لماذا يتخوف شعبنا على مستقبله في حالة استلام التيار الاسلامي السلطة في اقليم كوردستان ؟

 

                     

                                                                  

                                                                 انطوان دنخا الصنا

                                                  

            اصبحت عيون بعض ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري المسيحي في اقليم كوردستان هذه الايام ومعهم بعض الاقليات الاخرى بعد احداث الشغب الاخيرة التي شهدها الاقليم واستهدفتهم ترنو وشاخصة على ابواب السفارات والقنصليات الاجنبية سعيا وراء الهجرة خارج الوطن بخفى حنين وهم غير راغبون بذلك الا اضطرارا او تحسبا وقلوبهم تعتصر الما وتنزف دما على ارض الاباء والاجداد حيث عبر العديد من ابناء شعبنا في الاقليم ناهيك عن مناطق العراق الاخرى عن مخاوفهم وتوجسهم على مصيرهم ومستقبلهم المجهول في الاقليم خاصة بعد تسلق الاصوليون الاسلاميون على المجالس النيابية في الانتخابات الديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع التي لا غبار عليها في حراك الربيع العربي الشعبي في (تونس ومصر وليبيا) ويمكن غدا في (اليمن وسوريا) وغيرها وكذلك فاز الاسلاميون الاصوليون بالاغلبية في المجالس البرلمانية في بلدان عربية لم تحصل فيها حراك الربيع العربي الشعبي مثل (الاردن والمغرب) ...

انه المد الاسلامي الاصولي الجديد حيث بدأت مؤشراته وملامحه تقترب بشكل واضح الى حدود وداخل تجربة اقليم كوردستان الفتية خاصة بعد اتهام حزب الاتحاد الاسلامي الكوردستاني بالمسؤولية فعليا عن احداث الشغب الاخيرة التي حصلت في المدن (زاخو وسميل ومركز محافظة دهوك والعمادية وباميان وكلر والسليمانية) (للاطلاع الرابط الاول ادناه) ان هذه المتغيرات والتطورات السياسية الاصولية في المنطقة العربية من الصعب التكهن بمستقبلها وما الذي سيحصل وحسب تقديري الشخصي ستشهد الساحة السياسية الاسلامية في البلدان المشار اليها اعلاه صراعا محتدما وقويا بين الاخوان المسلمين والسلفين والجهادين والقاعدة والمسلمين العلمانين والشيعة المتشددين حول دور الاسلام في الحياة السياسية والاقتصادية والدستورية وحقوق غير المسلمون الا انه من المؤكد سيكون هناك عائقا حقيقيا امام العلمنة والحداثة والتطور والعولمة واقرار حقوق المختلف معهم دينيا او قوميا ...

ان التيار الديمقراطي والمدني والعلماني والقومي واليساري من المسلمين انفسهم اضافة للمكونات القومية والدينية غير المسلمة في الوطن العربي يقلقهم صعود التيارات الاسلامية الاصولية في الانتخابات الديمقراطية المشار اليها اعلاه ويعتبرونه تحديا لهم خاصة ان الاصوليون الاسلاميون غير مؤمنون اصلا بالديمقراطية ومبادئها والتداول السلمي للسلطة رغم انهم يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة وحقوق الاقليات لاسباب تكتيكيا واداة مرحليا لكن من دون قناعة مبدئية بها او العمل لتنفيذها لتقاطعها اصلا مع عقيدتهم وفكرهم الاصولي لكن الهدف منها حتى يبعثون بأشارات ايجابية لطمأنة وتخدير غير المسلمون والمجتمع الدولي لحين استمكانهم وغرس وتقوية جذورهم في الارض سيكون لها كلام اخر ...

اما اسباب تعاظم المد الاصولي الاسلامي في بعض الدول العربية ومنهم اقليم كوردستان حسب رأي بسبب الدعم المالي غير المحدود والدسم المقدم من قبل بعض دول الخليج وبعض الدول الاقليمية للقيادات السياسية للتيارات الاسلامية الاصولية التي يسيل لعابها له بهدف تحفيزهم على بناء دور الجوامع والمساجد ومقرات لاحزابهم وتفعيل وتطوير وسائل اعلامهم وتشجيع وحث المواطنين الى ارتياد الجوامع والحسينيات والمساجد والتجمعات الدينية لممارسة نشاطهم الديني حيث استطاعت هذه الاحزاب الاصولية من كسب بعضهم وتجنيدهم تنظيميا او فكريا واعلاميا لصالح برامجهم واهدافهم ...

وكذلك بسبب انحسار وانكماش التيارات الديمقراطية واليسارية والعلمانية والقومية العربية بعد فشل التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية وكذلك فشل تجارب القومية العربية في العراق ومصر وسوريا وليبيا وكذلك لغياب الديمقراطية واستشراء الفساد المالي والاداري وضعف الخدمات وتدني المستوى المعيشي في بعض الدول العربية واقليم كوردستان وعدم ضمان الحقوق المشروعة كاملة للمكونات غير المسلمة وغيرها من الاسباب استطاعت التيارات الاصولية الاسلامية التغلغل بين الجماهير كعقيدة دينية اضافة الى استثمار اخطاء وسلبيات ونواقص بعض هذه الانظمة لتحشيد الجماهير ضدها كما حصل في احداث الشغب في اقليم كوردستان مؤخرا بسبب التحريض والتقصير والتواطىء ...

