دُكَلّي

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

 هناك ظواهر اجتماعية كريهة, لكنها متداولة الى حد كبير بين البشر منذ ان وجود الانسان على وجه المعمورة ,وتعتمد على ذكاء الشخص وبديهيته في ترتيب وتقوية بنيانها الفكري للتاثير واقناع المقابل بشيء ما, ويستعين بها الشخص للنفاذ من موقف معين من مواقف الحياة,الى جانب وجود اشخاص في غالبية المجتمعات يمارسون هذه الظاهرة ويتفنون فيها عن قصد او لا, وهي الكذب ,وقد ارتبط مصطلح السياسة في العراق بالكذب والدجَل والضحك على الذقون ,وخاصة ايام الانتخابات الحافلة بالوعودات المُعسلة .

    دُكَلّي اسم سرياني معناه الدَجَل او الكذب وهو سلوك اجتماعي غير مُحبذ يكتسب من المحيط او البيئة الحاضنة للشخص, وهي ظاهرة تستعان بها اجهزة المخابرات والاستخبارات لايقاع الخصم وتحقيق غايات عديدة,ويصطلح عليه في السياسة ببالون اختبار في المجتمع لجس نبض الشارع تجاه موقف معين قبل تبنيه وتطبيقه.واجتماعيا فالشخص الكذاب يفقد مصداقيته في المجتمع ويكون مكروها فيه,وشعبنا الكلدواشوري السرياني يمقتُ هذا السلوك ويعري صاحبه ,فكانوا يخلعون لقب الكذاب على اسم الشخص فلَن دَكَالاّ اي فلان الكذاب,وهناك الكذب الابيض دُوكَلا خوارا يستخدم لغايات حميدة .

وادناه بعض من امثلتنا الشعبية عن الكذب:  

      دَكَالا بَاتي كومتا ايلا,اي وَجه الكذاب اسود مُسَخَم ومنذُ القديم كان ابناء شعبنا يُسودونَ وجه الكذاب او الخاطيء بالفحم وهو رمز العار والمهانة كُوم باتّا اسود الوجه .ان آلاها مَكملا باتو لِيلا سنِيقتا لشخرا , اذا الله سَوَدَ وجه شخص ما, فلا حاجة الى الفحم ,يقال هذا عندما ينقلبُ السحرُ عَلى الساحرِ.

خَولاّ ددَكَالا كريا ايلي , اي حَبلُ الكذبِ قصير, اي سيدحض كذبه قريبا ويبانُ كل شيء على حقيقتهِ.

     دُوكَلي مَتُرسي ولا شْرارا مبُرخيشا, اي الكذب المَصفت المُرتب احسن من الصدق المُخربَط. او مَخكَياثهِ لِي كالي رِش خاصّا دخمَارا اي كلامهِ لا يستقرُ على ظهر الحِمار, يقال لصاحب الكلام الغير الموزون والمترابط والمنطقي ويُفضل عليِهِ الكذب المنطقي المرتب.

دَكَالاّ قيدلي بَيتهِ جوّ خَا لا مهُمني الهِ, اي احترق بيت الكذاب ولم يصدقهُ احد .اي الكذاب يفقدُ مصداقيتهِ بين الناس.

كُورّا ددوكَلي ايلي, اي هو كوّر الكذب بمثابة كوّر الحداد في صناعة وتسويق الكذب.

ان دَكَالا بَالط مِن ارخي ورِشهِ شيّا بلاخا جوّ خا لي مهيمن  الهِ,اي اذا خرج الكذاب من الطاحونة وراسه مُغَبَر بالطين فلا احد يصدقهِ, اي يفقد مصداقيتهِ وان امتلك الادلة الدامغة.

دُوكَلي هُولَي بدمهِ ,اي الكذب في دمهِ ,يقال للشخص الذي لا يستطيع الاستغناء عن ظاهرة الكذب.

شَلّي هُولي ملّيا دُوكَلي , اي سروالهِ مليء بالكذب, يقال للشخص الذي يُبدع في اصدرِ الكذب دائما.

