شَهَانا

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي

     خلال موسم الصيف كان لأهلنا القرويين مهام كثيرة للقيام بها , وفي مقدمة تلك المهام الضرورية رفع بيادر الخير والسلام (مَرَمتا دبيدراثا ), بعد عملية الحصاد للمحاصيل من الحنطة والشعير والعدس والماش والسمسم والرز وغيرها. ونقل هذه المحاصيل إلى البيادر بواسطة أداة خشبية توضع على ظهر الدواب تسمى (شَخرا ) . وبعدها تاتي عملية الهرس لتلك المحاصيل عبر ( دوارا , أو جَنجَر , كَركَرا )  ومن بعدها عملية إمرار المحصول في الهواء ( مدَريثا ) لفصل الحبوب عن مخلفات التبن,كانت الحبوب تُجمع في كومة ( قوخا ), ثم تنقل إلى البيوت ,مع التبن العادي (تونا ), والتبن الناعم ( كمَريثا ), والخشن عُقَد سيقان الحنطة أو الشعير ( قطرا ),والذي عادة كان يستخدم لسطح المنازل عند التحديل (مَندَرتا دكَاري ), أو لوضعه في الطين ليكون لزجا ومتماسك للإعمال العمرانية (جَبله دطينا ) خبطة الطين.

     وفي بعض القرى كانت غالبية الأراضي تابعة لشخص واحد يدعى أغا (رابا دماثا ), وكانت الناس تزرع أراضيهِ بالنصف أو اثنين مقابل واحد أي حصتين للفلاح مقابل حصة واحدة للأغا (تري خا ) ,هذا بعد أن يأخذ الفلاح حصة البذور المزروعة ( بَرزَرعا ), الفلاح في هذه الحالة كان يدعى ( كراخا ) أي الشَغيل . وعندما تكون المحاصيل جاهزة على البيادر, والتي كانت غالبا في مخارج القرى لحاجتها لتيار هواء قوي لتصفيتها, ومن جانب الأغا أو مالك الأراضي كان يعين شخصا من قِبلهِ في القرية ليحرس محصول البيادر, لحين وصول رجاله لاقتسام المحاصيل ونقلها الى مخازنه فيما بعد.

    وكان هذا الشخص يدعى بـ ( شَهَانا ) وهذا الاسم بالأصل مشتقة من الفعل السرياني الثلاثي ( شهَر , اشهَر من شهَرتا, شَهرانا ) أي الساهر (ناطورا ) للحراسة البيادر ليلا ونهارا ,فكان القرويين ينصبون له قمرية (كولا , قَبرانا ) ليَتفيأ بظلها نهارا, وكان عمل هذا الشخص مقابل حصة معينة من تلك المحاصيل, أو مقابل مبلغا ماليا, وكان لـ ( شَهَانا ) عصا شبيه بالمسطرة ومختومة أي منقوشة عليها حفرا أشكال وزخارف مختلفة ( شَبوقا او شَبوقتا ) ,فكان هذا الرجل لدى جمع المحاصيل على شكل كومة ,فكان يختم الكومة بعصاه أي يضعها على حوافي الكومة ( قوخَا) من كل الاتجاهات فتطبع نقوش الختم علة المحاصيل , عندئذ لا يمكن لأي شخص أن يأخذ من هذه الكومة ولو بكف او حَفنه, وان حصل واخذ حفنة خلسة فان المحصول سَينهار ويضمحل أو تتشوه ملامح الختم, وعندئذ يعرف (شَهَانا ) بان البيدر تعرض  للسرقة. هذا كان عمل ( شَهَانا ) الناطور ,حرسة البيادر لحين انتهاء الموسم.

ولشعبنا الكلدو اشوري السرياني أمثلته وطرائفه بهذا الخصوص .   

وكان للبيدر سلامها الخاص يقال (بوركاثا ببيدروك ) البركة ببيدرك ,فكان الجواب (بوركاثا ببيتوخ ) البركة ببيتك.

( بازر  رش بولخانا ولا قَرقَشتا رش بيدراثا ) ,أي الاتفاق عند الزراعة أحسن من القرقشة أو التعارك على البيادر.

(ريشي مليا تونا ) أي رأسه معبأ بالتبن , يقال للشخص الغبي .

