اهمية المنطق وممارسته كمقوم أساسي في استمرار فكر الحركة الديمقراطية الأشورية ووجودها

 

                     

       

                

                                                   

 

                                                        هرمز طيرو

               

    

المنطق في اللغة العربية كلمة مشتقة من النطق ، وهي ترجمة حرفية للكلمة اليونانية " لوغوس " التي تعني الكلام ، وأصل كلمة لوغوس مأخوذة من كلمة أخرى وتعني العقلانية ( 1 ) ، عليه فإن الكلمة ترتبط وتأخذ معناها في الكثير من الأحيان من الكلمة نفسها مثل : كلمة السليم في عبارة " المنطق السليم " أي الكلام المعقول البعيد عن الأوهام والشطحات والاحلام  أو بمعنى أخر الكلام الذي يخلو من الخطأ ، لذا فالمنطق هو فرع من فروع الفلسفة الذي يبحث عن :

1 - – صور الفكر .

2 – طرق الاستدال السليم .

 

من هنا ، ولكي نفهم اهمية المنطق وممارسته كمقوم أساسي في استمرار فكر الحركة الديمقراطية الأشورية ووجودها ، يجب علينا أن نعرف شيئاً عن طبيعة المنطق اولاً ومفهومه وخصائصه ثانياً . مع العلم  أن المنطق بدأ عند الإنسان منذ بداية الفكر، لكن اول من حاول تنظيم هذا الفكر ووضع القواعد الأساسية له هو الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس ( 384 – 322 ق . م ) الذي يعتبر من أوائل الفلاسفة الذين كتبوا عن المنطق بأعتباره علم قائم بذاته ، وقد سميت مجموعة مؤلفاته في المنطق بأسم ( أورغانون Organon سنأتي بشرح معنى الكلمة لاحقاً ) . لكن في عصور النهضة الأوربية بما فيها النهضة في العلوم الطبيعية والمادية ، أصبح المنطق علم مختلف بطريقة ما عن منطق أرسطو ، لذا نرى بأن المناطقة المعاصرين قد قسموا المنطق الحديث إلى ثلاث أقسام وكما يلي :

 

اولاً : منطق الأستقراء الذي تبناه وكان رائده الفيلسوف فرانسيس بيكون (1561 – 1626 فيلسوف وسياسي انكليزي )  وأستكمله من بعد ذلك الفيلسوف والاقتصادي الأنكليزي جون ستيوارت مل

 ( 1806 – 1873 ) .  

ثانياً : المنطق البراغماتي : وهو المنطق الذي يبنى صدق الحكم استناداً على النتائج العملية ، بالإضافة إلى جانب المنطق الرياضي وقد ابتدأه الفيلسوف القانوني وعالم الرياضيات الألماني ليبنتز 1646 – 1746 وصححه الفيلسوف برتراند رسل 1872 – 1970 الذي ربط الرياضيات بالمنطق وجعلها امتداد طبيعي له .

ثالثا : منطق دلالات الألفاظ Semantics  : لقد تم إضافة هذا القسم في العصر الحديث إلى أقسام المنطق متأثرين بتطور " علم اللغة " ، لأن للغة تأثير كبير على تكوين الفكر وما ينتج عنها من نتائج خطيرة في صواب التفكير أو في خطأ التفكير .

 

 

تعريفات علم المنطق عبر التاريخ

 

إن كلمة المنطق Logic المعروف به هذا العلم بوجه عام وجدت لأول مرة للدلالة على هذه الكلمة في وثائق وصلت إلينا من القرن الأول ق . م . وذلك في مؤلفات الخطيب شيشرون 109 - 043 ق . م . بالإضافة إلى كلمة " ديالكتيك " التي وجدت عند افلاطون . ومن هنا نعتقد بأن كلمة " المنطق " وكلمة " الديالكتيك " استعملتا ابتدأ من القرن الأول ق . م . للدلالة على نفس المعنى وهو " علم المنطق " .

