الجزء الاول

 

المفهوم الفكري للحركة الديمقراطية الأشورية حول العلاقة بين الفرد والمؤسسة

 

                                                                                                                

 

 

                                                                                     

                                                        هرمز طيرو

                                                                          

 

              ( دور الفرد )

 

                  بعد الزيارة التي قمنا بها إلى الوطن ( العراق ) برفقة السيد يوسف نمرود كانون ، أود أن أبحث في قضية تستحق الدراسة والتأمل وأعني بها ( دور الفرد ودور المؤسسة ) في حياة شعبنا الكلداني السرياني الأشوري في النواحي السياسية والثقافية والأجتماعية ، وقد احتل هذا الموضوع مساحة كبيرة في عقلي وذلك بعد عدد من الحوارات الفكرية مع مجموعة من المثقفين والسياسيين المهتمين بالشأن القومي ، وكان واضحاً بأن الحوار مع هؤلاء السياسيين والمفكرين والمثقفين قد أثار لدي رد فعل إيجابي ووضعوا يدي بشكل غير مباشر على قضية مهمة ومفتاح أساسي في الكثير من القضايا الفكرية والمسائل الجوهرية التي كنت أنظر إليها وأفكر فيها لكن بالنتيجة لا أصل إلى رؤية إيجابية بشأنها ، لذا من الضروري هنا أن أوكد بأنني سوف أتناول في هذا المقال والمقال القادم العلاقة المعقدة والمتشابكة بين الفرد تحت عنوان ( دور الفرد ) من جهة ، وبين المؤسسة تحت عنوان

 

( دور المؤسسة  ) من جهد أخرى ، وذلك في إطار الموروث وحدود تداعياتها المستمرة دائماً . عليه فإنني سوف أطرح بعض من الافكار التي قد تساعد في فهم جوهر هذه العلاقة ( الفرد والمؤسسة ) والذي تتجسد فيه ومن خلاله الكثير من مشاكلنا وقضايانا المعاصرة ، وأهم هذه الافكار الموجزة هي في الملاحظات التالية :

 

اولاً : إننا نؤكد هنا بأن للفرد دور مهم في التاريخ البشرية ، وندرك جيداً أن بعض الأفراد قد صنعوا التاريخ في محطات مهمة ، بل أن بعضهم قد ساهم في تحول حاسم في نقاط مهمة في تاريخ الشعوب والأمم . لذلك فإننا لا نعتبر أن دور الفرد وبصماته لا وجود لها في مسيرة التاريخ ، لكن نقولها بكل صراحة ، أن حجم الفرد بين أبناء شعبنا ( تراثياً وتاريخياً ) بشكل خاص وفي منطقتنا بصورة عامة يبدو أكثر من حجمها ، بحيث في بعض الاحيان يتجاوز حدود التوازن النسبي بين الفرد والمؤسسة التي يترأسها ، لأن مجتمعنا كما هو واضح هو مجتمع ( زراعي عشائري ) عرف الإدارة البدائية بشكل مبكر بالإضافة إلى كونه مجتمع محافظ له خطاب ديني معين والذي يتحدث عن دور الفرد في المؤسسات المدنية والدينية ، ففي تراثنا وتقاليدنا سجلات مليئة لطغيان دور الفرد في هذه المؤسسات كمعبر أساسي لها في الحياة العامة .

 

ثانياً : أن دور الفرد ورمزيته في تشكيل شخصية المؤسسة تعتبر ظاهرة عالمية ، فعندما نتحدث مثلاً عن القوانين فإننا نتذكر ( حمورابي ومونتيسكيو ) وحين نتحدث عن الأمبراطورية الأشورية نتذكر ( أشور بانيبال ) وعندما نتحدث عن الأمبراطورية الرومانية نتذكر ( يوليوس قيصر ) . وعندما نتحدث عن رواد نهضتنا القومية فإننا نتذكر نعوم فائق وأشور يوسف وفريد نزهه وأغا بطرس وفريدون اتوريا ، وحين نتحدث عن مؤسسي وشهداء الحركة الديمقراطية الأشورية " زوعا " عندها نتذكر ( يوسف توما ، يوبرت بنيامين ، يوخنا أيشو ، نينوس بتيو ، يونادم كنا ، يوسف بطرس ) ،  لذلك فأنه لا يمكن أن ننكر وبشكل مطلق عن ارتباط وأهمية الفرد في المؤسسة ، لكنه يجب أن يكون واضحاً  أن ارتباط الفرد بالمؤسسة وارتباط المؤسسة بالفرد هما من القضايا المسلم بها ، ولكن طغيان الفرد على المؤسسة وإلغاء المؤسسة لدور الفرد هو موضع النقاش الأن ومحل الجدل .

