّ ما شاء ربك , وليس ربّك بظلام للعبيد . 
وبهذه الدافعية قبل ( أينشتاين ) قد فطن ( نيوتن ) إلى ( الجاذبية ) في ( تفاحة ) هَوت على الأرض , ولم تعلُ إلى السماء , وهنا بدأ التأمل الباصر في الخاطر , لا غريزة البطن الأثر! و يزحف الذكاء العلمي لرجل يضعه البعض في المقدمة من ( المئة الأوائل ) في التاريخ ! لأنه لم يأكل التفاحة لعقيدةٍ في صدقة جارية في الثمار الساقطة ! بل لتأمل في حركة ( التفاحة ) التي فتح تجانس حروفها الألمعي ( نيوتن )! ولا نبخس العالم حقه , ومن قبله إذا عرجنا على عالم من عيار ( الطوسي ) الذي هزّ قبل هذا وذا أعماق الفكر في أوربا والغرب بتجاربه وآرائه في الفيزياء والرياضيات , ويوم كانت بغداد في البلاد كالاستاذ في العباد! وكان الرجل يخرج من حمامات ( الأندلس ) الراقية كما تقول : ( زيغريد نولدكه ) : كانت فرنسا وأوربا قابعة في أوحال الطين ! ولم يعرف أنصار ( التربادور ) الحضارة إلا من صقر قريش, أستقطبت بـ ( غرناطة ) و ( الحمراء ) دعاة أبراج اليوم , وما من جميلة بيضاء تجول ( فوق إيفل ) أو تتباهي بالعينين ( الزرقاوين ) أو ( الخضراوين ) إلا لسان حالها يقول : وفي غرناطة ميلادي !

وقبل ( أنشتاين ) و ( نيوتن ) يعلو صراخ رجل عار يهرول وسط ( أثينا ) بين الناس , والحوانيت , والأزقة , وهو خارج من الحمام بلا وعيٍ أو ملابسٍ ( وجدتها , وجدتها ) : [ إن حجم الجسم الغاطس يساوي حجم الماء المزاح ] فذاك ( أرخميدس ).. ويتأمل (عمانوئيل كانط ) بعمق فيستحوذ على مرضه عبر شرفته بطريقة ربّما أقتبسها ( هيرمان هِسة ) في بناء ( سد هارتا ) , والقائمة طويلة , وطريفة , وعجيبة – شرقاً وغرباً – وقد لاتنتهي .. 
ومن الإنصاف أن نتأدب مع التاريخ , وبعض مروياته , ونختصر المسافة في تناول أبي عثمان الجاحظ ( ت 255 هـ ), فيروى عنه طرائف وتقال فيه لطائف ! وأطرفها لطيفة , وألطفها طريفة .. ما يروى عن سقوط الأسفار على رأسه , ليقضي نحبه وسط حانوت كتب , أو خزانة أسفار , فتفيض روحه إلى بارئها تحت أنقاض العلم , فيمضي إلى فناء اللحد , وعزلة القبر , تلحقه الجاحظية الاعتزالية في أندثار سريع الى رمسه أو قبل درسه ! ولكن هذه الفانية لا تمنع أن يترك بعده ذكراً , ويحمل معه فكراً , وهو صاحب أعتزال غازل به أكابر خلفاء بني العباس , وأشترك مع أبي داود وعصابته في أذى أحمد بن حنبل في محنته التي جرته إلى حتف محقق ! 
نعم , أبو عثمان بن بحر الجاحظ .. هذا الكناني صليبه , والمعتزلي ولاءً وفكراً .. كان منهل رواء وإرواء , ولايزال طالب العربية - رغم محنة العلم - ينهل من رواق بيانه وتبيينه , ويمتطي صهوة ,( حيوانه ) وينعم النظر في ( رسائله ) .. ويغتني من أفاكيه فكره المروية في ( البخلاء ) وهي حكايات عِظة , وأدة معرفة , وإسقاط لحالات , وترجمة لجانب من تاريخ عصر , في مصر أو أمصار! ولا يخفى على طموح أبي الطيب المتنبي ( ت 353 هـ ) أن يجول وسط هذا التراث الضخم, ويخاطب عقولاً واعية تفردت بتيجان البيان في كل العصور سواءً في مصر أوحلب أو بغداد أو الكوفة أو البصرة , وقد زارها جميعاً , وعانى ما عانى حتى لقى حتفه ونحبه على أرض الكوت :
ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ 