 

لكن في الحقيقة لا توجد أدلة على وجه الدقة ، على من هو أول من استخدم كلمة " المنطق للدلالة على علم المنطق " ، لكن الكاتب برانتل K . Prantl ( 2 )  يعتقد وذلك استناداً إلى اشارة ( بوئتيوس Boetius ) ( 3 )  إن شراح ارسطو هم الذين استخدموا هذه الكلمة وذلك من أجل أن يفرقوا بين " الأورغانون لأرسطو وبين الديالكتيك عند الرواقيين ( 4 )  . وهذا يدل على إن استعمالها عند شيشرون في القرن الأول ق . م . وحتى عند " جالينوس " ( 5 )  مروراً عند الاسكندر الأفروديسي ( 6 ) في القرن الثاني الميلاد كانت تستعمل بنفس المعنى . ومع ذلك فقد عرف المنطق تاريخياً بعدد تعريفات وأهمها :

 

1 – عرف المنطق على إنه من اهم العلوم الذي يبحث عن المبادىء العامة لتفكير الإنسان الصحيح  وموضوع بحوثه دائماً تكون في خصائص الاحكام ، لا كونها ظواهر سايكولوجية بحته  بل من حيث كونها دلالة على معرفة معتقداتنا وأفكارنا ، وبالأخص على تحديد الشروط التي بها تبرر إنتقالنا من احكام معروفة إلى أخرى لازمة عنها .

 

2 – اما الفيلسوف ايمانويل كنت 1724 – 1804 م . فقد عرف المنطق على إنه علم القوانين الضرورية للذهن والعقل بوجه عام ، أو بتعبير أخر على إنه علم الشكل البسيط للفكر بوجه عام .

 

ج – ويعرف فردريك هيجل 1770 – 1831 م . المنطق على انه هو علم الصورة بمعنى ( الصورة في العنصر المجرد للفكر ) .

 

ومن هنا يتضح لنا ما يلي :

اولاً : إن تعريف المنطق كما جاء في الفقرة ( 1 ) اعلاه يختص بالمنطق الذي يعني ( التقليدي الاصلاحي ) ، أما التعريفان في ( 2 و 3 ) فإنهما يختصان بالمنطق بمعنى المنطق الممزوج بالميتافيزيقيا الذي استكمله وتطور على يد هيجل .

 

ثانياً : إن الفيلسوف إيمانويل كنت قد قسم المنطق إلى نوعين :

1 – منطق الاستعمال العام : وهو المنطق الذي يحتوي على القواعد المهمة التي تكون ضرورية مطلقة للفكر ، تلك القواعد التي لا يمكن أن يكون بدونها أي ألية في استعمال للذهن ، وبدوره ينقسم هذا المنطق ( المنطق العام ) إلى قسمين :

أ – المنطق المحض .

ب – المنطق التطبيقي .  

 

2 – منطق الاستعمال الخاص للذهن : وهو المنطق الذي يحتوي على كافة القواعد التي يجب مراعاتها في انواع معينة من المواضيع الخاصة بالتفكير الصحيح .

 

وهنا نؤكد بإن المنطق العام وبغض النظر عن جوهره المعرفي لا يتعامل إلا مع شكل المعرفة بوجه عام ، لكن هنالك منطق يعني بأصل معرفتنا بالأشياء من حيث إن هذا الأصل لا يمكن أن ينسب إلى الأشياء نفسها ، وهذا المنطق قد اطلق عليه لأول مرة ( المنطق المتعالي Transcendent Logic ) من قبل إيمانويل كنت .

 

أما على الصعيد المعرفي فإن كل من المنطق العام والمنطق المتعالي ينقسمان إلى فرعين :

1 : المنطق التحليلي .

2 – المنطق الديالكتيكي .

