الحركة الديمقراطية الآشورية ومفهوم القيادة الجماعية

( 1 ـ 2)

 

                                                                                                                

 

 

                                                   

 

                                                                             

                                                                                                          يعقوب كوركيس

          نشر الكاتب المعروف ابرم شبيرا مقالا في الذكرى الـ 33 لتاسيس الحركة الديمقراطية الآشورية تحت عنوان (( نظرة في القيادة الجماعية لزوعا )، انا في كل الاحوال أكن الكثير من التقدير للكاتب شبيرا ولكتاباته وأفكاره وتحليلاته التي أصابت الحقيقة في مواضيع مختلفة، ولكن قد نختلف في بعض الافكار والتحليلات التي دأب مؤخراً في الكتابة عنها، على سبيل المثال رفضه تسنم قيادات في أحزاب شعبنا لمواقع ومناصب حكومية، ولكن ما يهمنا أكثر ما كتبه في مقاله الأخير عن القيادة الجماعية في زوعا والتي وردت فيها مجموعة من المغالطات والتناقضات التي وقع فيهما الكاتب بدراية أو بغيرها.

من المعروف إن قيادات الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا وإعلامها لم يردوا على الكم الكبير من الكتابات التي أستهدفتها بالباطل خلال مسيرتها النضالية، لا لعدم القدرة على ذلك، بل لكون أصحاب تلك الكتابات معروفي الغايات والأنتماءات والخلفيات، وهم بالتالي كانوا بلا مصداقية وكتاباتهم ذهبت هباءا منثورا، ولا تخفي الحقيقة عن الكاتب الموقر وجموع القراء الكرام، إن أستهداف الحركة ونهجها وقياداتها لم تكن في بعض مراحلها عملية آنية فردية، بل كانت في الكثير من الأحيان عملية منسقة جير لها العديد من كتاب الأنترنيت وخصص لها المال ولأبطالها المكافات والمغريات ووعدوا بالمواقع، ولأكمال المخطط أنشأت أحزاب منافسة دعمت مادياً وسياسياً، رافقها إقصاء سياسي بقرار أصحاب السلطة، أي إن كل ما يصنع بالمال صنع، والهدف كان العزل الجماهيري للحركة ـ زوعا، وهذه ليست معلومات مؤكدة فقط بل كلام قيل في اجتماعات رسمية من قبل قيادات سياسية كوردية كبيرة، لكن الجماهير بقيت أمينة لمبادئها التي تحملها الحركة ولمصداقيتها الراسخة المقرونة بالتضحيات والتواصل النضالي في كل المراحل واصعب الظروف، فالجماهير لا يمكن أن تصنع، وبوصلتها لا يمكن تغييرها بقرار. سقت هذا الكلام للتوضيح باننا نترفع عن الرد على أولائك الذين لا يحملون أي مصداقية ويرمون الحركة بالباطل، ومناقشتي لـ شبيرا وبعض ما ورد في مقاله حول القيادة الجماعية تأتي لمعرفتي بالكاتب وإيمانه بقضية شعبه ومصداقيته في الطرح ولتجرد كتاباته من النية والغايات السيئة.

