هل غريب على القوش ما يقدمه أبناؤها 

 

                             

             

                                   

                                             

                                         

                                                  شوكت توسا 

  

   ألهــَوان واليأس يأتيان في مقدمة أسباب ضعف الإنسان وجمود عطائه, وكونهما يؤديان الى عقم فكره ونكوصه يصبح التنصل عن ابسط  حقوقه الخاصه و نسيان تاريخه وموروثاته نتاج طبيعي محسوم , في حين  يفترض بمثل هذه الخصوصيات  ان يتسم بها كل إنسان يعتزبموروثه وبانتمائه لأرضه ويحس بعمق جذوره .

أما حينما نتكلم عن عزة الانسان بنفسه وحبه لأرضه وافتخاره بها فالمقصود في كلامنا ليس  تلك النشوة  التي تتولد عن فعالية إمتلاكه عقارا يـُدخله ضمن حسابات ربح البيع او إقتناء حاجه ثمينه ثم تزول في بيعها لقاء ثمن, ولا هو بشعور تقليدي متناقل  يتوارثه الانسان كي نطالبه بتقديم دليل تعلقه او ننتقده في حال إكتفى بالتغني به فقط ,انما حب الأرض هو خلاصة علاقه  ثنائيه حميمه تتوطد أواصرها من خلال العطاء المتبادل بينهما (الارض والانسان) .

  و لو اردنا الاسترشاد الى دلائل ملموسه لهذه العلاقه المتجدده و بحثنا عن دوافع إستمرارية الانسان واستعداديته في التضحيه من اجل ارضه وجذوره , ليس امامنا نموذجا أفضل من صورة أجيال عاشت وتعاقبت لمئات لابل لآلاف السنين على أرض بلدة ٍ إسمها ألقوش (آيــل  قوشتي ) تناوبت عليها شتى اصناف المحن,بحيث يجد الباحث نفسه امام مسيرة  تاريخيه عنيده حفلت أسفارها بازمات وشدائد صمد امامها مَن صمد من ابنائها و ادت باخرين الى الهجره القسريه وأمنية العوده المستديمه ما زالت تهتز في كيانهم ,غيرأن الملفت في تاريخ هذه السلاله الألقوشيه هو ان اليأس والخنوع لم يلقيا لهما مكانا في عقول أهاليها  ونخبها الذين تربوا في  طبيعتها الجبليه /السهليه وشربوا من مياه عيونها و ابارها النقيه وأكلوا من زاد مزارعها محصول عرق جبينهم .

رغم كل ما حيك ويحاك ضد هذه البلده, جيل بعد جيل وعظمة هذه البلدة  تتجدد بأعين الغرباء قبل أبنائها,و بفضل تفاعل اهلها مع حقيقة فهمهم لتاريخ بلدتهم المشرف وعطاءاتها السخيه وما انجبته من رجال عظام تحدوا المنيات وقارعوا الطغيان , تتجلى شخصية هذه البقعه وإنسانها بوضوح وباستمرار  في علمائها  ومفكريها  ومناضليها الذين منهم من قضى شهيدا نـُقشت على احجار أضرحتهم قصصا تخبر الانسانية عن صنفٍ  إلتزم بإنسانيته وعشق أرض آبائه وأجداده لحد الثماله بحيث لم يرى سعادته  الا في إقتداء أسلافه الغيارى فيما قدموه من جهد وتضحيات  ثمنا لعشقهم المستمرللأرض والحريه وتحديهم العالي للاستغلال والديكتاتوريه.