سي مِنْ دَكَالا هَل تَرا دبَيتهِ, اي اذهب مع الكذاب لحد عتبة داره, لدحض مزاعمه وكذبهِ.

     دُكَلا دنيسَن ,كذبة نيسان وهو طقس بابلي اشوري (اكيتو) الاول من نيسان راس السنة البابلية الاشورية وهو بالاساس احد الطقوس الاحتفالية براس السنة الممتدة لاثني عَشر يوما,  وهو طقس اليوم السابع, ففيه يختفي الاله مردوخ عن الانظار , وخلالها كانت تعم الفوضة والكذب وما الى ذلك في المجتمع نتيجة فراغ السلطة ومن هنا جاءت كذبه نيسان , وفي المساء كان الاله يظهر ويستتب الامن والاستقرار, والعبرة ليعرف المجتمع بمدى اهمية السلطة في استتباب الامن ,ومعرفة هيبة الدولة , واصبحت هذه الظاهرة عالمية وتعتبر مفخرة لحضارتنا النهرينية .  

ولكل المجتمعات موروث شعبي من قصص الكذب الطريفة غايتها التسلية في مجالس الليل ,وخاصة ليالي الشتاء في القرى ,وهنا ساتناول بعض منها المشهورة اواسط شعبنا لاحظ عزيزي القاريء طرافة حبكتها :

      فقال شخص كنتُ اسوق السيارة في طريق صحراوي وفجأة نَفَذَ ماء السيارة وارتفعت حرارتها فاطفأةُ المحرك ,وحملتَ قنينة لجلب الماء وبحثتُ في كل الاتجاهات فلم اعثرَ على اي مصدر للماء, فوضعت يدي فوق جبيني لالقي نظرة في الافاق الرحبة فرايتُ شيء وكأنه خيمة , فقصدتُ اتجاهها ولما اقتربتُ منها وجدتُ انها تعودُ لعرب الصحراء , فاستقبلوني بالاحضان والضيافة الكريمة , فبعد الاكل والشرب والراحة , قلتُ لهم عن غايتي فقالوا انت عزيز مكرم ومن عاداتنا ان لا نستفسرُ من الضيف الا بعد مرور ثلاثة ايام على الضيافة. فشكرتهم على هذا, وطلبَ كمية من الماء للسيارة , فقال الشخص صاحب الدار مع كل الاسف ان الماء نَفَذَ عندنا الان ,وقال بامكاننا ان نعطيكَ الحليب بدل الماء فقال حسنا , فملىء القنينة بالحليب ورَجعَ الى السيارة ووضعَ الحليبُ في راديتر السيارة , وشغّلَ السيارة ففي البداية قال لاحظت خروج دخانا ابيضا من المدخنة واضاف بعد ان تحركت السيارة لمسافة معينة لاحظتُ انقطاع الدخان الابيض,وبعد لحظة لاحظتُ خروج قطع مدورة كبيرة من الجبن ( كَوتاته دكَبتا) من مدخنة السيارة.

       ففي احدى القرى كان هناك كذاب كبير يعتبر فطحلا بهذا المنحى وكان يعتبر نفسهُ وحيد بلا منافس اطلاقا في المنطقة, وذات مرة وقع على مسامعهِ ان هناك شخصا اخرا منافسا له في احدى القرى , فقصد تلك القرى للمنافسة مع ذلك الكذاب,ووصل الى مشارف القرية فرأى عدد من الاطفال يلعبونَ في بيادر القرية فصاحَ على احد الاطفال فقال لهُ اين بيت فلان ؟فرد الطفل انهُ ابي يا عَمْ !! فقالَ الرجل هل هو في البيت الان؟ فرد الطفل صراحة كانَ في البيت لحَد لحظات مرت لكنه سَمَعَ ان هناك ثُقبا في السماء فصعد لِخياطته ويرجعُ, فرد الشخص سْطُم بَيتا ان بْرونا هَاوّي هَدخَا داخّي بَدْ هاوّي بَابا, دارن بش طَاوتا ايلا مِنْ نِخبتا . اي قال ياستار اذا كان الولد بهذه الداهية !! فكيف يكون الوالد !! حفاظا على ماء الوجه لارجَع احسن لي .