ـ في توطئة شبيرا

ورد في توطئة مقال الكاتب (.. من حق أعضاء زوعا والمؤيدين لها أن يكتبوا ويحاضروا عن إنجازاتها الكبيرة التي حققتها طيلة العقود الثلاثة والثلاثون الماضية وقد يتجاوزون في بعض الأحيان هذا الحدود ليصل إلى المديح والمجاملة المفرطة وهو الأمر الذي يضر زوعا أكثر مما يفيدها .. ) أتفق مع الكاتب إن المديح والمجاملة تضران ولا تفيدان سواء الاشخاص أو المؤسسات والأحزاب، ولكن متى مدحت الحركة نفسها وأي من أعضاء الحركة جامل ومدح وتجاوز الواقع والحقيقة..؟ من المعروف عن الحركة وأعضائها إنهم أقل من يتحدثون عن منجزاتهم وقيل الحركة تعمل ولا تتحدث، ولو عملنا جردا لما قدمته وسائل أعلام الحركة خلال العقدين الماضيين لرأينا إن اقل من ( 5 ) من المادة الأعلامية تحدثت عن الحركة كدعاية سياسية حزبية، وهذا ليس قصورا بل سعياً لصناعة إعلام قومي رصين يدافع عن قضية شعبنا ويصل بالرسالة الإعلامية إلى المتلقي في عموم الوطن. ويقول الكاتب في مكان آخر من التوطئة (.. ولكن نادراً ما نرى أي واحد منهم " أعضاء زوعا " يكتب بموضوعية عن واقع زوعا ويقيم تجربتها الطويلة في النضال الوطني والقومي مبيناً ليس إيجابياتها فحسب بل أيضا  سلبياتها وعثراتها وتقيمها..) خلال العقدين الماضيين من أنتمائي إلى صفوف الحركة لم اتلمس كاتباً من أعضاء الحركة جافا الموضوعية والحقيقة في كتاباته سواء تلك المنشورة في اعلام الحركة أو في المواقع الآخرى، وأستخدام مفردة " نادراً "  لوصف الحالة هو غبن كبير بحق من كتب عن الحركة من أعضائها، ويا حبذا لو أتى الكاتب بنماذج من المواضيع والمقالات غير الموضوعية التي تبدو كثيرة في رأيه بعكس النوادر من الكتابات الموضوعية. أما الكتابه عن السلبيات والعثرات وتقيمها في وسائل الأعلام من قبل أعضاء الحركة فهي عملية مرفوضة ليس في الحركة فقط بل في كل الأحزاب الرصينة التي تعمل وفق مبادئ واسس تنظيمية واضحة، فعملية تقيم السياسات والمواقف والتوجهات الحزبية لا تتم عبر وسائل الإعلام من قبل أعضاء الأحزاب، بل في المؤتمرات والمحطات التنظيمية الشرعية، هناك تتم عملية النقد والتقييم وتأشير الإيجابيات وتعزيزها وحصر السلبيات وتجاوزها، إن المظلة التنظيمية التي تحتوي مجمل الفعل التنظيمي الحزبي، تمنح أصغر الأعضاء درجة حزبية حق التحرك وإبداء الرأي والمناقشة والأعتراض وفقاً للاصول التنظيمية، وعلى هذا الأساس فإن الحياة النضالية الداخلية للحركة حياة ديناميكية فيها حيوية كبيرة، لكون أعضاء الحركة في مختلف المناطق يتعاملون يومياً مع كم كبير من المتغيرات الذاتية والموضوعية، السياسية والحزبية، الجماهيرية والأجتماعية، خصوصاً في ظل الظروف السياسية التي عشناها ونعيشها في العراق، وهم في مواقع تحتم عليهم تحمل المسؤولية واتخاذ القرار كل هيئة حسب مستواها التنظيمي، وهذه الحالة مستمرة يومياً تتخللها أجتماعات وأراء قد تتناقض أحياناً وصولاً إلى أتخاذ القرار المناسب وفق مفهوم القيادة الجماعية والمسؤولية التضامنية، لذا فدعوة أعضاء الحركة إلى أنتقاد وتقييم سياساتها ومواقفها في وسائل الإعلام دعوة تناقض أبسط مفاهيم العمل التنظيمي التي أنا على ثقة إن الكاتب ملم بها. وبالتالي فإن عملية تقييم العمل السياسي والمواقف الحزبية للحركة ـ زوعا نا  أ انأو لغيرها في المنابر العامة تقع بالدرجة الأساس على عاتق الكتاب والمثقفين السياسيين الموضوعيين وأصحاب المصداقية من امثال الكاتب الكبير شبيرا وهو ما يؤكده في توطئته قائلاً (..وعندما نكتب عن زوعا ونحن غير مرتبطين بها تنظيماً ننظر إليها من الخارج ونستطيع معرفة سلبياتها ومن ثم بيانها وتقيمها أكثر ممن هم في الداخل. فالإلتزام الحزبي والتنظيمي لا يعيق مهمتنا هذه لأننا غير ملتزمين به كما يلتزم به أعضاء زوعا ..) وهي الحالة الصحية التي يجب أن تكون أساس لأي كتابة ترمي إلى تقييم حالة معينة، هذه الحقيقة تؤشر لشبيرا كونه يكتب منتقداً ومقيماً بحرية لحله من الأرتباط الحزبي التنظيمي الذي يضع العضو تحت مسؤولية الألتزام بالأسس والمبادئ التنظيمية.

