حكومة الأغلبية السياسية والدور السلبي للمحاصصة

 

 

 

                                                               

                                                             عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

    لقد شهد العراق الجديد في العشرين من نيسان عام 2013 زحف جماهيري يعكس حُرص العراقيين على نمو واستمرار التجربة الديمقراطية، وقد جاءت الرياح الجماهيرية يوم أمس بما لاتشتهي سُفن البعث المنهار وفصائل الإرهاب المقيت، خاصة وأن انتخابات مجالس المحافظات وبما تمتلك من أهمية مناطقية ألا أنها تأتي أيضا في اطار التمهيد للإنتخابات البرلمانية القادمة.

أن تأمين الساحة الانتخابية من قبل المؤسسة الأمنية بشكل بارع الى جانب الجهود التحضيرية للمفوضية العليا للإنتخابات أيضا، كانا قد أسهما معا في معاضدة الإصرار الشعبي على انجاح انتخابات مجالس المحافظات موجهين بذلك صفعة قوية في وجه البعث الصدّامي وجحافل الارهاب. لذلك ليس مستغربا من وسائل اعلام القوى الظلامية التي فشلت في ايقاف زحف الجماهير نحو صناديق الاقتراع أن تسعى لتقزيم  المنجز الانتخابي وتعويض فشلها من خلال الطعن بنتائج الانتخابات وإطلاق التهم الباطلة للأجهزة الأمنية والزعم في تسبب هذه الأجهزة بإعاقة وصول المواطنين الى المراكز الانتخابية، ولربما، الاستخفاف أيضا، في جُهد المفوضية العليا للإنتخابات، بزعم وجود خلل كبير في السجل الانتخابي.. وقد لا يُردّّد أعوان البعث وحدهم ذلك، فلربما يردّدُها أيضا بعض الأحزاب التي تراجعت حظوظها الانتخابية في الشارع العراقي. مع ذلك فإن إقرار الأمم المتحدة على لسان ممثلها (مارتن كوبلر) بنجاح الانتخابات العراقية لمجالس المحافظات، وكذلك شهادة المؤسسات الدولية المستقلة التي تعتمد المعايير الدولية في التقييم، يدعونا جميعا للتفاؤل بمستوى المنجز واستقامة المسار.

هناك أهمية أخرى تنطوي عليها الانتخابات المحلية تجعلها في مستوى الكلفة والجهد المبذولَين ؛ فهي عادة ما تستبطن الأضواءً الكاشفة القادرة على رسم الملامح الاساسية التي من الممكن أن تكون عليها نتائج الانتخابات البرلمانية للبلاد مستقبلا، وحَريُّ بالجهود والتكاليف المبذولة في كلتا المناسبتين من قبل الدولة والمجتمع أن تفرز حكومات قادرة على النهوض بالبلاد الى مستوى الطموح الجماهيري. هنا يمكننا القول من خلال التجربة الماضية بأن تحقيق مثل هذا الأمر: أي (النهوض بالعراق) قد يبدو صعب المنال مع الاستمرار في اعتماد معيار المحاصصة الذي يسهم في تشتيت القرار الحكومي الصحيح وتغييب المعارضة البرلمانية الحقيقية القادرة على النصح والتسديد، فقد أدىّ هذا المعيار القائم على التراضي في إختيار الحكومات الى إنتاج قرار حكومي رسمي مشلول لايرقى الى مستوى الطموحات الشعبية والتطورات الخارجية إقليمياً ودولياً.

ربما كان هناك مايبرر اللجوء لهذا المبدأ التوافقي في العقد الأول من تاريخ التجربة السياسية الحديثة في العراق: أي السنين العشرة الماضية، ألا أن الإستمرار به لم يعد يجدي نفعا، فقد أدى الإستغراق في إعتماده طول هذه الفترة الى التنافر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل لم تشهده التجارب المماثلة من قبل، ناهيك عما نتج عنه من تكريس للفساد الاداري في القطّاع الحكومي سواءً المتعلق منه في إقصاء الكفاءات وإجتياح غير الكفوئيين للمواقع الادارية والسياسية والأمنية في الدولة العراقية، أو الآخر المتعلّق في تعطيل المساءلة القانونية بحق المفسدين (من أين لك هذا؟)، نتيجة الغطاء السياسي الذي توفره المحاصصة للمفسدين والفاسدين.. ومن جانب آخر المتعلق في تجذير الهوية الطائفية والعرقية السياسية واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع نتيجة غياب الطابع الوطني والإنساني ومعيار الكفاءة عن عملية بناء الدولة العراقية الحديثة.

 ما نراه اليوم نتيجة المحاصصة حكومة قصيرة اليد يتجاذب قرارها الوطني قوى اتصفت بالسلوك المزدوج في عملية ممارسة صنع القرار وفي المعارضة في آن واحد، وعلى شاكلة التيار الصدري، فرغم وجود قوى أخرى تشاطره الإزدواجية، ألا أن الدور السلبي للتيار الذي رغم امتلاكه ستة وزارات حكومية لكنه الأكثر تغريدا خارج السرب الديمقراطي في العراق الجديـد.

ويمكن القول بأن نتائج المحاصصة هي بالضبط مايبحث عنها البعث الصدامي وتنظيم القاعدة، حيث النتائج المتوافقة مع التكتيك المتبع من قبلهم لادامة وجود حواضنهم السياسية والمجتمعية، وستراتيجيتهم الهادفة الى منع قيام دولة حديثة في العراق. لذلك فإن الممارسات الانتخابية لن تكون تامة الجدوى ، بل قد لاتأتي أكلها دون إعتماد نتائجها معيارا في اختيار الحكومة، : أي أن ينتج عنها تشكيل حكومة أغلبية سياسية تكون مؤهلة لتلافي أخطاء الماضي، ساعية لتحقيق الحد المعقول من التنمية والتضامن الوطني.. في ذات الوقت، يقابل هذه الحكومة،(معارضة برلمانية) تتمتع بالموضوعية في مهامها الرقابية، والجدية في سعيها للفصل المتوازن بين السلطات.