( سلسلة مقالات فكرية )

 

حول علمانية الحركة الديمقراطية الأشورية وأسسها الفلسفية

 

                                                                                         

                                                                             

                                                                                    هرمز طيرو  

                                                                                         

                                                                                                                     

( الجزء السابع )

 الاستقلالية وعلاقتها بالعلمانية

                                                                         

 

            لنبدأ الأن في تناول احدى المواضيع المهمة في سلسلة مقالاتنا الفكرية هذه ألا وهي علاقة الاستقلالية بالعلمانية ، ولأجل اعطاء هذه العلاقة شكلها الطبيعي ينبغي أن نقول : أن العلمانية هي شرط ضروري وأساسي لاستقلالية الإنسان ، ولكنها ليست كافية لضمان هذه الاستقلالية في شقيها ، أي في الشق المتعلق في استقلالية الإنسان باعتباره عقلاً وفي الشق المتعلق في استقلالية الإنسان باعتباره فاعلاً اخلاقياً ، لأن الأنظمة العلمانية في بعض الاحيان ( خذ النظام الفاشي في ايطاليا  والنظام النازي في المانيا على سبيل المثال ) قد تكون في بعض الحالات نافية لاستقلالية الإنسان في شقيها إلى حد لا يقل في خطورته عما تبلغه الأنظمة اللاعلمانية في حالة نفيها لهذه الاستقلالية . لكن المسألة التي سوف تستأثر باهتمامنا في ما تبقى من هذه المقالات هي المسألة المتعلقة برؤيتنا وقراءتنا في النظام اللاعلماني على أنه بطبيعته ناف لاستقلالية الإنسان في شقيها . أن النظام العلماني وأن أتخذ سلوكاً قد يجعل منه نظاماً مهدداً لاستقلالية الإنسان ( كأن يتخذ طابعاً توتاليتارياً ) إلا أنه قد يتخذ طابعاً مغايرأ لذلك أي يسلك سلوكاً ديمقراطياً ، فيكون بذلك ضامناً لاستقلالية الإنسان على مختلف المستويات ، وعليه فأن النظام العلماني قد يتنافى أو لا يتنافى مع استقلالية الإنسان ، وهذا يتوقف على السمات الأخرى للنظام ، ولكن لا يمكن لنظام اللاعلماني إلا أن يكون بحكم طبيعته نافياً لاستقلالية الإنسان . فعلى ماذا يقوم موقفنا هذا ؟

 

حتى نستطيع أن نعالج السؤال الأخير بشكل صحيح ، سوف نحاول اولاً أن نوضح للقارىء ما هي الأسس والمبادىء الأساسية المطلوب الحفاظ عليها لضمان استقلالية الإنسان ، ومن ثم سنبين لماذا يتنافى النظام اللاعلماني مع هذه الأسس والمبادىء ، وهذه الأسس والمبادىء تتلخص في النقاط الاربعة التالية :

 

اولاً : لا يجوز لأية طائفة أو مجموعة أو فئة من الناس أن تدعي على أنها تحتكر المعرفة في الشؤون الأجتماعية والسياسية والثقافية ( أو في أي شيء دنيوي .. إلخ ) على أساس أنه متاح لهم وحدهم معرفة ما الذي يريده منا الكتاب المقدس أو الكتب المقدسة في حياتنا .

 

ثانياً : لا يجوز إعطاء الأولوية على المستوى المعرفي سوى لمعايير العقل ، وهذا ينطبق ايضاً على المعرفة النظرية ( المعرفة العلمية والرياضية والمنطقية ) مثلما ينطبق وبدون شك على المعرفة العملية ( المعيارية = الأخلاقية ) . عليه فلا النص الديني مطلق ولا السلطة الدينية بشقيها ( المذهبي والطائفي ) التي تدعي أنها وحدها القادرة على القبض على الفحوى الأساسي للنص ، فلا سلطة أخيرة سوى سلطة العقل .

 

ثالثاً : إن العادات والتقاليد والقيم مواضيع للاختيار ، وهذه هي طبيعتهم في التطور ، فلا يحق لأية جماعة أن تفرض عاداتها وتقاليدها وقيمها ( روحية كانت أو مادية ) على جماعات أخرى ، مثلما لا يحق لأي فرد أن يفرضها على الأخرين ، لأن العادات والتقاليد والقيم لا تقنن ولا تتمأسس ، حيث في قوننتها أو مأسستها لا تعني في نهاية الأمر سوى أنها تفرض فرضاً من جماعة معينة على أفراد المجتمع أجمعين .