 

ثالثاً : أن ثقافة تعظيم دور الفرد على حساب المؤسسة التي يترأسها هي ثقافة عالمية ايضاً وقديمة ، ويعود أساس هذه الثقافة إلى أهمية السلطة كظاهرة في تاريخ البشرية عموماً ، فالسلطة في مجتمعاتنا ( ذات مرجعية تتحدث عن قدسية الفرد ) هي مركز الجاذبية ، منها يستمدون القوة ، وحولها يلتفون ، وإليها ينظرون ، لذلك فإن جل اهتمامنا يذهب إلى من يشغل الموقع الأول في المؤسسة ، أكثر بكثير من اهتمامنا على دراسة المؤسسة التي يديرها ذلك الفرد ، ومناقشة ما جرى ويجري عليها .

 

رابعاً : أن غياب التقاليد المهنية وتناقض أعرافها أدى بعدد كبير من المؤسسات إلى حالة التراجع والانزواء الذي يصل إلى حد الاختفاء التدريجي ، وهذه الحالة بالذات تعود إلى معضلة مجتمعنا المدني وما يعتريه من المشكلات والضعف في إيجاد العلاقة السليمة بين الفرد والمؤسسة .

 

وهنا نأتي إلى جوهر القضية وهي مسألة شديدة الأهمية وبالغة الحساسية في تحولنا الثقافي والفكري والأجتماعي ، وهي ضرورة أن يدرك العقل الكلداني السرياني الأشوري ما يلي :

 

1 – أن تقوية الفرد ليس دائماً على حساب المؤسسة .

2 – أن تقوية المؤسسة لا يكون على حساب الفرد .

 

بل يمكن أن يكونا ( الفرد والمؤسسة ) كليهما عاملين إضافيين أحدهما  للأخر وليس خصمين أحدهما على الأخر. عليه فأننا لا نريد أن نعود من جديد لنسال السؤال الساذج مرة أخرى ، ما الذي يصنع المؤسسة :  هل هو الفرد الذي يترأس تلك المؤسسة ، أم أن ذلك الفرد يستمد قيمته وقوته من ذلك المنصب الذي يشغله في المؤسسة . وهنا نقول ايضاً وبشكل واضح ، أن اختلاط الفرد بالموقع أمر له بريقه ، وخاصة ونحن نعيش في مجتمع تضرب فيه السلطة بجذورها في اعماق التاريخ ، فهذا المجتمع الذي ننتمي إليه قد صنع شبكة معقدة من العلاقات بين الفرد والمؤسسة ، وأعطانا واحداً من أكثر الأجهزة الإدارية المعقدة والمتشابكة عبر تاريخيه الطويل ، بحيث أصبحنا في دائرة لا نخرج منها ولا نشعر بالأمان من دونها .

 

اخيرأ ، فإذا كنا نريد بحق أن نصل إلى مجتمع ذات مؤسسات راسخة مزدهرة قوية ، فلا بد من البحث في القضية التي يطرحها هذا الموضوع ، وهي أهمية تعزيز دور المؤسسة والأنطلاق منها والبناء عليها ، لأن الحياة كلها تقوم على الشراكة في التقاليد وتداخل الافكار والتقارب في الرؤى وامتزاجها مع الواقع ، فالمؤسسة يجب أن تبقى وتتقدم وأن يتعاظم دورها وينتشر تأثيرها ، وذلك لأننا نشير لقضية مهمة ونحرض على التفكير فيها ، ونسعى إلى إيجاد حوار هادف وموضوعي حولها ، يثري حياتنا الفكرية والسياسية والأخلاقية ويدعم مؤسساتنا المدنية ولا ينتقص اطلاقاً من قيمة الفرد

 

 

الحلقة القادمة ستكون تحت عنوان ( دور المؤسسة )