الزنبقة تحاور...

 

سلفا كير ميارديت ... الرئيس رقم 193

 

 

                       

                      مارسن بني

           سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان، وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو اخر من بقي على قيد الحياة من الاعضاء المؤسسين للحركة الشعبية،  وكان قائدا للجناح العسكري فيها، واسمه الكنسي لدى التعميد سلفا توري.

·      ولادته ونشأته :

 من مواليد 1 يناير 1951 في اقليم بحر الغزال، ومن قبيلة دينكا احدى اكبر القبائل في السودان ، التي كان ينتمي اليها الزعيم الراحل للحركة جون جارانج  ولو انهما من عشيرتين مختلفتين. والده ميارديت كان من ابرز رموز سلاطين دينكا. كان طفلا يوم اندلع اول تمرد في جنوب السودان في اوغسطس 1955، على خلفية رحيل الجنود البريطانيين تمهيدا لاستقلال السودان في يناير 1956 ، وكان في مراحل تعليمه الاوسط  بعمر يتعدى ال 11 سنوات ، يوم فجرت حركة انيانيا تمردها العسكري ضد حكومة المركز في الخرطوم بقيادة جوزيف لاقو عام 1963 ، وهو واصل تعليمه حتى المرحلة المتوسطة فقط .

·      حياته العسكرية :

كان سلفا كير جنديا ورجلا راشدا ومقاتلا في حركة انيانيا حركة التمرد الاولى، الى  يوم وقعت حركته بقيادة جوزيف لاقو اتفاقا للسلام مع نظام جعفر نميري في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا في 3 مارس 1972، وتم استيعاب سلفا كير في سلاح المشاة بالقوات المسلحة السودانية برتبة رقيب، ثم انتقل الى ادارة الاستخبارات العسكرية، وحصل على دورة تدريبية في منطقة جبل اولياء العسكرية واستمر في الترقي في السلك العسكري حتى وصل الى رتبة النقيب بالاستخبارات العسكرية عام 1983، اذ أعلن انضمامه إلى التمرد، وكان من أوائل الذين انضموا إلى الحركة الشعبية، ولذا يعده البعض من مؤسسيها التاريخيين، حيث كان عضوا بهيئة القيادة التي تكونت آنذاك من أربعة عشر شخصا، وهو الآن الوحيد الباقي على قيد الحياة من هذه المجموعة التي قتل معظم أفرادها في ظروف غامضة أو في الاقتتال الداخلي بين أجنحة الحركة مثل وليم نون، وكاربينو كوانين بول وأروك طون أروكو، وقد أسندت إلى سلفا كير مهمة إدارة الاستخبارات في الحركة، وأضيفت إليها مهمة جديدة هي الإشراف على التدريب، الأمر الذى مثل إحدى نقاط قوة سلفا كير فيما بعد، حيث تمكن في هذه الفترة من التعامل المباشر مع معظم أعضاء الحركة وقياداتها من خلال الزيارات والإشراف الميداني، والتعرف على بيئة العمل وهؤلاء الأفراد والقادة، الذين أصبحوا ممسكين بالكثير من القطاعات المهمة في الحركة، تحولوا إلى مؤيدين لسلفا كير الذى يعرفونه ويأنسون إليه من خلال علاقاتهم الميدانية النقطة الثانية التي مثلت مصدر قوة خاصة لسلفا كير، هي أنه ينتمى إلى فرع قوقريال من قبيلة الدينكا، بخلاف جون جارانج الذى ينتمى إلى دينكا بور، حيث تتعدد الفروع والبطون في قبيلة الدينكا التي تتسم بضخامة العدد، والمعروف عنها أنها كبرى قبائل جنوب السودان، ويعد فرع قوقريال هو أكبر فروع الدينكا.
 وفي العام 1986 أصبح نائب قائد الأركان مكلفا بالعمليات في الجيش الشعبي لتحرير السودان. أصبح سلفا كير عام 1997 نائبا لجارانج في قيادة الحركة، وفي الوقت نفسه قائدا عسكريا لقواتها المسلحة في بحر الغزال. ثارت الإشاعات منذ العام 1998 حول خلافه مع جون جارانج وبأنه كان يخطط لانقلاب داخل الحركة الشعبية واعتقال قائده جارانج. ويعد سلفا كير من المتشددين داخل الحركة، وكان مؤيدا قويا لخيار الانفصال عن الحكومة المركزية، باعتباره حلا أمثل للجنوب؛ ومن غرائب الصدف أن جون جارانج كان سكرتير جوزيف لاقو في غضون المفاوضات والتوقيع على تلك الاتفاقية، وقد سجل اعتراضه كتابة على دمج جيش الأنيانيا في الجيش السوداني بعد إحلال السلام، وهو ما حدث بالفعل، لنجد جون جارانج مع سلفا كير يصران على وجود الجيش الشعبي لتحرير السودان وجارانج قائده وسلفا كير رئيس هيئة أركانه مستقلا طوال فترة الست سنوات الانتقالية التي حددها اتفاق نيفاشا الموقع بنيروبي في 9 يناير الماضي 2005 والتي سيليها وفق نصوصها استفتاء شعب جنوب السودان لتقرير مصيره بين الانفصال والوحدة.