هناك الكثير من الكلام عن الاسلام الاصولي المعتدل والمرن في الدول العربية التي حصل فيها التغير حسب رأي ان مثل هذا الكلام لا يصح الا عند اقرار دستور مدني غير اسلامي او مسيحي من قبل ما يسمى التيار الاسلامي الاصولي المعتدل يضمن حقوق غير المسلمون اولا وحقوق الانسان واحترام الحريات وحقوق المواطنة والمرأة والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة وغيرها ثانيا لكل المواطنين دون تفرقة او تميز على اساس ديني او قومي ومن ثم تنفيذ ما تقدم على ارض الواقع فعليا عند ذلك يمكن الحديث عن الاسلام الاصولي المعتدل في كل الاحوال من خلال استقراء تجربة السودان ابان عهد الرئيس جعفر النميري في تطبيق الشريعة الاسلامية واليوم في ايران نجد ان نتائج التطبيق كانت تضيق الخناق على حقوق وحريات المكونات غير المسلمة مما ادى الى استقلال جنوب السودان بعد حرب لاكثر من عشرون سنة (للاطلاع الرابط الرابع ادناه) وهجرة اغلب ابناء الاقليات غير المسلمة خارج ايران ما يفسر ذلك ؟ الجواب التيارات الاصولية الاسلامية سواء كانت معتدلة او متشددة لا يمكن ان تبني دولة حديثة بمفهومها المدني والديمقراطي والعلماني الحديث بما يتناغم مع روح ومتطلبات العصر لتناقض ذلك مع عقيدتها وفكرها ...

اليوم كثير من التيارات الاسلامية التي فازت بالاغلبية البرلمانية في الدول العربية المشار اليه اعلاه ترفع شعار الاسلام هو الحل لبناء مجتمعات اسلامية راسخة بأمتياز للتغير والقوة والاستمرار من خلال الرجوع الى الينابيع الاولى للتاريخ والتراث دون فصل الدين عن الدولة ودون الاكتراث لحقوق المكونات غير المسلمة وكأن وجودهم مؤقت وانهم ضيوف في اوطانهم وليسوا مواطنون في هذه الدول ولهم حقوق المواطنة وقسم منهم يعتبر تجربة حزب العدالة والتنمية التركي الاسلامي نموذجا ومثالا للاقتداء به خاصة بسبب تقبل اغلب الشعب التركي لمنهجه وبرامجه وقناعة اغلب العالم العربي والمجتمع الدولي بتجربتهم رغم وجود العديد من التحفظات عليها خاصة موقفهم العنصري من الحقوق القومية والوطنية للكور الاتراك ومن بقية المكونات القومية والدينية الصغيرة ومنها شعبنا ...

للاسباب اعلاه فأن خوف ابناء شعبنا على مصيرهم ومستقبلهم وحقوقهم المشروعة في اقليم كوردستان له ما يبرره وهم على حق فالمتغيرات السياسية التي اوصلت التيارات الاسلامية الاصولية بشكل ديمقراطي الى مواقع المسؤولية القيادية وصنع القرار في الدول العربية المشار اليها اعلاه ممكن ان تحصل في الاقليم مستقبلا حيث في هذه الايام المعارضة الديمقراطية في الاقليم تتحدى حكومة اقليم كوردستان بشكل مكشوف وثقة عالية بالنفس وبطريقة غير مقبولة ديمقراطيا لذلك لا بد من التوقف عند هذه المؤشرات والدلائل والوقائع ودراستها بتمحيص وعناية لان نتائجها القريبة او البعيدة لها تأثير مباشر على حياة ومصير ومستقبل وحقوق شعبنا حيث تعتبر هذه التطورات ليست بالامر الهين وليست في صالح شعبنا اطلاقا ومستقبلهم ينذر بالمخاطر والمجهول ...

خاصة ان شعبنا منذ اكثر من اربعون سنة في وطنهم يعيشون على هاجس الخوف والقلق وتم تهجير اكثر من 50% منهم خارج العراق ولم يبقى منهم الا 400 الف شخص ومنذ احتجاجات محافظة السليمانية التي قادتها حركة كوران التغير المعارضة (للاطلاع الرابط الثالث ادناه) تثار وتطرح العديد من التساءلات والاستفسارات المشروعة حول مستقبل وحقوق شعبنا  المشروعة في الاقليم وتعمقت اكثر بعد احداث الشغب الاخيرة خاصة اذا افترضنا جدلا استلام الاصوليون الاسلاميون او المعارضة السلطة مستقبلا في الاقليم عن طريق الانتخابات الديمقراطية ماذا سيكون مصير ومستقبل وحقوق شعبنا في الاقليم في ظل تنامي التيارات الاسلامية الاصولية التي لا تؤمن بالمختلف معهم دينيا او قوميا ؟ الجواب نتركه للحكماء والعقلاء من قادتنا السياسيين والدينين ...

وعلى هذا الاساس اقول للاخوة المسؤولين الرسميين والحزبين في اقليم كوردستان حان الوقت للاستجابة لحقوق شعبنا المشروعة كاملة دون انتقاص بشكل صريح وبقناعة تامة وبدون تردد او خجل او تباطىء او تسويف كما كان يحصل في السابق اولا دستوريا وثانيا فعليا على الارض وبالتنسيق مع قيادة تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الاشورية في الوطن وكذلك المطلوب معالجة السلبيات والنواقص والاخطاء في تجربة الاقليم الفتية بكل شجاعة وشفافية لتفويت الفرصة على المتصيدين والمتربصين بها من داخل الاقليم وخارجه (للاطلاع على السلبيات والنواقص في تجربة الاقليم الرابطين الاول والثاني ادناه) ان مثل هذا الاجراءات والمعالجات السريعة والجادة تخفف من القلق المتنامي لدى ابناء شعبنا في الاقليم وتعطي له اشارات ايجابية ومهمة وبعكسه فأن مصير ومستقبل شعبنا صعب ومعقد وينذر بالمخاطر ...