"كلماتٌ نتعثّر بها"

(النميمة)

 

                                                                مارتن بَنّي

                                                          

 

       تجارب كثيرة يمرّ بها الإنسان، واختبارات عديدة تُلاحق أوصاله وتتعقّب أعقابه. وهالات سوداء تحيط برأسه، تزيح عرش الهالات المضيئة التي تجعله يبدو كقمرٍ يُضيء سماءنا كلّ ليل. ما نريده من هذا هو ان يكون الإنسان كما عهدناه صادقاً، وطموحاً، وشفّافاً، وقبل كل شيء أن يكون إنساناً، يعرف قيمة العيش والوجود ويقدّرها. وليس متشائماً، أو مفترياً، أو كاذباً، وغيرها من الصفات التي أضحت تسيطر علينا بسبب الأزمات والظروف التي تعصف بنا من حين الى آخر.

الكثير من الصفات يتمتع بها الانسان، منها الايجابية ومنها السلبية، ولكن المشكلة تكون حينما تسيطر الصفات السلبية على الايجابية، فيضحى ذا وجه مغاير لما تعكسه لنا صورته الصادقة والواضحة. فالعديد من الصفات السيئة طغت على الحسنة، ولوّنتها باللون الأسود، منتزعة منها رداءها الأبيض الشفّاف، وباعثة فيها نسمة الهواء المحمّل بالغبار، ومن هذه الصفات "النميمة". النميمة كما نعرفها، هي: صفة تُطلق على من يسعى لإيقاع فتنة بإشاعة أخبار كاذبة. أو بعبارةٍ أخرى هي نقل الكلام بين طرفين لغرض الإفساد. والذي يقوم بها شخصٌ يسمى "النمّام"؛ وصفاته كثيرة، فهو إنسان ذو وجهين يقابل كل من يعاملهم بوجه؛ وهو يتلوّن كل يوم بصبغة جديدة تُضفي عليه طابعاً أخّاذاً، تجعله يجتذب من حوله بالكلام المعسول الممزوج بالكذب. هو شخص عديم الاحترام والضمير أيضاً،تشتعل في قلبه نار الحقد، والبغض، والافتراء، والحسد، والغيرة.وللنميمة أسباب عديدة تجعل ذا النفس الدنيئة يقوم بها، وهي كثيرة جداً ولا يتحلّى بها إلا من كان متقناً لهذه المهنة، ومنها، ما يوجد في النفس من غل وحسد، والرغبة في مسايرة الجلساء والتقرّب إليهم، وإرادة إيقاع السوء على من ينمّ عليه، وإرادة التصنّع ومعرفة الأسرار والتفرّس في احوال الناس فينم عن فلان وفلان ويهتك ستر فلان. أما عن النميمة في مجتمعاتنا، فقد أمسى الناس فيها لا يقومون ولا يقعدون إلا وفي أفواههم حب إطلاق الاشاعات، والرغبة في الايقاع بين من هم حولهم، ورؤيتهم يكرهون ويمقتون بعضهم بعض. ولنأخذ مثلاً بسيطاً عن النميمة يخصّ مجتمعنا بشكلٍ كبير ألا وهو المشاكل التي تحدث بين الجيران بسبب كلمة بسيطة أُطلقت من دون قصد، فجأة ما نقُلت بصورة أخرى مضخِّمة ومشوِّهة للمعنى، فتتحوّل الكلمة الى قضية تستوجب شهوداً وحاكماً ومحامياً، ولا يتعدّى ذلك سوى مزاح أو حديث عابر لا يمتلك صاحبه فيه ناقة ولا جمل. ونتناول مثلاً آخر أيضاً نوضّح فيهما تسبّبه النميمة من خراب لبيوت الكثيرين، ومن ذلك دخول طرف ثالث بين سوء فهم وقع بين اثنين، فتراه يحشد أحدهما ضدّ الآخر ويُضخّم الاحداث الى حدٍّ غير معقول، كل هذا والمشكلة لا تتجاوز سوى دلو صغير وقع في بيت أحد الطرفين، وبسبب الطرف الثالث يتّهم كل منهما الآخر بقصد خلق المشكلة، فتحدث مناقشات حادة وربما تصل الى تشابك الأيادي والى الضرب والسجن، وغيرها من الامور السيئة التي تخلق فينا الروح الشريرة التي توعز لنا بزرع الفتنة بين ابناء البشرية. فيا أيّها النمّام هل تشعر أنتَ بالمصيبة التي توقع الناس بها، والتي تجعلهم يتفرّقون ويبتعدون عمن يحبونه ويحبهم. وهل تعرف حجم الخطيئة التي تقترفها وأنتَ تبتهج بفعلها، أم أنّك تتجاهلها؟ النميمة ظاهرة خطيرة، يجب توخّي الحذر منها ومن غيرها من السلبيات. إنها لا تنفعك بشيء أيها الانسان، فأنت قد خُلقت لزرع المحبة، وليس لبث الفتنة. وبما أنه أنت على صورة الله ومثاله، فحاول أن تجعل أفعالك كأفعاله، متذكّراً قول ربّنا يسوع المسيح: "أحبُّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا الى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطر على الأبرار والظالمين" (متى 5 / 44 – 46).