 

لذا نرى بأن المنطق المتعالي يدخل ضمن نظرية المعرفة وبالتالي في الميتافيزيقيا ، وهذا يبدوا واضحاً إذا نظرنا في تعريف هيجل للمعرفة ، وهو تعريف يقوم على نظرية أساسية في فلسفته والتي تقوم على إن ( كل ما هو واقعي معقول ، وكل ما هو معقول واقعي ) لذا يعتبر بأن منطق هيجل هو منطق الوجود بشكل عام ، وليس فقط منطق العقل الإنسان وهو يفكر .

 

وثّم تقسيمات وتفرعات أخرى للمنطق وهي :

 

اولاً : المنطق الصوري : وهو منطق التفكير بشكل عام .

ثاتياً : المنطق المادي : وهو قواعد التفكير في العلوم الجزئية ، ويسمى ايضاً ( علم المناهج ) لأنه يتناول المناهج العلمية المهمة التي تستخدم في العلوم بشكل عام . وقد تم حسرها في اربعة مناهج وكما هي في ادناه :

1 – الاستدلال الرياضي : وهو الذي يستخدم في مناهج العلوم الرياضية .

2 – الاستقراء : وهو الذي يستخدم في العلوم الكيميائية والفيزيائية والحيوية .

3 – المنهج التاريخي : ويستخدم في العلوم التاريخية بكافة فروعه .

4 – المنهج الجدلي : وهو المنهج الذي يستخدم في المناقشاة العلمية .

 

ثالثاً : المنطق الرمزي : وهو المنطق الذي استخدم للمرة الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وذلك بعد أن حدث تطور كبير في ( علم المنطق ) ، وقد جاء هذا التطور نتيجة إدخال المسائل الرياضية على بعض مسائل المنطق ومحاولة التطابق بين الرياضيات والمنطق  نظراً لظهور الكثير من التشابه التطابق بينهما منذ عهد ارسطو . فكلهما ( الرياضيات والمنطق ) يميلان إلى التجريد ، فلا يهتمان إلا بالصورة ويمارسان النسب بين الأشياء ويتفقان من حيث الغاية وهي ( الوصول إلى الربط الصحيح بين الأشياء عن طريق ممارسة تحليلات فكرية تخضع لقواعد ثابته وبأليات مختلفة ) .

 

لذا فقد قام الفلاسفة المهتمون بعلم المنطق في تطبيق نتائج الرياضيات على المنطق نفسه . فقامت حركة قوية أبتدأها كما قلنا سابقاً الفيلسوف والعالم الرياضي الألماني لبينتز Gotrfrid Wilhelm Leibniz في نهاية القرن السابع عشر وتطورت في القرن الثامن عشر وتقدمت خطوة خطوة على يد هاملتون ( 1805 – 1865 م . الفيزيائي والرياضي الايرلندي ) في نظريته ( في الكم المحمول )  لكن المنطق الرياضي قد بلغ في أوج تطوره على يد برتراند رسل في كتابه " المبادىء الرياضية " .

 

أخيراً ، إن المنطق بالمعنى الاصطلاحي المحدد هو كما جاء في ( رقم 1 من تعريفات علم المنطق عبر التاريخ ) الذي يقول : ان المنطق هو العلم الباحث في كيفية التفكير الصحيح للتأدي من المقدمات إلى النتائج .

 

شيىء من تاريخ المنطق

 

اطلق على علم المنطق خلال التاريخ اسماء وتعريفات كثيرة ، ويمكن لنا أن نذكر قسم من هذه الأسماء والتعريفات واهمها وكما يلي :

 

اولاً : الديالكتيك : ظهرت هذه التسمية قديماً عند افلاطون ( 428 – 347 ق . م ) وكان موضوعه هو تحليل التصورات وتركيبها ( انظر كتاب " محاورة السوفسطائي " ص 253) والهدف منها معرفة الموجود عن طريق :

أ – محاورة السياسة .

