قضية ضد مجهول

 

                                            

 

 

 

                                   

                                       

                                        شمعون شليمون

 

                                                                                         

               

              يبدو أن أسهل طريقة للتّهرب من واجب المسائلة بالنسبة للأجهزة الأمنية هي تسجيل القضية أو الجريمة ضد مجهول بهذا تستطيع هذه الأجهزة أن تبرر تقاعسها وعدم إهتمامها بل وتواطئها – في الكثير من الاحيان - مع المجرم لا محالة.

 في السابق عندما كان النظام البعثي يمسك  بزمام الأمور ويتحكم بكل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية وحتى السلطات القضائية، عندما كانت تسجل جريمة وقعت في وظح النهار أو عتمة اليل ويتم تلفيفها وتسجيلها ضد مجهول. كنا على يقين أن الجريمة يشترك فيها النظام بشكل أو بآخر. وإن لم تكن حصلت بتخطيط مسبق فأنها حصلت بعلم أحد مسؤولي الأجهزة الأمنية. ولا شك أن بعض المسؤولين كان ينفذ بعض الجرائم على حسابه الخاص ولكن دون أن يتجاوز الخط الاحمر المسموح به من القيادة العامة للنظام.

فلماذا كنا نتهم النظام مباشرة بأرتكاب أي جريمة تسجل ضد مجهول؟. الجواب بسيط جدا لأننا كنا نخاف أن نتحدث بكلمة ضد النظام خوفا من أجهزته الأمنية السرية المزروعة في كل مكان. فهي كانت تراقب كل صغيرة وكبيرة حتى الحديث العادي وينقل بدقة عندما يتعلق الموضوع بالنظام، أو رموز النظام. فكان من حقنا أن نتهم هذه الأجهزة بكل جريمة تسجل ضد مجهول وخاصة إذا كانت الجريمة سهلة الكشف.

اليوم لا يمكن مقارنة السلطات في أقليم كوردستان بأي شكل من الأشكال بأجهزة الأمنية للنظام السابق وحاشا أن يأتي اليوم الذي يمكن تشبيه حكومة اقليم كوردستان بحكومة النظام السابق. أولا: لآن قيادة اقليم كوردستان عانت من الاجهزة الأمنية للنظام السابق الى درجة التي اصبح هذه الممارسات جرائم جنائية من وجهة نظر هذه القيادة. كما إننا على يقين بأنها لن تسمح لزمرة الإنتهازين بالتحكم بما حققته الثورة من الثمار والقيم السامية من الحرية والعدالة والعيش المشترك. بعد أن كانت هي في مقدمة من ضحى بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق هذه المبادئ والقيم.

ثانيا: لأن الكثير من أبناء اقليم كوردستان ممن بذلوا الغالي والنفيس في سبيل انجاح الثورة الكوردستانية وفقدوا اعز الناس وعاشوا ايتاماً منذ طفولتهم ومنهم كاتب هذه الأسطر. سيبقون صرخة إغاثة، وعيون ساهرة يراقبون كل من تسول له نفسه اللعب بمبادئ هذه الثورة الكوردستانية والعبث بقيمها.

فعندما كنا نُضطهد ونُهجر كان هذا النفر الضال يتربع بين احضان النظام الدكتاتوري المقيت. واليوم بعد أن عفت الثورة عنهم يحاولون بإنتهازيتهم ضرب مكتسبات الثورة والعبث بقيمها الوطنية. بعد أن سمحت لهم  سهولة الإنتماء الى الأحزاب الكوردستانية الرئيسية الوصول الى بعض المناصب الإدارية. وبعد أن اصبح عند بعض الكوادر في الحزبين الكوردستانيين معيار الإخلاص والوطنية إستمارة الإنتماء. ولا يحصل اي شخص على الوظيفة دون تزكية من أحد الحزبين. فكانت هذه فرصة الذهبية لعشرات الإنتهازيين الذين يعرفون "من أين تؤكل الكتف" لتسنم المناصب والحصول على وظائف ليصبوا كل احقادهم على غيرهم وتحت غطاء السلطة الرسمية وبأسمها.  

في مقالة سابقة كتبناها لمناسبة احداث الأعتداء على عشرات المحلات التجارية للمسيحيين واليزيدية. قلنا أن العشرات من المتطرفين تمكنوا من التعشعش في الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة اقليم كوردستان بعد أن دخلوا الحزبين الرئيسيين لآسباب نفعية ومصلحية، بل وإنتهازية دون مبالغة. ومع الأسف خطر هذه البؤر الإنتهازية السرطانية يزداد يوما بعد يوم الى درجة انني شخصيا اخاف على مستقبل الثورة الكوردستانية من هؤلاء المتطفلين على دماء الشهداء وتضحيات المناضلين. والبعض منهم يؤسس قواعد لتنظيمات إرهابية داخل هذه الأحزاب وينفذ اجندات خارجية. ويرتكبون جرائم بحق أبناء كوردستان. وعندما تصل التحقيقات الى تورط هؤلاء الأشخاص في بعض الجرائم، تنقطع الخيوط التي تؤدي بالتحقيقات الى الجاني. ويتم تحريف التحقيق بل واغلاق الملف وتسجيله ضد مجهول، حتى لا تحسب هذه الحوادث على الأحزاب المتنفذة في اقليم كوردستان. والأجدر هو تطهير الحزبين الكبيرين من هذه الخلايا العابثة بقيم ومبادئ الثورة الكوردستانية السامية، قبل أي محاولة لمعرفة مسببي الإعتداءات التي وقعت ضد المسيحيين ومنها الإعتداء الأخير ضد كنيسة مار خنانا في في ديرة لوك والاذى الذي طال حتى كرامة الأموات من العبث بضريح الأب ارميا توما. لآن القضية ليست تصرف لا مسؤول أو خروج عن القانون، بل هو عمل منظم نفد بدقة وإتقان واحتراف، من قبل هذه المجاميع الإرهابية المحتالة على الأجهزة الأمنية والحزبية الوطنية.

فالإخلاص لمبادي الثورة لا يكتسب بإستمارة حزبية، بل هو مجموعة قيمية تراكمية من المبادئ والتضحيات يكتسبها الشخص عبرة مسيرة طويلة من النضال والتهذيب والصقل لبنية شخصيته. ومن يعتقد أن الإستمارة الحزبية هي معيار الإنتماء والإخلاص يرتكب جريمة عظيمة بحق الثورة الكوردستانية وتضحيات شهدائها وأبنائها المخلصين. فهذه الإستمارة لا تتجاوز ورقة فلسكوب، يمكن أن يعبئها المخلص والخائن، وكل منهم يعمل بطريقته الخاصة ويحاول الوصول الى الهدف الذي من أجله عبأ استمارة الإنتماء. المخلص سيبذل قصارة جهده من اجل حماية مبادئ الثورة أو الحزب والحرص على مكتسباتهم. والخائن سيعبث بهذه القيم ويستغل الحزب والثورة من أجل الوصول الى أهدافه الخاصة. التي قد تكون ضرب وتحطيم الحزب والثورة في آن واحد.