المسيحيون ودعاة التكفير والفتنة

 

                                     

                                                                 

 

                                                                            

                                                                                                   حازم زوري

        احداث الشغب التي شهدتها مدينة زاخو وبلدات اخرى قبل ايام والتي انطوت على اعمال تخريب استهدفت مصالح ومصادر ارزاق ابناء شعبنا ومكونات الافليم الاخرى غير المسلمة ليست عفوية ولم تندلع من غير تخطيط مسبق وتوجيه وتحريض وتوقيت متفق عليه، وهي بلا شك سابقة خطيرة ونذير شؤم مستطير يتربص بتجربة التعايش السلمي والوفاق الاجتماعي الذي تعيش في ظله مكونات الاقليم ، وهي نتاج العقل  والفكر الاحادي الاقصائي الظلامي الذي لايؤمن بوجود الاخر او بالتعايش معه وهذا الفكر ليس وليد الفراغ او الصدفة  بل له جذوره  وامتداداته التي تنشط اوتصاب بالسبات على وفق الظروف والمتغيرات والمناخ السياسي والاجتماعي السائد ولكنها لا تموت على اي حال ، اي لهذا الفكر مقوماته الموضوعية التي تتلخص في تهيؤ البيئة والارضية المناسبة

 اما المقومات والعوامل الذاتية فانها مستمدة من الفهم الخاطىء لاصول الدين واركانه ومعه  والى جانبه التحريض والحقن الفكري المستمر المدجج بعناصر الحقد والكراهية ضد اتباع المذاهب والاديان الاخرى من بعض الغلاة من رجال الدين بالاستناد الى بعض الايات القرانية التي كانت وليدة عصرها ومقتضيات الحاجة اليها في صدر الاسلام والتي لايمكن ان تصلح لواقع حال الامم والشعوب اليوم التي تنشد التواصل والتعاضد وتضييق الهوّة وتقريب المسافات يضاف الى هذا كله اصرار البعض على التمسك بحرفية النص وليس بروحه وظروفه الزمانية والمكانية والهدف  منه وهذه القراءة الخاطئة والقاصرة للنصوص واصولها ومراميها لم تؤدي في تاريخ الاسلام الى استعداء الاخر غير المسلم واتخاذه عدوا بالمجان وحسب بل ادت الى صراع مرير طويل اتخذ صورا شتى وقاسية احيانا بين الفرق والتيارات الاسلامية المختلفة ولازال هذا الصراع يخبو او يتصاعد حسب الظروف السياسية اعتمادا على ضعف السلطة اوقوتها اي ان فتيلته دائمة الاتقاد ولا تحتاج الا  الى شرارة لاذكائها فما بالك اذا كان هذا الاخر غير مسلم ؟ ويبدو ان من اطلق شرارة اعمال الشغب الاخيرة ضد المسيحيين في اقليم كردستان قد تبين له مخطئا لقصر نظر فيه او رعونة ان الظروف الموضوعية مواتية لاطلاق برنامجه التخريبي وبث الرعب واشاعة الفوضى والعبث بمقدرات الناس وتقويض حالة الاستقرار الامني والسلم الاجتماعي الذي ينعم به الاقليم الذي يبدو اليوم لكل ذي بصيرة واحة السلام الوحيدة في صحراء العراق اللاهبة المكتضة بالاشلاء والمروية بالدماء . ان اعمال الشغب هذه ماكانت لتحدث لولا الشحن المعنوي والقراءة الخاطئة لبعض النصوص الشرعية التي كانت محكومة بظروف عصرها وهذا الامر  لايمكن ان يتم  الا على ايدي ذوي العلم والظالعين بفقه الدين سواء اكانوا رجال دين ام اساتذة فقه وشريعة فمن السهل على هؤلاء رفد وتغذية عقول الشباب وهي ارض خام بفكر صالح او شرير وحسب النزعة والهوى والدافع والفهم . فالى جانب الايات التي تحث المسلمين على استعداء غير المسلمين ورفض معاشرتهم ومساكنتهم  هناك فيض من الايات التي تدعو الى الرحمة والالفة والتعايش الانساني معهم  فلماذا يختصر هؤلاء الدعاة دعوتهم في ابراز الجانب السلبي ويتعمدوا اخفاء الوجه المشرق الاخر للصورة ومن المستفيد من غسل عقول الشباب وتوجيههم توجيها منحرفا بعيدا عن روح الاسلام وكل الاديان والشرائع ؟  من المؤكد ان ماحدث هو بالنتيجة من وجهة نظر المواطن المسيحي البسيط وحتى المتبحر في قراءة المشهد وتحليله  تواصل لمسلسل استهداف المسيحيين في العراق للقضاء على الوجود المسيحي فيه وهذه المرة القضاء عليه في اخر معاقله (اقليم كردستان ) والبداية طبعا هي التخريب والاعتداء على الممتلكات وليس مستبعدا ان يتطور الامر الى استهداف ارواحهم ما لم يتم التعامل مع الامر بحزم وارادة من حديد من قبل حكومة الاقليم واجهزتها الامنية.  اما اذا كان للامر دوافع واهداف سياسية وليس لمجرد اشعال فتنة دينية تنفيذا لاجندة محلية او خارجية لضرب التجربة السياسية وحالة الاستقرار والنهوض والازدهار التي تتصاعد في الاقليم ويدخل في اطار الصراع والتجاذب بين السلطة واحزاب المعارضة وان الاحداث  التي سيقت اليها مجموعات من الشباب المنفلت او المؤدلج القابل لغسل الدماغ والسهل المطاوعة بتاثير الوازع الديني والخطب الهدامة التي تبث من بعض منابر الكراهية باسم الدين  ليست الا وسيلة  بيد احزاب المعارضة وادواتها من بعض رجال الدين  لتحريك الموقف وتصفية حسابات  سياسية مع احزاب السلطة  فلماذا ووفق اي معيار اخلاقي او ديني ارتظت هذه الجهات لنفسها ان تجعل من شعبنا وقودا لصراعها خاصة وانها اتخذت من الدين عقيدة ومنهجا وطريقة حياة ؟ ان بعض التحليلات التي تذهب الى تحميل ثورات الربيع العربي وماحملته ريحها من تيارات اصولية الى الواجهة السياسية في بلداننا العربية التي اعتادت ان تحكم بالانظمة الشمولية التوتاليتارية ، تحميلها وزراحداث الشغب الاخيرة في الاقليم تتجنى على تلك الثورات وتصادر حق الشعوب في الثورة على الطغاة كما ينبغي التذكيران تلك الثورات لم ترافقها اعمال تخريب وشغب في الدول التي اجتاحتها واطاحت بعروش حكامها ولم تشهد مدنها اي اعتداء على الاملاك العامة اوالخاصة ولم تستهدف مكوناتها واقلياتها الاثنية والدينية باستثناء الحالة في مصر فموضوع الاجحاف والمظالم بحق الاقباط ومواطنة الدرجة الثانية التي يعاملون بها لم تات به الثورة المصرية التي اطاحت بنظام مبارك بل هو موضوع قديم  متوارث من الانظمة السابقة له جذوره وامتداده في الواقع المصري السياسي والاجتماعي والديني.