ـ كيف نفهم تطور زوعا

التنظيمات السياسية كائنات عضوية تؤثر وتتاثر بالمحيط السياسي والأجتماعي، القومي والوطني، والحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا لا تشذ عن هذه القاعدة، فقد أثرت الحركة على الواقع القومي لشعبنا، وأنتجت عبر مسيرتها النضالية وتضحياتها حراكا قومياً إيجابياً نقل قضية شعبنا من المفهوم الديني على الصعيد الوطني إلى المفهوم السياسي، كقضية عادلة لشعب مضطهد، وأثرت أجتماعياً في شعبنا بحيث أعادت الأعتزاز بالذات وقوة الشعور بالأنتماء القومي، ففي تحقيق صحفي لجريدة بهرا أجريته أواسط التسعينيات القرن الماضي عن أسماء المواليد الجدد بعد 1991 في محافظة دهوك ـ نوهدرا مستعيناً بسجلات العماذ في الكنائس ودوائر النفوس، أظهر التحقيق إن أكثر من 70 بالمئة من المواليد الجدد سميت بأسماء قومية أو مشتقة من مفردات لغوية سريانية، هذه حالة بسيطة إذ ما قورنت بمجالات أخرى عن تأثير الحركة في المحيط القومي لشعبنا من التعليم السرياني والمنجزات القومية والسياسية الكثيرة. وكذلك تأثرت الحركة بالواقع القومي لشعبنا وخصوصاً موضوع التسميات والأنقسام الطائفي الذي أستنزف الكثير من الجهود والقوة كانت ستأتي بنتائج افضل لو كانت قد وظفت في أماكن آخرى. والحالة صحيحة أيضاً على الصعيد الوطني فقد تاثرت الحركة بالواقع القائم في العملية السياسية الوطنية من صراع على المكاسب والأستحواذ على السلطة والفساد وغيرها، ما أدى بالقوى الكبيرة إلى تهميش ومحاولة مصادرة إرادة وخيارات القوى الممثلة لمكونات قومية صغيرة وأصيلة والتجاوز على حقوقها التاريخية، وللتصدي لهذه الحالات أستوجب إرادة قوية وإيمان لا يلين بنهج وفكر الحركة ورصانة تنظيمية وقيادة جماعية. وأتفق مع ما ذهب إليه الكاتب في متن المقال حول كيف نفهم تطور الحركة، من قراءة وتحليل.