أليوم,  تمر قرابةعشرسنوات, و العراق  تحكمه عقول يؤسفنا القول بانها مخيبه في كل تفاصيل فعاليات كبارهم وصغارهم الذين  لم ينجبوا لنا سوى فوضى عارمه بات من الصعب التعويل على رجالاتها  في تلبية طموحات الانسان العراقي في عموم البلاد كون هذه الحكومات ومؤسساتها إن كان لها وجود عملي فمفاصلها  محكومه بعقلية دينيه/قوميه/ مذهبيه  متخلفه  غيــّبت عن أذهانهم معنى المواطنه و أحقية المواطن المحب لأرضه وتاريخه والمعتز بموروث آبائه وأجداده ,وبسبب هذه العقليه المتخلفه أصبحت البلدة (القوش) حالها حال بقية بلداتنا الأخرى  تفتقر الى  أبسط مقومات التطوير من امكانات ميكانيكيه ومالية  لتطويرها كما يستوجب  كي تبدو بمظهر يليق بتاريخها وبنضالات أبنائها عبر القرون .

أثناء متابعتي لنشاط الفريق الشبابي (يد بيد من اجل القوش) الذي تم تشكيله مؤخرا في القوش , شاهدت صورا ملفته لشباب وشابات منهمكون في تجميل وتنظيف بلدتهم , فجأة عادت بي الذاكره الى  عام 1991(الانتفاضه) يوم هرب مسؤولو القوش الحكوميون والحزبيون وبقيت البلدة من دون سلطه او اي دائرة  تدير الامور او تقدم الخدمات,لكن امور البلدة سارت  بجهد الغيارى من ابنائها  وعقلائها  الذين أشاهدهم اليوم بروحية الشباب  والشيب قد غزا رؤوسهم  وهم يشرفون على هذه الفعاليه  الشبابيه الطوعيه الجميله (يد بيد) , إنها بحق لقطات تبعث الامل والغبطة في النفوس , نعم  ليس بامر غريب او جديد على بلدة كألقوش فقد إعتادت بلدتنا العزيزه  على هكذا  ابداعات وجهود طوعيه على ايادي أبنائها التي تجسدت مؤخرا في تشكيل مجموعه شبابيه نفذ صبرها أزاء الاهمال الذي تلقاه البدلة من قبل المسؤولين, لذا أخذت على عاتقها  قيادة حملة تجميل مظهر هذه البلدة  , فبادروا بتشكيل فريق  شبابي من بنين وبنات البلدة وباشراف ذوي الخبره ليقدموا لبلدتهم خدمة دون مراسيم كتابنا وكتابكم  وحزبنا وحزبكم  ومن دون ابرام عقود شركات ولا طلب تخصيص اموال حكوميه او تسييس اموالا اخرى بحجة تقديم الخدمه .

إن كان لما يقدمه شبيبة القوش من دلالات و اشارات, فهم يعرضون امامنا شعورهم العالي  بمسؤوليتهم تجاه اهاليهم وأهمية إظهار شكل بلدتهم بجماليه وتنظيم تستحقه رغم صعوبة الظرف وتنصل السلطات وانشغالها بامور اخرى, عمل جبار كهذا يحتم علينا نحن المغتربون  تنظيم ذواتنا في تشكيل هيئات ولجان واجبها دعم مثل هذه العمليه وامدادها بما يستوجب معنويا وماديا من اجل استمرارها , انها دعوة لكل الخيرين كي يثبتوا ارتباطهم بجذورهم ومحبتهم لارضهم وتاريخهم.

نعم الأرض كي تحترمها و تحافظ على هويتها التاريخيه تحتاج الى عقول  نيره ومرنه  لا تقيدها أيديولوجيات ولا تهمشها كوابح  يصنعها المعطلون فكريا ,بل  الأرض بحاجه الى ما يشد أواصر علاقة المتواجدين فوقها وتحثهم  نحو الثوابت التي تشكل حافزا قويا لحالة الابداع في مختلف شؤون الحياة , هكذا تظل الارض مع الانسان حاله متحده لا تنتهي الا بانتهاء الانسان والارض معا , ولو زال أحدهما لا سامح الله فهو نذير شؤم لنهاية  الآخر.

القوش  واهلها  من وراء القصد