 

رابعاً : ينبغي وضع حد فاصل بين العام والخاص ، بحيث لا تتدخل المؤسسة ( الدينية – الدولة ) بقوانينها وتشريعاتها إلا في المجالات التي إذا تركت فيها حرية التصرف المطلقة للأفراد فإن ذلك سيتعارض على المدى البعيد مع تحقيق المنفعة العامة أو تحقيق العدالة أو تحقيق كليهما معاً .

 

إن ما جاء في الفقرتين ( اولاً وثانياً ) فيهما مبادىء ضرورية لضمان استقلالية العقل الإنساني ، بينما ما جاء من المبادىء في الفقرتين ( ثالثاً ورابعاً ) فهما ضروريان لضمان استقلالية الإنسان كفاعل اخلاقي . لنعد الأن إلى مسألة استقلالية العقل الإنساني ، ولكون هذه الاستقلالية مرتبطة من جهة بالطبيعة العامة للمعرفة ، ومرتبطة إيضاً بالطبيعة المنطقية للقضايا ذات المدلول المعرفي ( 1 )  من جهة ثانية تفرض تبني المبدأ الأول ، لأن الطبيعة العامة للمعرفة تكمن في كونها شأناً خاصاً بالضرورة ، فلا يمكننا أن نتكلم عن هذا النوع من المعرفة أو ذاك على أنه أمر خاص بشخص من الاشخاص أو جماعة من الجماعات ، لأنه لا يمكن لنا أن نقول اصلاً : إن كذا وكذا يشكل موضوعاً ممكناً للمعرفة إلا إذا كنا في وضع يسمح لنا أن نقول : ما معنى أن يعرف احدنا كذا وكذا . لكن من الواضح أن وجودنا في وضع من النوع الأخير هو بمثابة إمتلاكنا لتصور محدد لما يقتضيه من حيث المبدأ ، التحقق من ادعاء واحدنا أنه يعرف كذا وكذا ، لأن التحقق هو شأن عام أو شأن ذاتي في الصميم .

إن المسألة الأخيرة تنقلنا إلى الأخذ بالطبيعة المنطقية للقضايا ذات المدلول المعرفي ، عندها سوف نصل إلى النتيجة نفسها ، لأننا سبق وأن بيننا في المقالات السابقة أن القضايا التي تشكل موضوعات ممكنة لما أسميناه " المعرفة العملية " هي قضايا جائزة ( = لاضرورية ) ، وهذا ينطبق بحد ذاته وكما رأينا سابقاً على القضايا ذات المدلول المعياري ، وعندما نقول أن هذه القضايا جائزة هذا يعني إن الضمان لصدق أية قضية منها لا يكمن في ذاتها ، بل فيما هو خارجها ومستقل عنها ، وبما أن المعرفة هي بالضرورة معرفة ما هو صادق ، إذن فإن أية معرفة تتخذ من قضية جائزة موضوعاً لها فهي ليست معرفة بالضرورة ، فأذا كان ممكناً من حيث المبدأ تكذيب أية قضية جائزة ، إذن يمكن من حيث المبدأ ايضاً دحض أي ادعاء معرفي يتخذ من قضية جائزة موضوعاً له . ولكن بما أن الدحض يقوم على التحقق من عدم صدق القضية التي تشكل الدحض والتحقق هو شأن ذاتي ، إذن لا يمكن أن يكون امتلاك معرفة من النوع المقصود من كلامنا حكراً على أحد أو شأناً خاصاً به ومتاحاً له وحده ولا يجوز للبشر من امتلاكه ، فالمعيار لامتلاك المعرفة كهذه لا يمكن إلا أن يكون معياراً عاماً وذاتياً .

