ديــــوّا

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

لاسم الذئب صدى كبير في ذاكرة وموروث الكثير من الشعوب ,وهو مقترن بالافتراس و بصفة الغدر والخطف والخطورة الكبيرة الغير متوقعة .

ومنذ سالف الازمنة ظل وما زال هناك صراع مرير بين الانسان وهذا الحيوان, وظل يعقب مكان تواجد الانسان ومقتنياتهِ من الحيوانات الاليفة لاقتناصها , وخاصة في القرى والارياف , وخوف الانسان من هذا الخاطف ظل يوقظ مظاجعهُ على الدوام .. ولشعوب الارض قصص وروايات حقيقية وخيالية خرافية حول هذا المفترس القاتل.

ولشعبنا الكلدو اشوري السرياني موروث شعبي زاخر حولهُ , وخاصة في اجواء القرى الجبلية وخلال فصل الشتاء, حيث كان ابائنا واجدادنا يحكون لنا قصصا مسلية على لسان الحيوانات ونحن الاطفال كنا نحبس انفاسنا اشتياقا للاستمتاع حول احداث ومجريات القصص وغالبيتها كانت تتمحورعن الذئب وغدره بالحيوانات الاخرى . وفي موروثنا الشعبي هناك كم كبير من تلك القصص والحكايات الشعبية  الشيقة.

واسمهُ ديوّا دٍاتَا

  وهو اسم سرياني وربما معناه مشتقة من  دئو ذئب اي ذائب  من ذاب يذوب لانحلال  انسجة جسمهِ بسرعة كبيرة عند موتهِ ولذلك ساق اهلنا مثلهم المشهور أوا ديوّا ايكا ايلي ميتّا ؟ اين مات هذا الذئب ؟ , يقال عند قيام شخص ما بشيء مفيد وغير متوقع منهُ ابدا. وكانوا يقولون من الصعوبة او الاستحالة ايجاد جثة ذئب ميت  وان وجدت فهي حالة نادرة.

ذات يوم امسك الذئب ثعلبا ماكرا فاراد افتراسهِ , فقال " لهُ الثعلب لالا لا تفعلها لانك ستحتاجني في المستقبل" , فرد الذئب وكيف ذلك ؟ فقال الثعلب "انا سوف اعطيك ورقة حال قراءتك لها فلن يروكَ الكلاب ابدا , ففرح الذئب واخذ الورقة وخبأها في جيبهِ , وبهذه الكذبة خلص الثعلب نفسهِ من الذئب , وذات يوم اتفقا الاثنان على ان يقوما بجولة في القرية لالتهام الدجاجات , ودخلا القرية فان الثعلب ماكر اكل الكثير من الدجاجات على وجه السرعة ,بينما الذئب ظل يعقب احدى الدجاجات , حتى حسى الكلاب على صوت الدجاجات فتقدموا الكلاب نحو الذئب والثعلب فأن الثعلب مسرعا نطا على احد الجدران العالية بينما الذئب ظل يفتش في جيوبهِ , فقال لهُ الثعلب ماذا تفعل ؟ فرد الذئب افتش عن تلك الورقة , فقال الثعلب منو يقرأ منو يكتب خلص نفسك الان , وعلى هذا الاساس ساق شعبنا مثلهُ المشهور مَني قاري مَني كاتّو.

في احدى الغابات كان هناك ثلاثة ثيران صديقة ومتحدة الابيض الاسود الاحمر تعيش بهناء ورخاء وعند النوم ليلا كانوا يسندون مؤخرتهم على البعض بشكل مثلث ورؤوسهم نحو الخارج وحال اقتراب الذئب كانوا يضربونهُ بالقرون دقشّي ,ولم يكن يستطيع الذئب النيل منهم بسبب وحدتهم , وذات يوم صمم  الذئب على النيل منهم وفق طريقة عصرية ,فقال للثور الابيض فقط ريد دقيقة من وقتك الثمين لاقل لك كلاما مهما وخطرا , فرد الثور كلا والف كلا لانك ماكر وخاطف , ولكن الذئب كان يوميا يعاد تلك القوانة على مسامع الثور الابيض دون كلل وملل, وذات يوم قرر سماع الذئب فقال الذئب ان صديقيك الحميمين  الاسود والاحمر سمعتهما يتكلمان عنك بسوء يقولان انه فقط يأكل ويتفرغ  بس ياخِل وخاري ولا شيء سواهما وعند سماع هذا اشتد غضبا وقرر مغادرتهما والعيش لوحده , رغم تحذيره من قبل الثوران الاخران , وعندما اصبح لوحده جاء اليهِ الذئب واكلهُ بسهولة, وهكذا فعل مع الاسود كذلك والاحمر بقى  لوحده فاكلهُ كذلك .فاوقع بينهم واكلهم هذا المثل ينطبق على حال شعبنا الكلدو اشوري السرياني فان لم نتوحد فسيكون مصيرنا كالثيران الثلاثة الضياع دون شك .