ب – إدراك المثل .

أما عند ارسطو فإن الديالكتيك كان يعني عنده الحجج القائمة على المنظنونات والاحتمالات ( راجع الطوبيقا م1 ص100 ) ، غير إن ارسطو يستعمل صيغة " الحال " لدلالة على ما في داخل المظنون والمحتمل . في حين فأن الكاتب وخطيب روما ماركوس توليوس سيسرو ( شيشرون 109 – 43 ق. م . ) استخدم كلمة الديلكتيك على أنها تعني :

ا – كل المنطق .

ب – منطق البرهان .

ج – منطق الاحتمال .

وأستمر استعمال هذه التسميات والمعاني على المنطق طوال العصور الوسطى وحتى نهائيات القرن السابع عشر .

 

ثانياً : أورغانون Organon : وهي كلمة اطلقت لمجموعة مؤلفات ارسطو في علم المنطق وذلك خلال العصر الهلينستي ، وكلمة اور غانون تعني " ألة " ( 7 ). من هنا جاء طرح السؤال : هل يمكن اعتبار المنطق قسم من اقسام الفلسفة ؟ ، أي بمعنى أخر ( هل المنطق هو ألة لكل انواع المعرفة ) .

 

ثالثاُ : منطق القانون : هو المنطق الذي يبنى على ( قانون / قاعدة / نموذج ) وخاصة عند الابيقوريين ( 8 )  لأنه يشتمل على قواعد المعرفة والحقيقة .

 

رابعاً : منطق الطب العقل : وقد اطلق عليه هذه التسمية " شيشرون " لأن من اهدافه الرئيسية علاج أنواع الضعف الطبيعية في العقل الإنساني عن طريق قواعد صورية ، وذلك من أجل الوصول إلى المعرفة الحقيقية .

 

خامساً : منطق التحليل البنيوي – التكويني : أن منطق التحليل البنيوي – التكويني Strctural – genetic analysis هو نمط جديد للمنهج الذي طبقه كارل ماركس في كتابه ( رأس المال ) حيث أرسى منهجاً فلسفياً جديداً لبحث المبادىء الأولى في المنطق ، وقد اطلق عليه الفيلسوف يندريش زلني أسم : علم الممارسة – الانطولوجي – المنطقي Ontopraxeologic ، فالمنطق بأعتباره علم أشكال الفكر المفضي إلى ادراك الحقيقة الموضوعية ، لا يقتصر على قيود اجرائية ( قَبْلية ) في الذهن ، بالمعنى إيمانويل كنت للتعبير ، بل يتعداه إلى الممارسة ( كوسيط ) ، وإلى علاقة الفكر بالوجود ، وبالتالي فأن المنطق لا يشكل غير جزء من مكونات عملية الادراك  ( 9 ) .

 

 

الغاية من دراسة علم المنطق

 

من المفاهيم السليمة والواضحة في عالمنا المادي هو أن جميع فروع العلم بما فيها علم اللاهوت هي من نتاج التفكير الإنساني ، لذا فأن الإنسان معرض في أن يصل من خلال تفكيره إلى نتائج إيجابية ، أو أن ينتهي تفكيره إلى نتائج سلبية . إذن فإنسان بطبيعة تفكيره قد يهتدي إلى الصواب أو إلى الخطأ ، عليه ولأجل أن يكون للتفكير نتائج مقبولة وصحيحة ، أصبح لازاماً على الإنسان أن يتبع قواعد عامة من أجل أن يصل تفكيره إلى مسارات صحيحة وغايات واضحة . وندرج ادناه اهم الوظائف والغايات في دراسة علم المنطق :

 

اولاً : من خلال دراسة علم المنطق يتعلم الإنسان أن يختار ألفاظ سليمة ودقيقة في احاديثه في الأمور العامة ، لأنه يعتمد هنا على العلاقة التي تربط بين الألفاظ والجمل .