( بيدرا خما دبَوخا ايلا ) أي البيدر تعتمد على الهواء. يقال للشخص المعتمد على الآخرين , (بهيوي دناشي ميتا ايلي من بيرَماشي )أي المتكل على الناس فهو مَيت من البارحة .

    وفي إحدى قرى شعبنا ,كان هناك باعة جوالين من اليهود يبيعون الملح وغيرها. وفي احد الشتاء , كان هناك ديوانا من الناس يتسامرون حول برودة الجو و زمهريره , وكانوا مستاءين من الجو البارد, فبادر اليهودي قائلا لهم لماذا تشكون من الهواء؟؟ إن أردتم بيعوهُ وتخلصوا من شرهِ!!. فتعجبوا من صلافة كلامهِ وضحكوا مستهزئين بعقلهِ! فبادر احدهم قائلا مَنْ يشتريهِ أنتَ ؟ فرد ولِمَا لا ! سأشتريهِ إن كنتم باعة حقيقيين !!.فانا مستعد قولوا سعركُم !!

     فتعجبوا من سذاجتهِ الثقيلة والمُقرفَة ( هَبلا , شيذانا, دَيوانا ) فاحدهم قال سعرا يستهزئ بخفة عقلهِ , ففي الحال وضعَ اليهودي يده في جيبه واخرج المبلغ ووضعهُ أمامهم , عندئذ تيقنوا من جديتهِ . وفي الحال أخذَ المبلغ منه ,فقال لكني أريد ضمانه أكيدة منكم بالبيع , فهاتوا الكتاب المقدس وضعوا يدكم عليه واحلفوا لتأكيد المسالة بأنكم جديين ,ففعلوا له ذلك, وانصرف اليهودي إلى حال سبيله , فقالوا ( هَدخا ايلي شكلانا خمارا وسيرا باقلو ) أي انهُ يستحقُ هذا فهو حمار ومربوط من رجلهِ!! وجاءت الايام ,وذهبت الأيام , فحل موسم البيادر وتصفيتها عبر إمرارها في الهواء . فتشرفَ اليهودي بطلتهِ على البيادر ليرى بان الناس مستعدين للتصفية , فقال توقفوا ماذا تفعلون ؟ فليس من حقكم استعمال هوائي ! فأنكم بعتموهُ وأكلتم ثمنهِ أهذا هو يمينكم بالقسم ؟ فخجل الناس من هذا الموقف وتذكروا بأنهُ على الصواب, وانهُ فعلا ضَحكَ على عقولهم جميعا !! فقالوا وما الحل ؟ فيجب تصفية بيادرنا قبل أن يدركها المطر,فرد اليهودي هذه ليست مشكلتي !

  لكن أن أردتم تصفية بيادركم اشترهُ مني ثانية وبأربعة أضعاف . وفي النهاية خضعوا لمطلبهِ ودفعوا لهُ ,وهو الذي ضَحكَ على ذقونهم .

   وعلى ذكر الباعة اليهود ففي إحدى قرى شعبنا ,كان هناك رجل عصبي ومتعكر المزاج دائما ( زوانا دبَلاثا ) أي يشتري البلايا أو المشاكل ( مبالط بَلا من قُرما دناثو )أي يختلق البلايا من عقر أذنهِ.( بَالش من طللو ) أي يتعارك مع ظله ( بَالش من شرمو ) أي يتعارك مع مؤخرته .

   ففي احد الأيام تشرف احد اليهود ليبيع الملح في تلك القرية , فهذا الشخص راقب اليهودي لحين خروجه من القرية , فقطع طريقهُ قائلا له ( ايكا ديوخ لي لا مْرايا) بمعنى أية مكان في جسمك لا توجعك ؟ فانهالا على اليهودي المسكين بالضرب المبرح ,فاخذ اليهودي يصرخ ويبكي ويطلب النجدة ( درايا هاور ) فأسرع أهالي القرية للمكان , فسألوه لماذا تضرب المسكين الساعي وراء رزقه؟؟ فرد ( ايلي هوذايا ,بد لبّي مشيخا ليتلي مارَواثا دصَلوي لي !!) أي انه يهودي , اعتقد اليهود بان المسيح ليس له أقارب ليَصلبوهُ !) ..

هذا كان جانبا من حياة أهلنا البسطاء في القرى, دون أية رتوش.