اننا نرجح ان الاعتداء الذي طال ابناء شعبنا في اقليم كردستان وقد كان مؤلما وطعنة في الظهرغير متوقعة انما هو فصل جديد وتتمة لاجندة استهداف المسيحيين في العراق وفق مخطط  اقليمي ودولي كبير  . ان السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة على واجهة الاحداث خاصة بعد محاولات الكثير من انصار الاسلام السياسي  والجماعات السلفية تسويق مايحدث ومايجتاح المنطقة من ثورات لشعوب اقرفتها الانظمة الفاسدة ودفعت بها الى الياس بعيدا عن ضفاف الحياة على انه صحوة اسلامية وان البديل هو الاسلام  بمفهومهم التقليدي الضارب في القدم  .السؤال هنا ... الى اين ستقاد الشعوب والاوطان اذا ما قدر لهذا التيار او الفكر السياسي الديني ان يحكم بعد مصادرته لثورات الشعوب كما يحدث اليوم في مصر؟ ان من يسعى لاعادة عقارب الساعة الى الوراء وادخال الكون في متاهات ودهاليز مظلمة وصراعات دينية محاولا هدم وتقويض ماارسته وماانجزته البشرية عبر قرون من العمل والكفاح لنسيان وتجاوز  فصول طويلة من الدماء والدموع والالم لكي تبني مستقبلا طيبا لاجيالها القادمة قائما على قبول الاخر والاعتراف به انما يجني على الانسانية ويبحث عن شقائها ، واخيرا نتساءل: بأي منطق او معيار اخلاقي او ديني تتم مصادرة ثورات الشعوب وتضحياتها  ومن ثم الهيمنة على قرارها لتقاد بشكل اعمى الى النموذج الهدام الذي يرغب البعض في اشاعته واقتياد الشعوب اليه ،النموذج الذي يزدري الاخرين ويلغيهم  ولا يرى ضيرا او اثما في الاعتداء عليهم وقطع ارزاقهم واعناقهم مصحوبا كل ذلك بشعارات دينية وصيحات الله  اكبر لشحذ الهمم الى المزيد  من التدمير والتخريب ؟ ولا ندري وفق اي شرع توظف المثل والاخلاقيات العليا للدين لتنفيذ هذه الاعمال البربرية التي تقشعر لها الابدان والنفوس ويندى لها جبين الانسانية في عشريتها الثانية من القرن الحادي والعشرين  ؟ وكيف يستقيم الامر بالنسبة لمؤمن خارج لتوه من بيت عبادة لله بعد تادية فرض من فروض الدين الاساسية خاشعا متعبدا متضرعا لينطلق في حملة عاتية مخربة باسم الدين ونصرة له ؟اية ازدواجية هذه واي انتهاك صارخ لقيم الاسلام وكل الاديان ؟ كان الله في عوننا وطنا ومواطنين وكان الله في عون الاسلام من بعض اهله من دعاة التكفير والفتنة .