والألم يصنع العبقرية والابداع الحقيقي يغوص وسط هذا الألم, ويسكب على جراح الأخرين من روح المبدعين ! وكل ما لم يقتل الأنسان فهو يزيده قوة ومنعة وصلابة , وهكذا ينهض الأديب وسط المآساة والمعاناة والمرض ! فيداوي جراح غيره بالقلم والألم , ويصنع منهما الأرادة , ومن يقرأ ( نيتشة ) يدرك صحة المذهب في ما تصرفنا به من سطور من بنات فكره , وأم فلسفته !
ومعذرة .. وها نعرج بعد نسيان متعمد , وغفلة هائمة موشي بولص .. و .. عادل أدهم .. هذان الثنائيان في خطوة الألف ميل .. فهما وتران في قيثارة واحدة , أو مأساة متحدة , ورمزان من الصداقة في حلبة المعرفة في مدينة الأطياف , التي تقع بين داقوقاَ والقلعة .. أو هي آربخا التي تشع عليها صقل الولاء بمنتهى الإيثار في تلك النار ! ومن لم يفهم الأزلية في أشتعالها لن يصبح أديباً تحرقه أسنة القلم , وألسنة الحُرقة ! 
( موشي بولص .. و .. عادل أدهم .. )* يحملان عبء الآخرين وسط الزحام , لأجل نشر كلمة صادقة هنا , أو سطور محبة هناك .. توأم روحي في العمل يقتطع من قوت طفله , وحليب فلذة كبده , لأشباع عقول ظمأى تفتقد إلى هذه الذخيرة !
موشي بولص .. و .. عادل أدهم .. في كل يوم تشرق فيه الشمس أو لاتشرق فهما لا يأبهان بشروقها المادي قدر شروق معنوي في الشارع الثقافي , يحملان صحفٍِ من هنا , ومجلات من هناك , وأسفاراً من هنالك .. ويأتيان من مسافات بعيدة إلى مسافات أبعد .. ويفرغان كل مالديهما من مالٍ وأوراق أو أصفر رنان لأجل رنين في إصدار وأصداء المعرفة .. والجود بالنفس أقصى غاية الجود ...
إيثار متفانٍ تلمسه في أديبين يجمعهما حب نشر الثقافة , وحب إيصال الربح المعنوي في تجارة لاتبور إلى أذهان وسط فرات لا شائبة في عذوبته .. من مذاق أو آهة لملحٍ أجاج .. أو تأوهٍ ممزوج بالمن والأذى .. 

ومهما كان حجم المؤامرة على ضفاف ( خاصة صو ) أو ( دجلة الخير ) و ( زورق القيسي ) وصرخات ( الجواهري ) .. و .. و .. فلايزال الخير يصدح وسط المأساة , ويغسل ما تأكسد من شغاف النفوس بأطلاء ( موشي ) وطلاء ( عادل ) بإخلاصهما في هذا التواصل والوصول وبقوة في شفاه المعرفة لتلتقي الأسفار في وتر الإيثار, ويصبان معاً في شط التآخي كالرافدين اللذين نهلا منه , ولم يريا جفافاً لأنهما يسبحان فيهما يومياً من المنبع حتى المصب , ومن كان هذا ديدنه يرى العراق في خير أبدي , وفي نار أزلية تشع في النفوس والعقول , وتوحد المصير لغدٍ مشرقٍ زاهٍ :

حين تعتدل الدهماء
( يا عادل )
وينتصب الفارس للنزال
وتهيم بـ ( أشجان )
قد رسمها ( موشي )
وتأخذان درباً واحداً 
- في القناع – 
خلف الباب
هنا :
يأخذ المسكين بضاعته مسرعاً 
( ويمشي )
ويبخس حق ( عادل ) و ( موشي )
لا عليكما
ففي كل زمن :
يصارع ( الشر ) كل ( خيرٍ )
وبه ( يشي )
! ! ! بالإبكار والعشي ! ! !


* موشي بولص , وعادل أدهم : أديبان ناشطان ثقافياً .