من موروثنا الشعبي / شيلا

 

                                                                                         

                                                                                     

                                                                                         بدران امرايا

                                                                                                            

        شيلا اسم سرياني مشتق من شلا  السروال العريض الذي يلبسه أبناء شعبنا الكلدواشوري السرياني في القرى أي الملابس التقليدية لشعبنا في المناطق الجبلية ( شلا وشابك ) المنسوجة محليا من قبلهم  وخاصة أبناء قرية كيرامن  والمنحدرين لقرية جلك الواقعة في بداية منطقة برواري

 والشلا هنا ليس السروال أو المناطق المنخفضة الرطبة والتي ينمو فيها القصب ( زالا ) بكثرة  بل هو أداة أو كيس كبير يمتاز بكفتين كبيرتين وطويلتين كان يستخدم لغرض نقل التبن من ( بيدرا ) أي البيدر إلى القرية او  (بيث توني ) بيت التبن لاحتوائه لفصل الشتاء والبداية كانت قص ( كرعتا دصيرا دعزي) اي جز شعر الماعز في الصيف لتخفيف من وطأة الحر عليها ثم كانت النساء تستلم زمام أموره  وكان الشعر يخضع لعملية الغسل والنبش بالسرياني ( نبشتا ) لأطرح ما بها من الشوائب والفضلات وليكون ناعما سهل التعامل او التداول بواسطة ( مسرقا ) أي المشط الخشبي ذو الأسنان الحديدية الكبيرة والحادة , ومن بعدها كان يلف ويعمل منه كرات تسمى بالسريانية ( كندرياتا- كوتاتا ) ليكون سهل الاستعمال لعملية الغزل ( عزلتا ) بواسطة كوشا من كوشتا- كناشا- كواشا اي الضم او الجمع )  وهو عبارة عن قطعة خشبية بطول ثلاثون سنتمترا او ربما اقل فرأسها العلوي يكون أكثر تثخنا وبه حلقة خشبية مدورة تكون مثقوبة من الوسط ويمرر هذا الخشب فيها ويثبت بإحكام ، وفي وسط الحلقة هناك سلك مثبت وعلى شكل (علاقة ) او سنارة صيد السمك والجانب الأسفل من الخشبة تكون نحيفة ومدببة ،كان ولازالت هذه الخشبة تستعمل في نسج الصوف أو الشعر (صيرا ) وتحويله إلى خيوط نحيفة أو ثخينة حسب الحاجة المراد لها والمهمة هذه كانت على عاتق النساء كما قلنا . وبعد أن تحول الشعر إلى الخيوط بالسرياني ( كدا يجمع كدي  ) ثم يخضع لعملية النسج وهي عملية معقدة  تحتاج لأيدي فنية ماهرة من قبل الرجال أو النساء فتتحول الخيوط إلى قماش ثخين وبقياسات مختلفة وكان بين أبناء شعبنا الكلدو اشوري السرياني أيادي فنية ماهرة لهذه الصنعة المحلية من أمثال المرحومة كردني جبوا والمرحوم افرام بولس ميخو  وغيرهم الكثيرين , ثم يفصل القماش المنسوج إلى جيبين أو كفتين كبيرتين وطويلتين تكونان مترابطتين تسميان (بنتاتا ) بلغتنا الحبيبة بالبعض ويخيط بنفس الخيوط الثخينة وتسمى بالسريانية (شلالي) ومن بعدها يكون جاهزا للاستخدام في نقل التبن من البيدر فكان يملأ بالتبن ويحشى يضغط باحكام (مخشيتا ) بواسطة الأقدام  أو يدخل الرجل ساقاه  فيه ليضغطه  بقوة  وخير مثال له المرحوم شمعون من قرية بيرسفى و الذي لقب بشمعون دبابة لضغط الشيلا بإحكام من قبله  ليحمل اكبر كمية من التبن ثم يخيط فمه ( كما دشيلا ) بواسطة (شلالي ) ثم ترفع إحدى كفتيه لتجلب الدابة نحوه فتنزل على ظهرها وعادة يكون التبن خفيف الوزن ثم يشد بالحبال ( خولي - حبلي ) وتسوق الدابة نحو البيت حيث  (بث توني ) التبانة  مكان أحواء التبن ولصعوبة إدخال الشيلا من باب التبانة والتي كانت في اغلب الأحيان في مؤخرة البيت  اي يجتازون عدة أبواب للوصول لها وإفراغه فيها والغبار ( طوز- كمريتا بالسرياني) الذي ينتج من عملية التفريغ فيؤدي لخنق الشخص او سد مجاري التنفس عنده, لذلك كانوا أهلنا يفتحون ثقبا كبيرة فوق سطح غرفة التبن لإفراغ التبن فيه بسهولة وعدم وجع الرأس فيسمى الثقب ( زوما ) وعند أفراغه فيوضع على ظهر الدابة ويمتطها الصاحب وينطلق نحو البيدر مطلقا العنان لصوته بالغناء  وكان الدنيا كلها  ملك له , ولدى وصوله للبيدر يجد إن الشخص الموجود هناك قد عبا شيلا آخر واحضره فيسلمه الفارغ ويحملان المعبأ على الدابة وينطلق باتجاه بيت التبن وهكذا كان أبناء شعبنا من القرويين يرفعون مواد بيادرهم  بيادر الخير والبركة قبل ان تطأها زخات المطر الخريفية فتخلط الحابل بالنابل وتتلف كل شيء لذلك فكانوا يصارعون عقارب الزمن من اجل ضم منتجاتهم تحت سقف منازلهم حيث كانوا يعتقدون ان لم يضموا المواد تحت سقف بيوتهم فهي ليست مضمونة لهم منطلقين من حكمة حكيمهم القومي الشهير اخيقار وزير الملك الاشوري السركوني سنحاريب القائل " عصفورا باليد خيرا من عشرة على الشجرة "  والمثل السرياني ( إن مندي ليلي كو ايدوخ ليلي ديوخ) أي ما ليس في يدك فهو ليس مضمون لك. وعودة الى موضوعنا شيلا فناك مثل سرياني بصدده  يقول " ايلا كاسي مخ شيلا " اي بطنه شبيه بشيلا لكبر بطنه يقال لكبيري البطن ..وحاليا لم يبقى لشيلا اي وجود  بسبب وجود بدائل اسهل واسرع وخاصة المكننة .