الفيلم الذي أحدث رجة في دماغ المدينة إثنين لاثالث سواهما...ستارجبار.. وحسن السوداني....

 

                

                                                                                  

                                                                                     فهد عنتر الدوخي                   

    لونستعير كل شيئ، الكلمات ، الجمل ، القصائد ، التحايا ، الرسائل بكل وقعها على ذاتنا ،  نستعيرها من قواميس الحياة التي رسخت ركائز الصداقة والأخوة وكل اللقاءات والأماسي وأعوام البساطة والعفوية ، عندما كانت النفوس راضية مطمئنة واثقة ، طوينا الماضي بكل عنفوانه لنستمد من شموسه التي أشرقت في باحات المحبة والزمالة وأمكنتها التي وثقت في حياتنا ، القسم الداخلي في مجمع الطالبية ، النادي الطلابي في الجامعة المستنصرية ، باحاتها وحدائقها وملاعبها وكثير من  البساطة والتعب الجميل ايام السفرات الطلابية والحفلات ، وفرحتنا على عفويتها بإنتظار زميلاتنا المنحدرات من سكن الطالبات في شارع فلسطين والوزيرية و حي العقاري وأيام التمرد على الصمت والمسكنة ، و20 دينار نضعها في جيب قميصنا الشفاف بعد  حصولنا على المرتب الشهري ، نطوف شوارع  عاصمة الرشيد بفرح تلقائي ونفوس صافية كماء دجلة في فصل الخريف ، جريا على الأقدام حتى نصب الجندي المجهول ,في ضواحي ابو نؤاس ندغدغ حواسنا بشئ من المتعة والسحر البغدادي  الأخاذ وتدفعنا الرغبة أحيانا لنخرج قليلا من حجرنا لننعم بنسمة باردة تخترق أفكارنا النحيلة بتحدي لوجعنا ، حتى نطوف بنغمة عراقية أصيلة(الليلة حلوه، حلوه وجميله...الخ).

  وعندما يرخي الليل سدوله نحمل عبثنا الشفيف حتى  باب المعظم بحثا عن لفة فلافل  مكسوة بعنبة ناشزة من عمو( ابوأيوب) نخترق الجموع المحتشدة في الليالي النسيانية ويخطف رؤانا الفضول ونحن نسترق النظر الى ثلة من الطلبة العرب المارين هكذا في كل الليلة ،قادمون من الرابطة في الوزيرية حتى أكاديمية الفنون الجميلة ، وروائح أشجار الدفلى وملكة الليل تطعم هذا المكان بسحرلاتدركه دواخلنا حتى غادرناه  ونحن لانعلم ماذا تخبئ لنا الأيام وحتى زميلنا( ابوجنيده) البصراوي الثمل غالبا ما يردد شعر السياب في منفاه عندما يعاقر الخمره بعنف منقطع ويتلعثم آخرها إذ ليس بوسعه إستذكار( الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق... وأحسرتاه متى أنام....) حتى يقع مغشيا على  جنبه وسرعان مايصحوا باكرا بتلك الإناقة حاملا(الليفكس) متجها صوب الجامعة حتى  نبعد جذور الشك  عما رأيناه بالأمس ، وحالما نلتحف الصباحات البهية ويدوخنا عطر الزميلات وتستبد بنا ألوان الزهور الضاجة بالجمال والنمو، نخرج أفواجا متراصين بزينا الجامعي الموحد وقهقهاتنا تلمئ المكان بفوضى طفولية غاية في الرقة سعيا الى مقاهي الميدان لننعم بلحظة خاطفة ونحن نتدلى من الطابق الأعلى لباصات نقل الركاب يمس سمعنا صوت أم كلثوم... سمعت صوتا هاتفا بالسحر،حتى يوقظنا الجابي بتكشيرة بريئة.. أين بطاقتك؟؟ونضع في محياة إبتسامة مصطنعة ونصبر على وجوده بمضض حتى يغادرنا الى ... ندس همسنا بين هرج  ركاب المصلحة ويركبنا الغرور ونتغاوى بزينا الجامعي الأنيق وبحمل مناهجنا الدراسية التي تبدوا وكأنها لم تفتح طوال العام الدراسي..

