الحلقه التاسعه

 

ألقوش التي صـَعـُبـَت على  أنياب الفاشست لن تخدشها مخالب شراذمها   

 

                                            

 

                                      

                                              شوكت توسا           

                                    

                

                  حادثة  القوش في  نيسان 1969

               لم ينفك الفاشيون البعثيون من تربصهم وتحيـّنهم  لفرص الإنقضاض على بلدة ألقوش لمزيد الهتك بها وزرع الفتن مع جيرانها , ففي اواسط نيسان 1969 , حصلت مشاده كلاميه  بين أحد الطلبه من الإخوه اليزيديين  ومدرسـّه في ثانوية القوش بسبب نطق المدرس أثناء الدرس  لكلمه فيها الشين والطاء  دون قصد الإساءه , تطورت المشكله الى تراشق الكلمات بين الطالب والمدرس ثم  تحولت الى ضرب وعراك بين الطلبة الالقوشيين واليزيديين في الثانويه, في النهايه إضطر الطلبه اليزيديون لمغادرة القوش الى قراهم  , كان بإمكان المدرس  فض المشكله  وإحتوائها عن طريق إدارة الثانويه  لكن مع الأسف  حصل العكس مما فسح المجال  لإستغلال  هذه المشكله التافهه في إعلان حرب  مدبره ضد البلدة بأكملها .

  في عصر ذات اليوم  تفاجأ الناس حين انتشر نداء الاخ داؤود دنو وهو يدعو الى مشاهدة مجاميع كبيره من المسلحين اليزيديين  قادمه من جهة الشرق(دير السيده) . كان يقود المجاميع  فاروق بيك (احد أمراء اليزيدييه) الذي ثبت لاحقا بانه قد نسّق أمرا معينا  مع السلطات البعثيه  للإنتقام من اهالي القوش  بحجة ان الشيوعيين  إعتدوا على الطلبه اليزيديين فيجب معاقبتهم و استملاك ممتلكاتهم ومساكنهم , وهي حجه ملفقه وغير صحيحه (يقال ان احد المهاجمين كان يحمل في جيبه قائمه لتوزيع بيوت القوش  عليهم) .

  في الحقيقه إن مساندة البعثيين لمحاولة فاروق بيك( مدعيا ً زورا بان الشيوعيين هم من ضرب الطلبه اليزيديين )  لم تكن هذه  من اجل سواد عيون الطلبه اليزيديين , إنما كانت محاولة ضرب عصفورين بحجر واحد , فإهانة  القوش  وتخويف أهاليها كان هدفا ثابتا عمل الفاشست عليه طوال سنين حكمهم  السته علاوة على محاولة الإيقاع بين الألقوشيين  وجيرانهم  التاريخيين اليزيديين عبر تشجيع  فاروق  بك وتوريطه في  إستغلال الجانب الديني في تعبئة الاخوة اليزيديين  لحملة  تجاوز تعدادها الألاف .

كنت يومها في  القوش لحضور مناسبة التناول الأول لاحد اقاربنا, في بادئ الأمر حاول اهالي القوش كل ما بوسعهم  تحاشي التصادم مع اليزيديين كونهم جيران وبينهم  علاقات و زاد وملح ,ومن اجل فض المشكله سلميا  بالتحاور وإعتذار المدرس  لو إقتضى الأمر, تم تكليف وفد  من ثلاثة  اشخاص  للذهاب الى دير السيده  ( الاستاذعبد رزوقي, المرحوم  الاستاذ عابد بتي صفار, والمرحوم الاستاذ زرقا ) للتحاور مع فاروق بيك, لكنه كان جدا قاسيا معهم  في تصرفه معهم واكنهم أسرى عنده  بعد ان  رفض الاستجابة لعرض المصالحه  مما دل على ان هناك امر مبيت ومتفق عليه .

 الأمر الملفت عزيزي القارئ هو رغم حجم تلك الحشود المهاجمه , الا ان المخطط  تم تفكيكه  تحت صخرة إرادة الأهالي العزل  وخابت نوايا الشر أمام مقاومة القليل  من شباب القوش و بقطع اسلحه خفيفه  لم تتجاوز الخمسة عشر بندقيه  كانت مخصصه للحراسات الليليه  بعد ان  تم تجريد البلدة من السلاح في حملات تفتيش وتهديد مكرره.

أتذكر كان عندنا في البيت بندقية صيد (صچمه قورمه) ومعها  إطلاقات  أشتريناها عن طريق الشيوعيين الأنصاربمبلغ

  25 دينار , إضافة الى مسدس  ويبلي ابو البكره  كان قد أعاره لنا المرحوم العم الياس توسا مع قليل من الإطلاقات,  كان  بحق موقفا دراميا يصعب على المراقب وصف الحاله التي سادت البلده وأهاليها , إذ الكل ينادي بواجب  الصمود والمقاومه بكل الوسائل  حفاظا على كرامة سكان البلدة  , إستطعت  اقناع  الوالد  ببقائه في البيت  واحتفاظه بالمسدس  والسماح لي بأخذ  بندقية الصيد  للإلتحاق بمجموعة  كانت قد تمترست أمام ساتر واطئ من الأحجارلإصطياد المعتدين , عندما رأى الإخوه المقاومين  سلاحي البسيط مقارنة بالبندقيه  , نصحني أحدهم  بالرجوع  والصعود فوق اي سطح داخل البلدة  لان في ذلك فائده اكثر من سلاحي الذي يصلح لمعالجة الحشد عن قرب  , اطعت نصيحة ذوي الخبره دون أي إعتراض , ثم عدت بين المكسور نفسيا والمطيع لصوت العقل , في طريق عودتي رايت الفلاح  الشهم  بدري قس يونان (اطال الله في عمره) يركض مقبلا من محلة سينا  باتجاه شرق  القوش وبيده رشاش كلاشينكوف وهو يرمي بالهواء إطلاقات منفرده للنخوه والتشجيع   بينما كان  جارنا المرحوم  يونس جولاغ  يناديه : يا بدري  يا اخوني عزيزه , لا تهدر إطلاقاتك  ستحتاج اليها بعد حين , شعرت حينها بنشوة وكاني أرى في  إنتخاء الشهم بدري  جيشا جرارا طلائعه تواجه  الشر  في شرق القوش  وتصده الى نحوره و نهايته في محلة سينا المعروفة بتاريخ رجالاتها .