وهناك ظاهرة اسمها سَرتّا دكِمّا دديوّا اي ربط فم الذئب وهو تقليد قديم يمارس في  القرى ومفاده لدى ضياع اي راس من الغنم او الماعز او الابقار وعدم ايجاده ,فكان صاحبهُ يقصد الشماس او المُلا وذلك لغرض عقد فم الذئب لكي لا يفترس الحيوان الضائع , فيقوم ذلك الشخص بجلب خيط وعمل بعض المراسيم والقراءات الغامضة وترديد بعض الالفاظ المبهمة التي لا اساس لها منطقيا وعلميا من الصحة انما خزعبلات تمرر على رؤوس المساكين والبسطاء من الناس وهم في احلك الظروف عند فقدان شيء ذو قيمة لديهم, وبعد هذه المراسيم كان ذلك الخيط يقعد عدة عقدات امام ذلك المسكين ,وبعد ان يأخذ اجره ثم يقول لذلك الشخص اذهب ولا تخف فان الذئب لا يستطيع فعل اي شيء لان فمه مربوط بعدة عقدات ,وفي اليوم التالي لو وجد ذلك الحيوان لتباهى ذلك الشخص بقوة مفعول عملهِ , اما ان وجد جلد ذلك الحيوان بعد ان افرغهُ الذئب من اللحم , فيتحجج ذلك الشخص ويضع اللوم على صاحب الحيوان بتاخره في المجيء اليهِ فقد سبقهُ الذئب للحيوان .

وهناك قصة من موروثنا الشعبي تقول كان هناك ذئبا جائعا لمدة طويلة لم يجد شيئا ليأكلهُ واصبح جلدا وعظما كَلدّا وكَرمّي من شدة الجوع , وذات يوم وجد كلبا سمينا كالخروف وفي داخلهِ تمنى مهاجمتهِ والتهامهِ, لكن هيهات ذلك فبهذه الحالة من الجوع والضعف البدني  لا يقدر فعل شيء , لذلك اقترب منهُ بتأني وتكلم معهُ بلطف وحذر مادحا اياه وبقامتهِ الممتلئة!! , الكلب رد اذا اردت  ستكون مثلي , اذا تركت الغابات وحياة البراري ,وان تصاحب الناس وتصبح اليفا ,فسأل الذئب حبيبي اذا اتيت معك ماذا سيكون عَمَلي؟ فرد الكلب لا تفكر انها مسألة سهلة! فقط عملك سيكون مجاملة وملاعبة افراد عائلة صاحبك بالقفز والركض,وبهَز ذنبكَ واخراج لسانُكَ , وتلبية ما يطلبون منك اي ستتقيد بالنظام والتعليمات ولن تحيد عنها, ومن الجانب الاخر مكانك سيكون منظم في الصيف ستنام في الظلال , وفي الشتاء ستكون مكانك  في زاوية معينة من بيت الصاحب , الى جانب اكلك وتمشيتك في اوقات معينة من اليوم , وبسماع الذئب هذه المسالة فرح جدا ووافق ,وذهبا معا الى القرية وخلال الطريق لاحظ الذئب وجود شريط على رقبة الكلب ونتيجة الاحتكاك لا تساقط الشعر على الرقبة فأستفسر الذئب عن ذلك الشريط, رد الكلب انه ليست بشيء, فاصر الذئب معرفة السبب, فقال الكلب انها مكان السلسة , وسيكون عنقك مربوطا بالسلسلة ايضا , فرد الذئب اذا لن اكون حرا كما اريد  فيما بعد ! فرفض الذئب العرض قائلا لا ولن ابيع حريتي ,والحرية في ظل الجوع خير من ملء البطون في ظل العبوية .

