هل يكفينا تمثال للملا مصطفى البرزاني ؟!

 

                     

                                                              

                                                                        رياض البغدادي

          للناظر إلى التأريخ وطريقة المؤرخين في تسجيل الأحداث على اختلاف رؤاهم الفكرية والعلمية ، يرى بما لا لبس فيه أن كثير من حركات الشعوب ونتاجاتها الحضارية تُختزل في شخصيات تمثل رموز تلك المرحلة التي تمتد أشعة ازدهارها إلى أزمان بعيدة وبحسب تأثير تلك الحضارة وامتداداتها الاجتماعية والفلسفية ، فالأنبياء مثلا تمتد أزمان تأثيرهم إلى مئات أو آلاف السنين وقد تُنسخ الشرائع التي أرسلوا بها بشرائع أنبياء آخرين يرسلهم الباري تعالى بحكم الأدوار الإلهية التي خطها الخالق لأهل الأرض ، إلا أن قداسة شخصياتهم تبقى خالدة بخلود الإنسان على هذه البسيطة ، وقد يُخلد الضمير لنا أسماء لامعة مرت وافلت لكن ذكرها يبقى على لسان الناس تلهج به إلى ما لا يمكن تحديده من أزمان . 

لا توجد صعوبة في فهم الأسباب الحقيقية لخلود ذكرى الشخصيات التاريخية ، فالحق المطلق أو على الأقل ، الحق الأعلى نسبيا ، يُخلد أشخاصه ورجاله والمتفانين في سبيله ، وكذلك الباطل المطلق أو على الأقل ، الباطل الأعلى نسبيا يُخلد التأريخ رجاله والمتفانين من اجل استمراره وديمومته -  لم اقل ا ن أهل الحق يخلدهم التأريخ ، على خلاف أهل الباطل ، فالتأريخ لهم مرتع وحديقة خلفيه ، يلعب بها رجاله كيف يشاءون ، أما الحق والعدل ورجاله الذين قدموا أرواحهم في سبيله ومن اجل ترسيخ مبادئه ، يعيشون في ضمائر الناس وعقولهم وتخلدهم الأجيال بالذكر الطيب ليكونوا سببا لتوسيع دائرة العدل وإنصاف أهل الحق في كل ألازمان ، فالورق يخلد من يدفع ثمنه ويتحمل تكاليف أحباره التي تصل أثمانها إلى درجة لا يمكن لأهل الحق تحملها فهم في العادة فقراء ، فتكون حصص أهل الباطل في الكتب أكثر لأنهم في العادة أغنياء من كثرة أموال السحت والحرام التي يحوزونها بالباطل .

هنا وفي معرض الحديث عن الملا مصطفى البرزاني ، هذا الرجل العملاق الذي لا يمكن لنا ونحن نذكره إلا نقف إجلالا وإكبار لشهامته وشجاعته وشدة انحيازه للحق والعدل والإنصاف ، هذا الرجل الذي كان بمقدوره أن يعيش أميرا مبجلا تحيط به الخدم والحشم من كل جانب ، فهو وريث مجد وعزة ووقار، عاش في طائفة من الناس ، إن قام ، قامت معه الجموع ولا تجلس حتى يأخذ من المجلس مكانه ، لكن العظماء لا يعيشون من اجل هذه المظاهر وهذه السفاسف التي يلهث خلفها الصغار ، الملا مصطفى البرزاني لم يكن بمقدوره أن يعيش لتخدمه الناس ، ويأبى لنفسه هكذا عيش ، بل هو يعيش كما كل العظماء ليخدم الناس ويحمل معاناتهم ، يبكي لفقرهم ويسارع لعيادة مريضهم ، يحزن لحزنهم ويفرح أيما فرح لسرورهم وسعادتهم ، لقد عاش هذا الرجل يتوسد الصخور يصعد جبلا وينزل واديا وكم من مرة اضطره الزمن الخؤون لأكل الأعشاب وأوراق الشجر ، لا لمجد يريده لنفسه ولا لسلطة يبحث عنها ولا طمعا في مال أو شيئا من حطام الدنيا ، إنما حمل في قلبه مصير امة من الناس أريد لها أن تعيش محتقرة ذليلة تُنهب ثرواتها وتقضم ديارها ولا حظ لأبنائها في العيش ، إلا أن يكونوا خدما ورعاع ينعقون بما خط لهم ، ولا حق لهم بالكلام إلا الهمس ولا حصة لهم من الطعام إلا اللحس .