ومن أجل إعطاء التكاملية لأستقلالية العقل تستوجب منا الأخذ بالمبدأ الثاني ايضاً ، وهو المبدأ الذي يقضي بإعطاء الأولوية على المستوى المعرفي للعقل ، وقد أوضحنا هذه المسألة بشكل مفصل في عدد مواقع من هذه المقالات ، حيث أننا لا نأخذ بوجهة النظر التي تقول : إن استقلالية العقل تكمن فقط في أنه قادر أن يصل إلى حقائق الوحي مثلاً أو أن يصل إلى حقائق أخرى بدون الخضوع إلى سلطة النص الديني ، لأن استقلالية العقل حسب رؤيتنا لها ، إنها تعني أكثر من هذا ، فهي تنبع من كونه السلطة الأخيرة في شؤون المعرفة ، قد يتعارض ما يدعي شخص أنه تلقاه عن طريق الوحي أو الحدس أو أي طريق أخر غير العقل ، مع ما يدعي شخص أخر أنه تلقاه عن طريق ذاته ، ففي هذه الحالة ، لا سبيل للحسم سوى عن طريق اللجوء إلى معيار العقل ، وهذا لا يعني أن اللجوء إلى معيار العقل قد يشكل ضماناً مطلقاً في أن هذا الخلاف سوف يحسم ، إنما يعني فقط أنه إذا كان بالإمكان الحسم ففي هذه الحالة فأن اللجوء إلى معيار العقل هي الوسيلة الوحيدة للحسمه ، وهذا تماماً ما يعطي للعقل استقلاليته ، أي كونه السلطة الوحيدة والأخيرة والشرع الأتي . ( 2 )

إن القول بأن سلطة العقل نهائية فإن ما نعنيه ليس أن ما توصلت إليه عقولنا هي نهائية ومطلقة ، بل ما نعنيه هو أن ادعاءنا وبغض النظر عن الأساس الذي يقوم عليه هذا الادعاء ليس نهائياً ، بل هو قابل للمراجعة والتعديل ، لا بل وحتى الدحض ، لكن المراجعة والتعديل والدحض كما أكدنا أكثر من مرة هي عمليات ذاتية ، أي تخضع لمعايير عقلية ، وأن هذه المسألة هامة جداً لأن الكثير من الناس يعتقدون بأن جعلنا سلطة العقل نهائية ما هو إلا محاولة لأن نستبدل بمطلقات ( جمع مطلق ) الوحي المزعومة اشياء أخرى ، نتوهم أنها مطلقات ونسميها مطلقات العقل . إن هذه الحالة تنطبق وبدون شك على بعض الفلاسفة ، وخاصة الفلاسفة العقليين من أمثال ( ديكارت 1595 – 1650  واسبينوزا 1632 – 1677 ) غير أننا لا نهتم بوجهة النظر هذه مطلقاً ، بل نقول : إن ما يجعل سلطة العقل نهائية هو تماماً عدم وجود مطلقات ، فإن ما يدعي شخص معرفته ، بغض النظر عن الوضع الأبتسامي الذي نجده فيه، لا أن يكون مصداقاً لذاته ، إن هذا هو ما يصدق على ما يدعيه ، سواء كان هذا الشخص ادعاؤه يقوم على شيء مثل الوحي أو مثل الحدس أوعلى أساس أخر ، وهذا يعني أنه قابل للدحض من حيث المبدأ ، ولكن مفهوم القابلية للدحض كمفهوم القابلية للتصديق ، هو مفهوم ذاتي في الصميم ، إن تطبيقه يخرجنا من الخاص إلى العام ، وفي الحقل الأخير العقل هو السيد .

 