      ذات مرة كان هناك رجلا في طائرة السفر تطير, فقال فجأة لاحظت ان الطائرة بدأت تهتزُ وبدأ المسافرين يفزعزن خوفا من سقوط الطائرة , فقالَ قصدتُ مقطورة القيادة مستفسرا عن السبب , فرد القائد "بيني وبينك لقد نسيتُ ان ازودَ الطائرة بالوقود",فقال كيف ذلك واشبعتُ القائد بالملامة, ومن شدة الخجل نَكسَ راسهُ , ثم فكرتُ وطرقتُ اصابعي فقلتُ وجدتها , فاسرعتُ الخُطى الى مقعدي فكان معي جدرية كبيرة وساخنة من اكلة دخوّا وهي اكله تراثية عند شعبنا تصنعُ من سبعة انواع من الحبوب مع اللحم المثروم والعظم .فجلبتُ الجدرية على وجه السرعة وقلت لقائد الطائرة هَيا بسرعة افتح خزان الوقود فافرغتُ الجدرية في الخزان, فقلت هَيا الان شَغل الطائرة . فدارَ مُحرك الطائرة وتحركتُ الطائرة ، وبعد مسافة طويلة بدأت الطائرة بالاهتزاز واصدار اصوات ، ففزع القائد سائلا ما المشكلة فقلتُ ان سائل الدخوّا نَفَذَ والان مُحرك الطائرة يطحنُ العَظم .

     وذات مرة التقى كذابين, فقال الاول كان لابي حضيرة عملاقة لا يحدها حد ويمكن ان تضم عدد لا محدود من قطيع الحيوانات. بينما الثاني قال كان لابي مسحاة(كرك ) رُوشتا ضخم وطويل اي عملاق , وعندما كانت الدنيا لا تمطرُ كان يرفعها في السماء ويجمعُ بواسطتها الغيوم ويضربها بالبعض ويجعلُ السماء تمطرُ,فتعجب الاول قائلا "واين كان يضع ابوك هذه المسحاة العملاقة ؟ فرد الثاني في حضيرة ابوكَ طبعا !!

      قال حد الاشخاص وخلال الحرب العالمية الثانية كنا في الطائرة وهي تحلقُ في السماء , رأيتُ صديقي شاحب اللون فقلتُ له ما بِكَ ؟فرد بيني وبينك انا جائع !! فقلتُ له كيف ذلك وانا موجود ؟ ففي الحال لاحظتُ من خلال النافذة سربا من طيور الحجل قَقوانّي يطيرُ نحو الطائرة ففتحتُ نافذتها في الحال واخرجتُ يدي منها وامسكتُ بحجل ضخم , فحاولتُ ادخاله من النافذة فلم افلحُ فاخرجتُ يدي الاخرى وانتزعتُ الريش ثم توجهتُ الى مدخنة الطائرة ( اكزوز) ووضعتُ الحجل عليه فاحمر واعطيته لصديقي تفضّل اكل بعافية خَسِأ الجوع وانا موجود!!

       ذات مرة خرج احد الاشخاص للصيد فَلاحَ امام نظرهُ شيء فصوب سلاحهُ نحوهُ واطلق اطلاقة فاصابهُ وتوجه مسرعا نحوهُ فرأهُ كبشا جبليا ضخما نِيريّا دبّالا وفجأة لاحَظَ عدد من النحل تطيرُ وتحطُ على احدى قرنيهِ فوجدتُ فيه ثقب صغير , فسخنتُ ذلك القرن فافرغت منه سبعة كليوغرامات من العسل الصافي دوشّا صييّا.

وهناك قصص كثيرة لا يسع المجال لذكرها.