ـ في مفهوم القيادة الجماعية للحركة

بدأ الكاتب فقرته الأخيرة من المقال بعنوان رئيسي " كيف نخلق القيادة الجماعية " ما يوحي للقارئ بكون الحركة لا تعمل وفق مفهوم القيادة الجماعية، ويضيف الكاتب (لعل من أكثر الحالات إساءة أو غموضاً للفهم في مجتمعنا هي ظاهرة احتكار القيادة العليا من قبل شخص في معظم تنظيماتنا القومية والسياسية تقريباً، أو في أحس الأحوال عدد قليل جداً من الأفراد ) بالتأكيد هذه الحالة مرفوضة وهي تدل على إن هذه التنظيمات ليست بتنظيمات حقيقية بل تجمع من نوع ما مسجل بأسم قائده، ومكرس لتحقيق رغبات شخصية ونفسية، وتحليلها يحتاج إلى أطباء في علم النفس، فكرهك لهذه الحالة لا يوازي مقتنا وكرهنا لها، لأننا نعيش يومياً مخاضاً سياسيا ونتعامل مع معطيات جديدة وللتصدي لهذه الأستحقاقات نحتاج إلى ديناميكة وتفاعل إيجابي فيما بيننا كقيادة جماعية، وأفتقادنا لهذه الجماعية كانت ستؤدي بالحركة إلى الأنكفاء والأنكماش وفي الأخير الزوال. لذا فإن حالة الأحتكار أعلاه لا تقوم على الأسس والمبادئ  التنظيمية وليس لها نهج وفكر واضحين، وعملها لا يقترن بالسعي لتحقيق أهداف يؤمن بها، وتفتقد إلى المحطات التنظيمية الشرعية، وبالتأكيد هذه الحالة لا تنطبق على الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا لا من قريب ولا من بعيد.. وعندما تقول (.. فهذه الظاهرة تصلح  كمثال في الحديث عن مسار تطور الحركة السياسية الآشورية. وقد انتقدنا هذه الظاهرة وانتقدها غيرنا لا بل تهجموا عليها ووصفوا المتربعين على قيادة زوعا بالدكتاتورية وحب السيطرة والظهور، وإلى غير ذلك من الوصفات والشتائم.. ) بأي منطق ووفق أي رؤية تحليلية تصلح هذه الظاهرة للحديث عن ( المتربعين ) على قيادة زوعا كما تقول، ولو فتشنا بين هؤلاء ( المتربعين ) كما تصفهم على قيادة زوعا ومن اللذين واكبوا المراحل الأولى والكفاح المسلح والعمل الجماهيري والسياسي بعد انتفاضة 1991 ومرورا بسقوط النظام الدكتاتوري ووصولاً إلى اليوم لن نجد منهم إلا شخص السكرتير العام، وبقية القيادة من الدماء الشابة التي عملت وناضلت طوال العشرين سنة الماضية في مختلف الهيئات والحلقات الحزبية حتى وصلت إلى القيادة في المحطات الشرعية وفي ممارسة ديمقراطية تفتقدها أعرق الأحزاب العراقية اليوم. ونصف أعضاء قيادة الحركة هم من الأشخاص اللذي ألتحقوا بصفوفها بعد سقوط النظام الدكتاتوري، ناضلوا وأجتهدوا وكانوا على أستعداد للتضحية في كل المحطات الماضية، وبالتالي نالوا ثقة رفاقهم في مؤتمرات الحركة وتبؤا شرف تحمل المسؤولية في أعقد وأصعب الظروف السياسية المعروفة للجميع، وفي الجانب الآخر هناك في صفوف الحركة وخارجها ايضاً العشرات من القيادات السابقة التي أدت دورها وقامت بسؤولياتها، وبمقارنة بسيطة تظهر الحقيقة جلية، إن الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا هي التنظيم السياسي الوحيد في صفوف شعبنا التي تضخ في كل مرحلة نضالية دماء جديدة في قياداتها سواء في اللجنة المركزية أو في الهيئات الأدنى، وعبر ممارسة ديمقراطية شفافة من أدنى هيئة إلى أعلى هيئة. إذاً كيف تصلح حالة أحتكار قيادة التنظيمات من قبل شخص أو أشخاص معينين كمثال للحديث عن الحركة..؟ أليس هذا تجنياً واضحاً دون وجه حق..؟ ألا إذا كنت تقصد من الموضوع كله شخص السكرتير العام وتريد تطبيق هذه الحالة وتعميمهاعلى كل الحركة، كون السكرتير العام واكب كل المراحل النضالية وكان عنصراً محورياً فيها، وبالتالي ترى إن هذه الحالة خاطئة وسيئة وغامضة كما سقت في بداية فقرتك، وإذا كان هذا رأيك، فيؤسفني القول بأنك على خطأ، فليس للأحزاب والتنظيمات السياسية مصانع ومعامل حتى تصنع وتنتج قيادات سياسية ورموز نضالية، هذه القيادات والرموز السياسية والقومية تصنعها سوح الكفاح ومعتركات العمل السياسي والتواصل النضالي المقرون بالإيمان والأستعداد للتضحية، والحالة الصحيحة هي ليس الدفع بهذه الرموز إلى خارج الحلقات القيادية من أجل إراحة بال البعض ممن يريدون التغيير من أجل التغيير أو قتل للملل، بل بالمحافظة عليها ودعمها والأستفادة من خبرتها وحنكتها السياسية وتوظيفها من أجل تحقيق الأهداف. وفي المقابل فإن المنافس أو المعادي عندما يريد أستهداف تنظيم معين فإنه لا يستهدف القيادات الوسطى أو تلك الحديثة بالقيادة، إنما يستهدف بصورة مباشرة الرموز القيادية لما تمثله من ثقل تنظيمي وسياسي، والتخلص منها يصيب التنظيم بإرباكات وتخبطات تفقده القدره على الثبات لفترات طويلة. ولا تخفي على أحد حقيقة ما تعرضت له الرموز القيادية في الحركة من أستهداف مباشر في مختلف وسائل الإعلام وغيره، وفي اليقين إن تلك الأستهدافات لم تكن تريد خير الحركة أو من أجل خلق قيادة جماعية بل لغايات معروفة للجميع.