لنبدأ الأن من الانتقال إلى الفقرتين ( ثالثاً ورابعاً ) محاولين أن نفهم لماذا المبادىء الموجودة في هاتين الفقرتين هما ضروريان لضمان استقلالية الإنسان كفاعل أخلاقي ، فإن أول ما سوف نلاحظه هنا هو أنه لا وجود للإنسان كفاعل أخلاقي إلا كونه يتصف بحرية الاختيار ، ومن ثم مسؤولاً عن كافة أختياراته وأفعاله ، وليكن معلوماً ، بأن الكلام عن الحرية في هذا السياق هو كلام عن الحرية بمعناها الميتافيزيقي ، وأن الحرية بهذه المعنى تستوجب الحرية السياسية والأجتماعية ولا يمكن أن تمارس إلا ضمن شروط خاصة ، فمن الواضح أنه ليس هناك من معنى يبقى للحرية الميتافيزيقية إذا تقلصت بدائل الاختيار المتاحة للشخص من قبل المجتمع أو الدولة ، بحيث يفرض المجتمع أو الدولة على هذا الشخص كيف يقرأ وكيف يفكر وبأي مبادىء وعادات وقيم يتقيد ، وماذا يعتقد وكيف يربي ابناءه وكيف يتصرف حتى في شؤونه الخاصة .. الخ . إن الحرية الميتافيزيقية في ظل هذه الشروط تصبح مجرد حرية أختيار باطن لا يترجم إلى الفعل ، ففي هذه الحالة ، حالة فرض مبادىء وعادات وقيم ومعايير على الشخص من خارجه ( أي في خرقنا للمبدأ الثالث ونعني الفقرة ثالثاً ) أو في حالة إلغائنا لثنائية العام / الخاص عن طريق دمج الخاص في العام ( أي في خرقنا للمبدأ الرابع ونعني الفقرة رابعاً ) فأننا نلغي وبدون أي شك استقلالية الإنسان كفاعل أخلاقي ومن ثم نجرده عن إنسانيته ، لأن في فرض مبادىء وعادات وقيم ومعايير على الإنسان ومن خارجه كما أوضحنا ، هو بمثابة محاولة لتعطيل أي إمكان لانخراطه في تفكير معياري للوصول إلى القرارات التي يرتاح لها ضميره ، لأن اختياراته وقراراته لا تعبر عن استقلاليته كفاعل أخلاقي ما لم تأت نتيجة لانخراطه في التفكير ، ومن ثم تعكس هذه الاختيارات والقرارات رؤيته وتقيمه الخاصين للأمور . فإذا كان الشخص لا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى القيام بتطبيق ما هو معطى له مسبقاً ، فإن التفكير الذي ينخرط فيه في هذه الحالة سيكون أشبه بالتفكير الحاسوبي الذي كما اوضحناه يشكل النقيض للتفكير المعياري ، وأنه سوف يكون كمن يطبق قواعد اجرائية معطاة له مسبقاً بصورة ألية على وضع معين ، وهنا فأن التفكير الحاسوبي سوف يحل محل التفكير المعياري ، وبالتالي فإن مفهوم الرابوط       Robot ( الإنسان الألي ) سوف يحل محل مفهوم الإنسان .

إذن من الواضح فإن الأمور ستصبح أسوأ بكثير إذا خرقنا المبدأ الرابع ، أي حولنا العالم الذاتي للشخص إلى جزء من القطاع العام وذلك عن طريق " دولنة المجتمع " أي سن قوانين وأجراءات تمس كل شيء في حياة الفرد ، ثقافته وعاداته ومعتقداته الدينية والمذهبية والدنيوية ، ومن ثم تطال هذه القوانين حتى تمس قيمه وذوقه وفكره ومواقفه السياسية والأجتماعية والأخلاقية وأفعاله في شتى المجالات ، فلا يبقى أي متسع أو فرصة له ليفكر ويعمل وفق قناعاته الشخصية ورؤياه الخاصة للأمور . هنا نجد محاولة لإلغاء الفرد وأقصاءه بصورة تامة من دوره في المجتمع وتحويله إلى مجرد إنسان ألي مبرمجة أفعاله على نحو خالص ، إذن فإن التفكير من هذا النوع ( التفكير الحاسوبي ) يحل بشكل تام محل التفكير المعياري وأستقلالية الإنسان كفاعل أخلاقي .