    ماذا تخبئ لنا سينما النصر اليوم يطالعنا الفيلم الهندي( Iam adisco dancer) الذي أحدث رجة في دماغ المدينة لكثر تكراره حتى كرهنا الهند والباكستان  وإقليم همذان وأحذية الروغان وساحة العرضات وساحة الإحتفالات لكثرة ماهرجنا تمجيدا لقصة هذا الفيلم, والجميع كان يدرك سفاهة هذا المخرج وضعف حجته وطغيانه وجبروته, لكن سرعان ما أخذتنا غفوة ونحن نسبر أغوار شوارع المدينة  ويثائب بنا الباص في آخر نهار ويزعجنا بكثرة وقفاته و تنوع ملامح البشر الذين يستقلونه، من دول العالم كافة وأغلبهم من القارة الخدومة للشعوب آسيا، حتى بارك السعدون، أين أنت ياكباب  كويسنجق؟ أمسيت بعيدا عنا لانصدق أننا سنصلك وسنلحق بشيش يزاحمنا عليه من تسكع في  الطرقات والمقاهي والشوارع والفنادق إخواننا الذين وفدوا الينا(لخاطر عيوننا) حتى عبئوا جيوبهم، و بلدانهم بما خف وزنه وغلى ثمنه ويطمأننا رشدي عبد الصاحب  من مذياع الحافلة على أننا لازلنا بخير، يداهما فك  إشتباك إخوة من المصريين في شارع المربعة المحتلة من قبل النظام المصري أنذاك والفاظ تخدش الحياء ونحمد الله أننا  نعيش في وطن الخبز فيه أكثر من الماء وتمرنا المحسن والمغلف والمعبئ بعلبة  مغرية نستورده من اليابان بيض الله وجوههم وسود الله وجه الشيطان، ربما لاتسعفني الذاكرة  غير أنني وددت تقبيل سيف الفارس العربي المنضوي في ساحة النسور حتى تبلل قميصي  من صنبور مياه النافورة المتجبرة على الساحة وشاهدت بأم عيني إستهجان المارة على فعلتي النكرة، وأخشى أن أسرد عليكم قصة الكلب المأصل الذي هاجمني بنية صافية ربما لمزاح ثقيل وأنا اترنح في شوارع الكرادة ابن الكلب البوليسي حتى قيل لي أن ثمنه كان يتعدى ال(2500)دينار يوم كان سعر صرف الدينار العراقي يساوي ثلاث دولارات ونيف قبل أن يهبط الى هذه الهوة السحيقة.

    الحمدلله انني حافظت على ملابسي الزيتونية ورجعت أقل  إنكسارا والكلب الجميل لازال يتوعدني هيهات، هيهات  أن أخطف بصري ثانية وأفكر بالرجوع سأستغني عن الملوخية في المربعة وأعود بزنبيل من الخبز الحار اجلبه من قريتي النائية التي تطرق ابواب الصمت فتجدها مؤصده أمامها، وأنا يلفني وهم ساذج اريد أن أكتب قصة عن زميلة لي أحبها فوق العادة يعرفها عين اليقين صديقي الحميم الناطق بأسمي بدون ترخيص( ستار جبار خليل) طيب الله أيامه ووفقه( رب أخ  لك لم تلده أمك) وكلما اسطر حرفا أجده يتشمس في بالكون القسم الداخلي مفترشا محاضراته وأوراقه الجامعية حتى تتشتت أفكاري واشعر أنني بعيدا عن لغة الأستاذ والتحضير للمادة، ساعتها أفكر جليا بكلام والدي الذي يسألني دائما وببساطة ياولدي ماذا تعمل في بغداد؟؟