  أتذكر جيدا كيف تضاعفت معنويات البلده  عندما عرف الاهالي بان في القوش اثنان او ثلاثة من رفاق ابو جوزيف المتمرسين (كانوا في إجازه استراحه) , لكن العزيمه  تفتقت اكثر عند انتشار خبر مبادرة أحد شباب القوش ( المرحوم الشهيد حبيب بتي دكالي) بتسلق الجبل والذهاب الى مقرالشيوعيين في قرية بيرموز لإبلاغ المرحوم توما توماس بالامر, من جهة اخرى (لست متأكدا 100%من صحة المعلومه) شاع خبر تطوع المرحوم شابا شهاره  بنفسه وترتكتره بالذهاب الى بعض قرى غرب القوش لشراء ما يتيسر من سلاح وعتاد .

. ولا ننسى أن نداءات الوجهاء و رجال  الدين  الذين تقدمهم  القس ( المرحوم  المطران يوسف توماس) كان لها  الدور الكبير في  شحذ همم الاهالي نساء ورجالا وحثهم على الصمود والمقاومه  لحد الموت بشرف , أتذكر ان نساء محلتنا بدأن يحكين عن تهيئة  أنفسهن لحمل السكاكين والعصي  لملاقاة المعتدين لو دخلوا البلدة  عنوة لا سامح الله , لكن المعتدي لم يفلح في الاقتراب من البلدة رغم انهم احاطوها عن بعد من  الشرق والجنوب , ونتيجة لما حل بهم من خسائر وخيبه إضطرتهم الى طلب النجدة من عساكر حكومة الموصل  التي ورطتهم ,فقد تم ارسال قوة مغاوير خاصه من الموصل بقيادة النقيب ارشد زيباري لإنقاذ فاروق من ورطته ومساعدته في دخول البلدة  مع مجموعه من مسلحيه بشكل رسمي, وقد إتضح لاحقا بان  محافظ الموصل علاء الدين البكري لم يكترث لمناشدات ذوي الشأن متظاهرا بإنشغاله في احتفالات الربيع ولم يعر للامر مايستوجب من أهميه ,مما لا يستبعد كونه طرفا من تلك العمليه .

 لم يتمكن المعتدون من تحقيق شئ يستحق  الذكر امام صمود الأهالي سوى قتل الراعي الأعزل  الشهيد عبد المسيح عوصجي وهو يرعى غنمه  وجرح المرحوم جعفو حكيم  الذي كان واقفا امام بيته المقابل لدير السيده  . في الحقيقه  لولا قدوم مغاوير المحافظه ومرافقتها لقوة فاروق بك لما استطاع مسلحا واحدا دخول القريه رغم عددهم وعدتهم , فقد إعترض طريق امر قوة المغاويرأثناء وصوله مدخل القوش شخصان او ثلاثه وطلبوا منه فض الأزمه قبل ان تتطور المسأله الى حرب شامله في المنطقه , لكن الذي كان مخطط له  لم يدعه يجيب الا بكلمات ترضيه  ومخادعه.

 دخلت قوة المغاوير  وأدخل معها  مجموعه مسلحه من جماعة فاروق  ثم بدأ كلاهما يخطب لمحاولة  إقناع الناس بان القوة التي يقودها فاروق  ستبقى في القوش لحماية الأهالي لكن الناس المحتشده كانت تلوح برفضها لان ذلك كذب و ما عليهم الا الانسحاب , لم يتمكنوا من البقاء في القوش سوى ساعة او ساعتين ,حيث  بينما  كانت حشود الجماهير تحتج امام مركز الشرطه , تم حسم الأمر حين جاءهم التحذير والتهديد  من المرحوم توما توماس تتويجا لما قام به رجال ديننا ووجهائنا ,  فقد انتشر الرعب في صفوف العساكر على اثر التهديد الذي تأكد  لديهم  صحته  وجديته عندما شاهدوا رجالا يتحركون  فوق الجبل بشكل مخادع( حاملين شجيرات صغيره ) اوهمت الغزاة بأعدادهم  مما إضطرهم بالتالي  الى طلب توفيرالحمايه  لهم من البلدة كي ينسحبوا , وقد جاءهم الرد من المرحوم القس الشهم يوسف توماس الذي قال لهم أخرجوا بسرعه  وأعدكم  لن يعتدي عليكم احدا , خرج المعتدون وبنادقهم منكســه  أمام أهازيج اطفال القوش وراءهم تنشد وراءهم هووووي هووووي   .

كيف لا يعتز الإنسان بهكذا شعب  ويفتخر به , وكيف يتجرأ احدهم  تبرير جرائم  الفاشست بحق أهله ؟