وهنا لا بد من التوضيح ما المقصود بالخاص والعام ، وأين يبدأ القطاع الخاص وأين يبدأ القطاع العام ، لذا فإن السؤال الرئيسي الذي يواجهنا هنا هو السؤال التالي : ما هي حدود سلطة المجتمع أو الدولة على الفرد ؟ أي بكلام أخر : إلى أي حد يحق للمجتمع أن يقيد الفرد ؟ أن الأجابة على هذا السؤال ليس بالسهل مطلقاً ، كما هيأ لنا فيلسوف ليبرالي ( جون ستوارت مل ) ( 3 ) في معالجته لسؤال مشابه ، فالفيلسوف مل كما هو معروف لأي دارس للفلسفة السياسية ، قد أتخذ من المعيار التالي معياراً للتمييز بين مملكة الخاص ومملكة العام وكما يلي : كل فعل لا تتجاوز نتائجه صاحب الفعل ينتمي إلى مملكة الخاص وعكسه فهو ينتمي إلى مملكة العام . السؤال الأساسي للفيلسوف مل هو : ما هي النتائج المترتبة على القيام بالفعل ؟ هل تمس هذه النتائج أي شخص أخر غير الفاعل ؟ إذا كان الجواب بالنفي ، إذن الفعل هو فعل خاص ولا يحق لأحد أن يمنع الفاعل عن القيام به ، وإذا كان الجواب بالإيجاب ، إذن فالفعل ينتمي إلى مملكة العام ، وهو لهذا السبب بالذات يخضع لسلطة المجتمع أو الدولة ( 4 )  .

إن ما يتضح ، في ضوء الاعتبارات اعلاه ، هو أن القطاع الخاص ( أي القطاع الذي ينبغي ألا يخضع لسلطة المجتمع ) يشتمل على التالي :

 

اولاً : يشتمل على الافكار والاعتبارات والمواقف على مختلف أشكالها ومضامينها .

 

ثانياً : يشتمل على الأفعال التي تأتي في نهاية صيرورة التفكير المعياري ، يعكس عادات وتقاليد وقيم الفاعل الشخصية ونظرته وفهمه للأمور ، التي يتضمن تقييدها من قبل المجتمع افتراضأ خاطئاً ،

مؤداه أن المجتمع في هيئاته الرسمية يمتلك المعيار الواضح والصحيح للحكم على هذه الأفعال .

 

ثالثاً : يشتمل على الأفعال التي يعني تقييدها من قبل المجتمع انحياز هذا المجتمع لعادات وتقاليد وقيم جماعة من جماعاته وفرضه لها على الجماعات الأخر .

 

رابعاً : يشتمل على الأفعال التي لا تلحق أي ضرر بالأخرين أو التي لا تتجاوز نتائحها ذات فاعلها ، إلا ما كان منها من النوع الذي لم يقيد على نحو ما سيميل عدد كبير من الأفراد إلى فعله ، وستكون النتائج المترتبة على ذلك جد وخيمة اجتماعياً .

 

                                                              ( يتبع في الجزء الثامن والأخير )

 

الهوامش :

 

( 1 ) إن كلامنا هنا على القضايا المدلول المعرفي ليس القصد منه الإشارة إلى القضايا التي تشكل موضوعات فعلية للمعرفة ، بل إلى القضايا التي تشكل موضوعات فعلية وممكنة للمعرفة على حد سواء . فالقضية التي لها مدلول معرفي هي قضية يمكن من حيث المبدأ ، أن نعرف أنها صادقة ( أو غير صادقة ) . ولا بد من تنبيه القارىء هنا أننا في كلامنا على الطبيعة المنطقية لهذه القضايا لا نقصد أن نعمم حول كل انواع القضايا التي لها قيمة معرفية . فإن ما سنقوله ينطبق على نوعين منها : الواقعي والمعياري .

 

( 2 ) من الجدير بالملاحظة هنا أنه إذا لم يكن ممكناً حتى نظرياً الحسم في حالات كهذه عن طريق تحكيم العقل ، إذن فلأن المعرفة ومعاييرها ذات طبيعة ذاتية بالضرورة ، فإنه لا يمكننا أن نعد الخلاف المعني خلافاً حول ادعاءين معرفيين ، فبمجرد أن نخرج مسألة من دائرة ما يخضع لمعايير العقل ، فإننا نخرجها من المجال العام إلى المجال الخاص ، ونخرجها بالتالي من دائرة المعرفة .

 

( 3 ) جون ستوارت مل 1806 – 1873 فيلسوف انكليزي برز في المنطق ومناهج البحث العلمي ، ومن أكبر دعاة مذهب المنفعة ، له أراء فلسفية بحسب الموضوعات التي تناولها : في علم النفس والمنطق والأخلاق والسياسة . انظر الموسوعة الفلسفية الجزء الثاني ص 468 .

 

( 4 ) انظر حول هذه المسألة جون ستوارت مل في كتابه ( في الحرية ) ص 9 .