أنتقد شبيرا أحتكار القيادة أو البقاء فيها لفترات طويلة، ثم يأتي ويبرر ذلك عندما يقول (.. أقول هذا ليس دفاعاً عن زوعا وقيادتها وإنما تحليلاً علمياً لهذه الظاهرة ليس من خلال مقارنة تنظيمات مجتمعنا السياسية بغيرها من الأحزاب السياسية في البلدان المتقدمة وحتى مع الأحزاب الأخرى في الوطن من حيث الإمكانيات الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية. فنحن، كما يعرف الجميع، حديثوا العهد في التنظيم السياسي  كما لا نملك أخصائيين أو مستشارين أو كوادر متفرغة بالتمام والكمال لشؤون التنظيم، فالمطلع لحال هذه التنظيمات سوف يرى بأن كل نشاطها وفكرها وتمويلها وتنظيمها يقع على عاتق هؤلاء الذين في قمة القيادة.. ) وهذه الحقيقة ليست مطلقة، صحيح إن الواقع السياسي القومي والوطني ينعكسان بصورة واضحة في أداء أحزاب شعبنا وتنظيماته، وتحديداً تلك التي تنهج منهجا تقسيمياً والمنزوية في شرانق طائفية بالية، أو تلك التي تفتقد إلى المصداقية والقرار المستقل، في حين إن الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا أستطاعت خلال العقود الثلاثة الماضية أن تؤسس لمنهجية تنظيمية تقوم على أساس الديمقراطية المركزية والقيادة الجماعية وأستقلالية القرار السياسي، وساهمت في بناء مؤسسات جماهيرية مدنية ثقافية وشبايبة وطلابية ونسائية ورياضية وخيرية، ترفدها بالدماء الجديدة في مختلف المستويات التنظيمية، يقابل ذلك التواصل الجماهيري المستمر والمتواصل، وتقوية العلاقات مع جاليات شعبنا ومؤسساته في المهجر التي كانت سنداً كبيراً لدعم الحركة ونضالها في الوطن مادياً ومعنوياً، وتبقى العقدة التي حاولت الحركة تجاوزها هي عزوف أقسام من شعبنا خوض المعترك السياسي القومي، وقد دفعت أحزابنا ضريبة الخوف من السياسة التي كانت محور دراسة سابقة لشبيرا، وهذا ما يؤكده في فقرة آخرى عندما يقول (..إذن لماذا نلوم هؤلاء وخيرة المثقفين والمتعلمين على المستويات العليا لا يقتربون من هذه التنظيمات ولا يساعدونهم في مهمتهم القومية ولكن في عين الوقت يتهجمون عليهم وينعتونهم بأشنع النعوت.. ) في هذه أيضاً ربما هناك مبالغة، فأغلب المثقفين والكتاب السياسيين يدلون برأيهم بصورة موضوعية في مختلف الشؤون القومية والوطنية، عدا مجموعة لا يتجاوز عددها أصابع اليدين ديدنها التطاول والشتم والتجاوز على الأخرين، ونهجها هذا لا يؤثر وليس له مكانة في الوسط القومي.

ويقول شبيرا في مقطع أخر من فقرته ( .. لنأخذ الحركة الديمقراطية الآشورية كمثال، ليس لأنها تحتفل في هذه الأيام بذكراها الرسمي لتأسيسها فحسب وإنما باعتبارها قد تأسست في الوطن وتنشط هناك وفي ظروف سياسية صعبة للغاية، ذلك لأن الجميع يعرف بأن الاشتغال بالسياسة ليس بالأمر الهين والسهل في بلدان كبلد وطننا الأم فهو كاللعب بالنار الحارق محفوف بالمخاطر والتضحيات والتحديات التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى زهق الأرواح .. ) وهذا كلام صحيح، فالحركة قدمت عشرات الشهداء خلال مسيرتها، وعملت في ظروف غاية في التعقيد، وما تزال تقارع وتصمد، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، فهذه الظروف السيئة للعمل السياسي هي أحدى الأسباب التي تدعونا إلى التمسك بالرموز السياسية للحركة، فليس في مقدور الحركة وغيرها من الأحزاب أنتاج قيادات سياسية متمرسة في العمل النضالي اليومي في ظل هكذا ظروف التي شهدت تساقط قيادات في الحركة أو غيرها من الأحزاب، وهذه الحالة طبيعية حيث تتفاوت القدرات الشخصية بين فرد وأخر، ولكن تبقى القدرة التنظيمية هي الأهم وتحديداً في ترميم البنيان الداخلي من خلال الدفع بالكادر الوسط إلى الصفوف الأمامية وتولي المهام القيادية. وهذه الحالة مترسخة في الحركة، فبالرغم من الهجرة التي أصابت شعبنا وكذلك أعضاء في الحركة، إلا أن القدرة على الدفع بالشباب إلى الواجهة التنظيمية ومن ثم السياسية ساهم في ملئ كل الفاراغات التي أعتقد البعض أنه بدونهم ستبقى هناك ثغرات لا تسد، وأماكن شاغرة لا تملئ.

