ألـحلقه  الثالثــــــــــــــــــه

 

ألــقــوش  التي صَعـُــبَت ْ على أنياب الفاشست لـن ْ تخدشها مخالب شراذمــها

 

                                                                                                                

                             

 

 

 

 

                                                   

 

                                                        شوكت توسا

                                                                 

                                  

                                                                                           

        

               نتواصل عزيزي القارئ في سرد ما علق بالذاكره وما كنا نسمعه عن الفوضى التي خلفها  عصيان الشواف وإنعكاساته على واقع ومستقبل أبناء شعبناالكلداشوريالسرياني ,ان الذي ننقله هو صوره مصغره لمجمل المآسي التي مر بها ابناء شعبنا في مدينة الموصل ,فقد سادها  وضعا ماسويا متشابكا  ينبئ  بكوارث لا يمكن لأحد تصور حجمها وشكلها , انما المخيف كان ما حصل فعلا بحق ابناء شعبنا الكلدواشوريين المسيحيين الذين باتوا الحلقه المستهدفه  في حملات التهديد والتهجير  والقتل خلال ايام العصيان وما تلاها حتى بعد اخماده, والسبب واضح كونهم شكلوا ثقلا شيوعيا  ووطنيا مساندا للثورة .

 كان الوقت مساء والقلق من المجهول يخيم على حارتنا, سمعنا صوتا ينادي من السطوح  بأسم المرحوم والدي , صعد الوالد مسرعا الى السطح ليتحرى الأمر,تبعته راكضا كعادة الصبيه , واذا بجارنا المهندس واصف ميرزا ( أغتيل في حملات الاغتيال اللاحقه)  مختفيا وراء الحائط (ستاغه)الذي يفصلنا عن بيته وبيده  قطعة سلاح , من شدة إضطرابه وخوفه بدا متلعثما  وهو يقول باللجهه المصلاويه بما معناه ( انا لا اعرف كيف أرمي, خذها عندك وأستعملها انت لو حصل شيئا) , ظن الوالد بان هناك أمرا قد حل بعائلته او أحدا يهدده,  تمالك الوالد أعصابه  أزاء وضع جارنا المرتبك   لأن الحاله كانت  بحق مخيفه ومقلقه ,  ثم راح  يتحدث معه بهدوء و بصوت خافت مشجعا إياه  ويعلمه بعجاله طريقة استخدام سلاحه .

 في هذه الأثناء سمعنا  ضربات بساطيل عساكر تهز أرض الزقاق  قادمة من جنوب بيتنا من جهة باب البيض(شيخ محمد) , إنتابتنا لحظات صمت وترقب , وحين ابتعدت القوه  قليلا  ,استطعنا اختلاس نظرة  خاطفه على هذه القوه التي تراوح تعدادها  بين عشرين الى ثلاثين عسكري مسلح , من خلال حديث الوالد مع الجار فهمت بانها على الأرجح قادمه من  معسكر الغزلاني جنوب منطقتنا لكن لم نعرف مكان توجهها وموقفها من العصيان ,ولان الجو كان  بداية فصل الربيع تشجع الوالد والجارعلى  تمضية الوقت في مواصلة دردشتهم  فوق السطح  قرابة نصف ساعه الى ان هدأ وضع الجار قليلا لكنه اصر على اعطاء رشاشته الصغيره لوالدي  ثم ودعنا بعضنا بعد ان أكد له والدي بان ينادينا لو حصل اي شئ .

   قضيت واشقائي تلك الليلة المخيفه بلا نوم  وبسكون مرعب رغم تشجيع  الوالده لنا وحثنا على النوم, كيف لنا النوم ومخيلتنا  تعج برعب أحداث النهاروالأخبار المخيفه علاوة على سماعنا في الليل أصوات صراخات  اشخاص* يمرون  امام بيتنا وفي أزقة منطقتنا يتبادلون  إطلاق الرصاص و الشتائم , كان المرحوم والدي جالسا يدخن ويشرب الشاي  يقظا لاحتمال مناداة الجار واصف او غيره  وفي نفس الوقت يحاول إزاحة الخوف عنا وتشجيعنا في القول بان اصوات الصراخات والرمي بعيده عنا  وليس هناك ما يخيف .

في نهاراليوم التالي , صعد الوالد الى السطح  ,تبعته انا وشقيقي الأكبر, ليتفقد جارنا واصف ويعيد السلاح له على فرضية  ان المؤامره موشكه ان تخمد بحسب الاخبار المتوارده,لما لم يجده ألقى بحجارتين في فناء بيته  ثم ناداه , صعد واصف  للسطح ودار حديث بينهما  حول مجريات الليله الماضيه, أعطى الوالد السلاح لواصف ثم نزلنا كل الى بيته .

 بعد  ساعه من نزولنا , دخلت زقاقنا مجموعه مسلحه  مؤلفه من ثلاث او اربع  مسلحين  احدهم بزي  جندي , تبين انها مكلفه بتنفيذ  أوامر مدبري العصيان حيث توجهت الى بيت جارنا  المدعو يوسف المختار بيت شقيقة المحامي كامل قزانجي** , ذهبنا  لمعرفة ما يجري , كان أهل البيت والجيران يبدون عدم قبولهم  أخذ كامل قزانجي, ولكن عندما قال احد افراد المفرزه بان أصدقاء كامل الشيوعيين يودون اللقاء به ومن ثم سيعود ,هكذا استطاعت المفرزه اقتياد المرحوم  قزانجي الى  جهه مجهوله  ,في الظهيره حل في المحله حزنا كبيرا عندما علا صوت البكاء والعويل في بيت الجيران إثر سماع خبر إستشهادالمحامي كامل قزانجي على يد  المدعو محمود عزيز احد مساعدي  عبد الوهاب الشواف.