شِيَنتّا دكُمّا دكَلوّا وديوّا, اي تخدير فمي والكلب والذئب, وهو ان الذئب يقدر على الكلب ليقتلهُ لكنهُ لا يفعل ذلك خوفا من تخدير اسنانه ُوالتي نصطلح عليها بالسريانية شيًنتّا, وحال عضهِ للكلب فان اسنانهُ ستتخدر ولن يستطيع اكل اي شيء لفترة معينة, وكذلك الكلب لكنه اقل ذكاءا من الذئب ويفعلها , لذلك لا ياكل اي شيء فيضطر صاحبهِ اطعامهِ الحليب حتى يستعيد صحة اسنانهِ , ولا ياكل ايهما الاخر لا الكلب ولا الذئب. .

 ايلّي ديوّا خاطوفا, انهُ مثل الذئب الخاطف يقال للانسان السيء الغدار الذي لاصاحب ولا صديق لهُ.

داروخلّي قَم خا ديوّا دآخلّي,اي نعطيهِ للذئب ليأكلهُ, يقال للولد المشاغب لتخويفهِ  وردعهِ. اي كانت الذئب مصدر الخطر للتهديد.

آلاها يهولّلي رزقّا دديوّا سميّا, الله يعطي رزق الذئب الاعمى . بمعنى ان الله يعين من لا حول له ولا قوة .او آلاها مخدرا ارخِي دسَخلّي بمعنى الله يدير طواحين الجهلاء, وذات مرة كان في احد الكهوف الجبلية ذئبا اعمى كليا, وكان قرب ذلك الكهف راعيا يرعى قطيعهِ  فخرجت عنزة وشردت من القطيع لتذهب الى لقاء حتفها وقصدت ذلك الكهف وعند الذئب فاكلها على الحال, لذلك ساق اهلنا المثل اعلاه..

ان زَديوّا ديوّا من تَلكَا مطارِصوالّي ذا كولِكي , لو خاف الذئب من الثلج لعمل لهُ كوخا, يقال من باب التحدي وعدم وضع اي اعتبار لشخص ما.

ارقلّي من قَم ديوّا زِلّي قَم دبّا,اي هرب من الذئب ليصادف الدب , يقال عندما تحاول سلك مخرجا لمشكلة فتتعقد اكثر وتتحول من سوء الى اسوء.

 بلوشتّي بارايلّي اينّا من كَاوايي ديوّالي  خاطوفا, اي من لباسهِ يبدو كالحِمل ومن داخلهِ ذئب خاطف . يقال للذين يتظاهرون بالطيبة وهم اشرار من الداخل.

كُل خيواثا اخلّي بسرا اينا شمّا دديوّا ايلّي بليطا, كل الحيوانات تقتات على اللحم لكن اسم الذئب شائع بينها . يقال حين اتهام شخص سييء ما من بين مجموعة اشخاص .

ديوّا ايمَن دسَانِق داخِر دَينّهِ, عندما يحتاج الذئب يتذكر دينهُ ,اي عندما يفلس احد الاشخاص ماديا , فانهُ يرجع الدفاتر القديمة ويتذكر ديونهِ لهُ على الناس .

ديوّا مَنشي  وازا مَدخرّا, الذئب ينسى والعنزة لا تذكر, وذات مرة كان الذئب يشرب الماء من راس احد  الينابيع بينما كانت العنزة تشرب الماء من ساقية نفس الينبوع ,فقال لها الذئب "لا تجعلي الماء عكرا لاشرب منها ",فردت العنزة وكيف ذلك وانت تشرب من راس الينبوع والماء يجري من عندك ليصل عندي!!! , فكان يسوق حجج  واهية ليصل اليها ويلتهمها.

كَاو كُمّا دديوّا ولاّ كَاو كُما دناشّي ,في فم الذئب ولا في فم الناس , اي تفضيل افتراسة الذئب على فم الناس حين يتكلمون عن شخص ما.قالا دآلاها ولا قالا دعَلمّا اي صوت الله ولا صوت الناس, اي الله يذكر الانسان بالبركة وما الى ذلك, اما الناس فانهم يلوكَون جلدهِ لَيسي كَلدّو.يحكون عنهُ بالشر, والله يستر مَنْ يقع في فم الناس  .

هذه كانت احدى صفحات موروثنا الشعبي الزاخر والاصيل راجيا الرب ان اكون موفقا في توثيقها وتقديمها لمحبيها من القراء الكرام .