·      خلافه مع جون جارانج :

عُرف عن سلفا كير الاهتمام بالعمل في صمت وتفضيله للعزلة، وربما كان متأثرا في ذلك بطبيعة تخصصه فى العمل الاستخباري بالإضافة إلى سماته الشخصية، إلا أن ذلك لم يعنى أنه لم يكن ذا رأى في توجهات وسياسات الحركة الشعبية، حيث تشير كثير من التقارير إلى أنه كان يتحفظ كثيرا على سياسات جون جارانج، خاصة اهتمامه بإقامة العلاقات والتحالفات فى الشمال، والاهتمام بقضايا وأزمات الشمال، حيث كان سلفاكير يفضل إعطاء الأولوية المطلقة للشأن الجنوبي، وكان معارضا لإطالة أمد المفاوضات التي استغرقت أكثر من ثلاثين شهرا، بسبب حصة الحركة الشعبية فى السلطة على المستوى القومي والأوضاع فى المناطق المهمشة وكانت خلاصة مواقف سلفاكير أن الحكومة السودانية قد اعترفت منذ بداية المفاوضات، ومع توقيع بروتوكول ماشاكوس في 20 يوليو 2002، بحق تقرير المصير لجنوب السودان، وبحق الجنوب في إقامة نظامه القانوني والاقتصادي الخاص الذى لا يخضع لقوانين الشريعة الإسلامية المطبقة في الشمال مع وجود فرصة للانفصال والاستقلال الكامل في نهاية الفترة الانتقالية المقدرة بست سنوات وبالتالي، فإن أي إطالة للمفاوضات أو دفعها لحافة الانهيار سوف يكون خصما من المكاسب التى تحققت للجنوبيين ويبدو أن جون جارانج قد اتجه على أثر ذلك إلى تهميش دور سلفاكير داخل الحركة رغم أنه كان رئيسا لهيئة الأركان العسكرية، ويعد الرجل الثانى على المستويين العسكري والسياسي، وقد تصاعدت الخلافات بين الرجلين إثر ذلك إلى أن وصلت إلى طريق مسدود أنذر بوقوع تمرد واسع النطاق فى صفوف الحركة يتزعمه سلفاكير ويدعمه عدد كبير من القيادات العسكرية وأبناء قوقريال وبعض أبناء المديرية الاستوائية داخل الحركة، وبدأت بوادر الانشقاق تظهر إلى العلن حينما رفض سلفاكير تلبية أوامر قرنق بالحضور لمقابلته فى نقطة تمركز جارانج في ياي بالجنوب، واعتصم سلفا كير بمنطقة يرول خشية القبض عليه أو تصفيته جسديا، خاصة أنه كان قد قضى في وقت سابق بضع سنوات في سجون الحركة بسبب اختلافه في الرأي مع جون جارانج من الناحية العملية. تمت تسوية هذا الخلاف من خلال مؤتمر عام لقيادة الحركة الشعبية، حضره كل من جارانج وسلفا كير واستمر المؤتمر ثلاثة أيام، تعرض فيها جارانج لانتقادات حادة واتهامات بالديكتاتورية والسكوت عن الفساد المالي، والنجاح في العمل الخارجي في الوقت الذى يفشل فيه في إدارة الشئون الداخلية من خلال تجاهل التسلسل القيادي والانفراد بالرأي وتقريب أصحاب الثقة والحظوة، وتجاهل المؤسسية بشكل كامل، حتى أن سلفاكير وصف جون جارانج بأنه يحمل الحركة معه في حقيبته حينما يسافر في إشارة إلى مستوى الشخصنة الذى بلغته قيادة جون جارانج ولأسباب عديدة، كان من أهمها الإشفاق من انهيار المفاوضات الخاصة باتفاق السلام، الذى كان في مراحله الأخيرة حيث جرى توقيعه بعد ذلك بشهرين تم احتواء الموقف من خلال تعيين سلفاكير مشرفا على إعادة تنظيم جيش الحركة الشعبية، وتعيين اثنين من القادة الآخرين كمشرفين على قطاعات إدارية وسياسية، إلا أن جون جارانج وبعد توليه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب التي كانت مازالت تحت التشكيل أصدر قراراته الأولى من القصر الجمهوري بإعفاء بعض القادة العسكريين، ومن بينهم سلفاكير وإحالتهم إلى التقاعد، مع تعيين سلفاكير نائبا لجون جارانج في حكومة الجنوب وترقيته إلى رتبة الفريق.

·      انضمامه الى الحركة الشعبية لتحرير السودان :

عند طابور التمام الصباحي تم ابلاغ القائد بهروب النقيب سلفا كير ضابط الاستخبارات وبرفقته المقدم فرانسيس ونقور والملازم الفريد جون وكل ضباط صف مكتب الاستخبارات بولاية أعالي النيل بعد ان اخذوا معهم كل سلاح وحدة الاستخبارات والامانات الاخرى التي كانت بعهدتهم وبسيارة الاستخبارات. بعد اكتشاف امر هروبهم تم تبليغ نقطة نقديار كأقرب نقطة في طريق الناصر لمنع عبور سيارتهم والقبض عليهم ولكن لم تصل السيارة لنقطة التفتيش حتى اليوم لان سلفا كير ورفاقه قاموا «بدحرجة» السيارة بعيدا عن نقطة التفتيش بعد ان خلعوا بزاتهم العسكرية وارتدوا لبسة الشلك المشهورة «اللاوي» وعبروا النقطة في امان وكانت هذه بداية خطوات التحاقه بالتمرد... وهناك رواية اخرى لالتحاقه بالغابة يرويها ضابط سابق في الاستخبارات يقول فيها: عندما كان سلفا كير مسؤولاً بالاستخبارات بملكال وصلته اشارة من القيادة العامة باعتقال المقدم فرانسيس والملازم الفريد ، عندئذٍ كشف مضمون الرسالة لزملائه وقرر الهروب معهم والانضمام لحركة التمرد. خبير عسكري قال ان سلفا كير هرب من ملكال بعد ضربة واو وفق تنسيق بينه وكاربينو في بور ووليم نون في ايوت، والتقى جون جارانج في منطقة بور واصبح يده اليمنى وناصره في صراعه على قيادات الحركة مثل كاربينو ومارتن ماجبر وجوزيف اودوهو ومارتين كاجيقورو.. بعد ذلك برز كرمز انفصالي متشدد داخل الحركة الشعبية حتى تمت ترقيته الى ثاني منصب قيادي في الحركة في العام 1986 نائباً لجارانج واستمر في موقعه إلى أن تم تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية خلفاً لجون جارانج.

·      صفاته :

 سيلفا كير  شخصية خلافية  فوجهه صارم  ورغم انه هو وجون جارانج عملا في القوات المسلحة السودانية، ولكن جارانج شخصية مرحة و حاضر البديهة فيما تغلب عليه صفة النخبوية اكثر من سلفا الذي تسيطر عليه وفق رؤية كثيرين ثقافته العسكرية. عرف عنه الاهتمام بالعمل في صمت وتفضيله العزلة، وربما كان متأثرا في ذلك بطبيعة تخصصه في العمل الاستخباري بالإضافة إلى سماته الشخصية.

·      سلفا كير اول رئيس لجمهورية جنوب السودان :

في يوم 9 تموز 2011 أعلن جيمس واني إيغا رئيس برلمان دولة جنوب السودان رسميا قيام "جمهورية جنوب السودان" لتصبح احدث دولة في العالم، بعد ستة أشهر من استفتاء على ذلك اجري بموجب اتفاق سلام ابرم عام 2005 وأنهى عقودا من حرب اهلية.  وجرى الاحتفال عند ضريح الزعيم الجنوبي الراحل جون جارانج بحضور عدد من قادة العالم بينهم الرئيس السوداني عمر البشير والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وفي الاحتفال أدى سلفا كير اليمين الدستورية كأول رئيس لجمهورية جنوب السودان. وقع رئيس جنوب السودان الدستور الجديد ووعد بـ"تعزيز تطور شعب جنوب السودان ورخائه". وقال سلفا كير "المسؤولية تقع على عاتقنا لحماية أرضنا ومواجهة التحديات الجسيمة" وعرض عفوا عاما عن الجماعات المسلحة المتمردة في البلاد.

المصادر والمراجع: مقالات متنوعة منشورة على المواقع الالكترونية.