 تفاقمت الفوضى وتضاربت الانباء مع كثرة اصوات الرمي بمختلف العيارات والاسلحه  الناريه ,  وفجأة تعالت في زقاقنا ضجة وصراخات على أثرمقتل جارتنا الصبيه غنية  إبنة  جارنا الشيوعي محمد عباللطيف( والد الشهيد  مثنى محمد الذي أغتيل  في 2007 في الموصل), فقد أثار مقتلها غضب الناس وحنقهم , وبعد التأكد بان مصدرالرصاصه  كان من بيت قاسم أغا إنتقاما من والدها الشيوعي, داهمت مجموعه مسلحه ( مقاومه شعبيه) بيت قاسم أغا المعروفون بتأييدهم لعصيان الشواف .

في بداية الامر إمتنع بيت قاسم أغا من الرضوخ للامر الواقع , فشاع بيننا نحن الصبيان خبرَ  اوامر إخلاء بيوتنا والذهاب الى  بناية  المطرانخانه مقابل كنيسة المسكنته  لان الحكومه بصدد ضرب بيت قاسم أغا جوا او بمدفع  ,فعلا توجه بعض الجيران و نحن الصبيان معهم الى المطرانيه التي  تبعد مسافة مئة متر عنا , وعندما شاهدنا  مسلحين بالزي الكردي فوق سطح المطرانيه  يصوبون اسلحتهم  بكل الاتجاهات, عدنا ادراجنا خائفين  . كان المهاجمون  اثناء غيابنا قد تمكنوامن إستدراج الأشقاء الثلاثة (عبد اللطيف وعبد العزيز  وعبد المجيد )في بيت قاسم أغا  وإخراجهم  كي يساقوا الى مركز الشرطه , في هذه الأثناء هجم شاب تربطه علاقه معينه بعائلة  الصبيه الشهيده , حاول الشاب  وضع حبل برقبة أحد الثلاثه المتهمين  لسحله وقتله  , أتذكر جيدا بأن جمهرة من بينهم  المرحوم والدي و المرحوم خالي  وجارين القوشين احدهما من بيت ابونا والاخر من بيت شكوانا كانوا يراقبون ما يجري عندما خرجن نساء الاغوات وهن يبكين  رجالهن ويستنجدن بالجمهره  لعمل شئ لانقاذهم,  لم تتحمل غيرة الألقوشيين مشهد بكاء النساء ومناجاة الأطفال , اذ تمكنوا من الامساك بالشاب  وتهدأته  ومنعه من تنفيذ ما كان ينوي القيام به ,بذلك  تم إنقاذ  حياة ذلك الشخص من موت زؤام عدا  أن سدارته القهوائيه  سقطت من راسه في ساقية الماء  ثم تم سوقهم  الى مركز الشرطه  , هذا مثال  أحكيه بأمانه كما شاهدته  حتى  يتعرف العراقيون على حقيقة أخلاقيات ابناء شعبنا (الكلدواشوريين السريان) في مثل هكذا مواقف, ليس هذا فقط , بل هناك موقفان مشابهان حصلا و لكن في بلدة  القوش  .

أولهما :  يحكي شهود عيان عن قيام اهالي القوش أثناءاحداث مؤامرة الشواف بحماية أشخاص غرباء كانوا يتواجدون في القوش يومها, تم إيوائهم و حمايتهم  حسب الاصول تحسبا من اية ردة فعل في لحظات الغضب , رغم علمهم ان من بين اولئك الاشخاص كان أحد شيوخ  العشائر المؤيده لمؤامرة الشواف .

 ثانيهما :  حكاية المفتش التربوي عبد المحسن توحله الذي كان يؤدي واجبه الوظيفي في مدارس القوش  اثناء عصيان الشواف, وهو رجل عرف عنه معاداته للشيوعيه, مع ذلك يؤكد شهود العيان كيف ان الأهالي وبالذات  معلمي القوش الشيوعيين  هم الذين قاموا بحمايته  وإيوائه  , وعندما أراد العودة  الى اهله وعائلته في الموصل , رافقته مجموعه من الشيوعيين  بسياره  أوصلته سالما  الى  باب بيته في الموصل.

الهامش:

*علمنا فيما بعد بان والد الشهيده غنيه, الشيوعي المرحوم  محمد عبداللطيف (ابو مثنى)  وابن أخته  لملقب بعلي الأشغم , كانا من ضمن مجموعه  شيوعيه مكلفه بالتجوال  في ازقة منطقتنا  ليلا  لمنع البعثيين والقوميين  من مداهمة بيوت المنطقه .

**  المحامي كامل قزانجي  من عائله مسيحيه وشخصيه وطنيه معروفه , أبعد خارج العراق في زمن الملكيه بسبب مواقفه الوطنيه . كان قد حل ضيفا في بيت شقيقته  أثناء قدومه للموصل في قطار انصار السلام .