ويضيف شبيرا ( .. لقد سبق وذكرنا بأن الحركة تأسست طبيعياً من مخاض الأمة ومعاناتها ولم تؤسس بقرار من خبراء في السياسة .. وإنما تأسست من مجموعة شباب وطلبة وهم في مقتبل حياتهم السياسية لا يعرفون من فنون السياسة وألاعيبها غير حبهم الشديد والمتفاني لأمتهم، فكيف والحال معهم عندما يلتحقون بركب الكفاح المسلح ويتحالفون مع أحزاب وحركات لهم باع طويل وخبرات متمرسة في السياسة والنضال. أليس من المنطق والمعقول أن تعرف مع من تتعامل وأن تكون ملمة بأفكارهم وسياساتهم وأهدافهم؟ و"يواصل" .. وكلنا نعرف مدى التناقض التاريخي والصراع الدامي الذي كان يحكم علاقة أمتنا بهذه الشعوب ومدى صعوبة التعامل معهم في هذا اليوم، خاصة عندما يحضر التاريخ أمام أعيننا..) إذا كان هذا هو الواقع، وهي الحقيقة بعينها، فكيف بنا أن نغير قياداتنا السياسية بعد أن خبرت ألاعيب السياسة وفنونها، أليس الحري بنا أن نحافظ على قياداتنا صاحبة الخبرة والدراية في مواجهة شركائنا السياسيين المتربعين على قيادة أحزابهم وفي يدهم السلطة؟ أمن الحكمة أن نواجه خيرة غرامائنا السياسيين بقيادات شابة ما تزال في بداية الطريق..؟ ولنا قيادات صاحبت غرمائنا ساحات النضال والكفاح وخبرت أساليبهم، واستحضرت " .. التاريخي والصراع الدامي الذي كان يحكم علاقة أمتنا بهذه الشعوب ومدى صعوبة التعامل معهم في هذا اليوم، خاصة عندما يحضر التاريخ أمام اعينها .."  كما تقول أعلاه. ولكن بالرغم من ذلك فإن المهام القيادية التي تضطلع بها القيادات الشابة اليوم في الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا لا تقل أهمية وخطورة عن سابقاتها، وخصوصاً بعد أن أكتسبت الخبرة السياسية والتنظيمية على مدى عقدين من النضال والتواصل في صفوف الحركة. وهي بالتالي تكمل بمن بقى من الرعيل الأول عملية التراكم النضالي التي تفتقدها معظم تنظيماتنا السياسية، بحيث إن الأنتقال التدريجي للمسؤوليات القيادية يجري بصورة طبيعية تؤكد شرعيتها المحطات التنظيمية التي تعقدها الحركة حسبما هو مقرر في نظامها الداخلي ومنهاجها السياسي، وبدون عمليات قيصرية طمحت بعض القوى السياسية من خارج البيت القومي أن تجريها في الحركة.

حتى الأن ونحن لم نأتي إلى مفهوم القيادة الجماعية في الحركة وعلى اي أسس يستند وكيف يجري الأخذ به، وهذا المفهوم في الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا يختلف جذرياً عما طرحه شبيرا وقال به في مقالته التي ناقشنا جزء مما ورد فيها، على أمل أن نناقشه في الجزء الثاني عن ماهية مفهوم القيادة الجماعية في الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا.