البحث العلمي و مجلس النواب

 

                      

                                   

 

 

             أ. د. جواد مطر الموسوي *

               ان مهمة التعليم العالي لم تعد مقتصرة على نشر العلم والمعرفة، بل اصبحت ايضاً تنمية وتطوير البحث العلمي، وبهذا تكون الجامعة هي الاقدر على التصدي للتطوير واللحاق بركب الحضارة وتشجيع عملية الابداع والابتكار بين جيل الشباب للتزود بالخبرات المعرفية المتنوعة.


وقد انتبهت القيادة التشريعية في مجلس النواب وبالذات لجنة التعليم العالي والبحث العلمي على حقيقة ان تنمية البحث العلمي لا تقتصر على الجامعات العراقية فقط، على الرغم من انه يمثل نصف عنوان (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، بل وجدت فتح البحث العلمي ليشمل كل الوزارات والمؤسسات وانشاء مراكز بحثية مستقلة او مرتبطة بالوزارة، لذلك عقدت ورشة عمل بعنوان (حول سياسيات البحث العلمي) في احدى قاعات مجلس النواب يوم الاربعاء
(6 /7 /2011م) قدمت فيها اوراق عمل من وزارات: التعليم العالي والتربية والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والدفاع والداخلية، واشتركت جامعة واسط بورقة خاصة بعنوان (رؤية جامعة واسط في تطوير البحث العلمي في الجامعات العراقية).
   وقبل طرح ورقة جامعة واسط، طرحنا جملة من الامور بوصفنا مهتمين بالبحث العلمي واوضحنا ضرورة اهتمام مجلس النواب بمثل هذه المواضيع الجريئة، وهي تعد بادرة صحيحة وصحية، بل هي وضع اليد على موطن الجرح ، وهذا يسجل للجنة التربية والتعليم و لمجلس النواب نفسه.
    نبارك الجهود مقدماً، ونتمنى لها الاستمرار، واضافة مواضيع اخرى مهمة منها: تحديث المناهج، الارشاد التربوي والفجوة النفسية، ادارة الجودة الشاملة، القيادة التعليمية، المواقع الالكترونية بوابة البحث العلمي على العالم، تأهيل الباحث، القبول الجامعي، استقرار قوانين الدولة، المواءمة بين مخرجات التربية والتعليم العالي، البطالة ومخرجات التعليم....الخ.
    وهذه هي مواضيع وطنية عامة على الرغم من ان بعضها من تخصص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الا انها تهتم ببناء الإنسان العراقي، لذلك نجد مؤسسة (بيت الحكمة) تعقد مؤتمراً سنوياً يهتم بـ(بناء الانسان، بناء المرأة، بناء الطفل، بناء المجتمع، بناء الدولة.... وغيرها).
   المهم هذه مبادرة مبدعة داعمة لوزارتنا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهذا تعاشق رائع بين السلطة التشريعية والتنفيذية.. وان وزارتنا بكل تأكيد سوف تعير اهمية بالغة لتوصيات هذه الورشة البحثية واوراق العمل المقدمة بل وتجذيرها اكثر فاكثر، لاسيما ان تشكيلات الوزارة المتمثلة بالجامعات قادرة على احداث العصف الفكري لتجسير الفجوة البحثية داخل مؤسسات المجتمع.
  يتبادر الى ذهن الكثيرين لاسيما في الشرق ان المقصود بـ(مخرجات الجامعة) (الملاكات الانسانية المؤهلة) لادارة المجتمع، بينما نجد ان مصطلح او مفهوم (مخرجات الجامعة) في الدول المتقدمة يشير ذهنياً في البدء ودائماً الى البحث العلمي وخدمة المجتمع ثم بعد ذلك الى (الملاكات الانسانية).
    لذلك اصبح مصطلح البحث العلمي من المصطلحات المتداولة على نطاق واسع في عصرنا عصر التغيير والحراك، عصر المعلوماتية والثورة التكنولوجية نتيجة التدفق الهائل في المعلومات والحقائق العلمية الرصينة وسببها البحث العلمي.
اذنً البحث العلمي هو المشكلة والحل، وهو الوسيلة والغاية ، للحصول على مكانه مرموقة في هذا العالم المتغير. لذلك شغل البحث العلمي حيزاً مهماً من خطط الحكومات التشريعية والتنفيذية وهيأت كل ما تستطيع من مقومات النجاح لها سواء كانت مقومات بشرية او مادية...
ووسعت القاعدة العلمية والتقنية للجامعات ، بهدف ضمان تنمية شاملة مستديمة من اجل المحافظة على تقدم ورقّي مجتمعاتها، وفي المجتمعات النامية وليس النائمة يسهم البحث العلمي في تخطيط البرامج التنموية واختيار الاسلوب الأمثل لتنفيذها.
   والبحث العلمي لم تختص به الجامعات فقط، بل ان كل وزارات الدولة ومؤسساتها تضع لها برامج آنية ومستقبلية وادارة خاصة بها، بل في العالم مؤسسات خاصة بالبحث العلمي وعددها في ازدياد دائم على العكس مما هو موجود عندنا، فمثلا ان (المجمع العلمي) (وبيت الحكمة) الى الان لم تقر قوانينهما بل يعدهما البعض من المؤسسات الفائضة عن الحاجة، بدلاً من تعزيزهما وتفعيلهما وانشــــاء مؤسسات اخــــرى تــهتم بالعلوم العلمية.
بالمقابل فان هذه الزيادة في عدد المؤسسات البحثية في الدول المتقدمة ادت الى بناء قاعدة علمية قوية تستأثر بمزايا اقتصادية عالية، في حين نرى بلداننا ومنها العراق تعاني التهميش والعزلة الاقتصادية.
    من هذا وغيره نستنتج وجود علاقة قوية وموجبة بين البحث العلمي والتنمية المستديمة، كما إن حجم الإنفاق على البحث العلمي اصبح احد المؤشرات المهمة للدلالة على مستوى تطور الدولة وتقدمها، فنجد مثلاً ان نسب الانفاق على البحث العلمي في امريكا او اليابان او المانيا اكثر من 3بالمئة-6بالمئة بينما نسب الانفاق في كل الدول العربية اقل من 1بالمئةهذا يعني ان البحث العلمي في الدول المتقدمة ليس ترفاً تمارسه بل حاجة اساسية وضرورية للتطور والتقدم، وان الجامعات هي إحدى مؤسسات البحث العلمي، وتكاد تكون الوحيدة في العراق، وهي مركز اشعاع لكل جديد في الفكر والعلم والمعرفة وهي صنو للعلم، وبيئة خصبة للبحث العلمي نتيجة ما تتميز به من توافر الباحثين والفنيين وإمتلاكها للإمكانات والمستلزمات البشرية والمادية لإجراء البحوث مثل: المختبرات والمكتبات ومراكز الحاسوب والانترنت والتعليم المستمر وغيرها من الضرورات الاساسية في تحقيق أهداف البحث العلمي.
  لكن نحن بحاجة الى وقفة واضحة ومحددة بشأن البحث العلمي وفهم مخرجاته حتى نصل الى ذهنية الناس ويتمثل ذلك في الفصل بين النشاط التعليمي والنشاط البحثي وخدمة المجتمع ليكون الجامعة اثرها الحيوي المتمثل بوظيفتها البحثية التي يقاس مستواها من خلالها، وهذا ماوجدته عند زيارتي للجامعات الامريكية والالمانية بل والعربية كجامعة الاردن، وفي العراق في ستينيات القرن الماضي، فقد كانت في جامعة بغداد عمادة للبحث العلمي.
  هذه هي بعض الافكار المختصر والمحفزة للاهتمام بالبحث العلمي اتمنى من قادة الدولة العراقية التشريعية والتنفيذية ان تعيها.
    وبعد حوار ومداولات اتفق المجتمعون على اقامة مؤتمرات شهرية او نصف سنوية لمتابعة التوصيات التي خرجت بها ورشة العمل، وهي اقامة هيئة للبحث العلمي او اعادة تشكيل مجلس البحث العلمي وصندوق دعم مالي يشترك فيه القطاع الخاص مع الدولة لتطوير البحوث ونشرها في المجلات العالمية، ورفع مشروع القانون بعد دراسته من قبل اللجنة بشكل مستفيض الى هيئة رئاسة مجلس النواب لغرض اقراره، ووعد النائب الدكتور عبد ذياب العجيلي، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي ورئيس جلسات ورشة العمل، الحضور بمتابعة الموضوع بجدية، واقامة ورش اعمال اخرى تهم الانسان العراقي وتعيد بناءه.
* رئيس جامعة واسط