 

ثانياً : بالمنطق السليم يستطيع الإنسان أن يفند وينتقد كافة الافكار والنظريات العامة ، لأنه سوف يلامس كافة الأخطأ ويتعرف على أسبابها وبالتالي سوف ينمي الروح النقدية في داخله .

 

ثالثاً : بالمنطق نستطيع أن نمييز بين الطروحات السليمة التي تؤدي إلى نتائج أيجابية ، من الطروحات غير السليمة التي تؤدي إلى نتائج غير إيجابية .

 

رابعاً : يستطيع الإنسان بالمنطق السليم أن يفرق بين كافة معطيات البشرية وقوانينها وأن يقارن بينها موضحاً موطن الاتفاق والالتقاء وموطن الاختلاف والافتراق .

 

خامساً : بالمنطق يستطيع الإنسان من الابتعاد عن التحليلات الفكرية الخاطئة لأن كل ما يتلقاه يكون خاضعاً لمبادىء العقل ، وبالتالي يمكنه أن يمييز بين الخطأ والصح بشكل سليم ولو نسبياً .

 

 

المنطق واهميته في سلامة فكر الحركة - زوعا

 

يحاول بعض القراء والقارئات أن ينتقصوا من القيمة الفكرية والفلسفية للحركة الديمقراطية الأشورية التي نطرحها بين الحين والأخر ، بحجة أن فكر الحركة هو فكر سياسي بحت ، متناسين بإن مؤسسوا الحركة كانوا منذ البداية في وعي متقدم عندما اختاروا أو وضعوا كلمة " الحركة Movement " على اسم تنظيمهم بدلاً من كلمة " الحزب Party " لأن مفهوم الحزب يُختصر في إنه وسيلة فعالة لتنظيم مشاركة مجموعة الأفراد في الحياة العامة ويعمل على نشر الوعي السياسي بينهم ويقود نضالهم بهدف الوصول إلى السلطة وتحقيق برنامجهم . بينما مفهوم كلمة " الحركة " تعني التيار العام الذي يدفع الجماهير إلى تنظيم صفوفهم بهدف القيام بعمل موحد لتحسين حالتهم السياسية والأجتماعية والاقتصادية والفكرية .. ألخ  ( 10 ). وهناك بون شاسع في مفهوم الكلمتين .

 

وثمّة اعتقاد لدى البعض بأن الحركة الديمقراطية الأشورية قد جمعت افكارها ومبادئها من افكار ومبادىء ونظريات سابقة ، وكأن على المبدع أو المفكر أن يخلق ( الافكار والنظريات والفلسفات ) من العدم ، في حين يوجد شاعر وفيلسوف روماني " لوكرشيس " عاش قبل واحد وعشرين قرناً يقول ( لا شيىء ينمو من لا شيىء ( ( 11 ) .

 

أن رأي هولاء هو رأي غير متوازن ، وهو أقرب إلى المفاهيم العامة منه إلى المفهوم العلمي . لأنه لا يوجد في التاريخ البشري ( مفكر أو مبدع أو أي حركة أو تنظيم ) يخلق حالة فكرية أو فلسفية ، من دون الاستعانة بمرجعيات سابقة ، الكل يستمد افكاره من الذين سبقوه . من هنا فإن الابداع يأتي عند ربط الصورة الجديدة بالعناصر القديمة ، عندئذ يخطو ( المفكر أو المبدع ) خطوة كبيرة إلى الامام ، بأعتبار ما جاء به هو تأليف جديد ، لأن الجديد هو نتاج لسلسة طويلة من العقول المبدعة التي شاركت بطريقة ما في التمهيد لتكملة تلك السلسلة  .

 

وظائف المنطق عند الحركة

 

من خلال قرأتي الشخصية لفكر الحركة الديمقراطية الأشورية توصلت إلى استنتاج : بوجود ثورة في فكر الحركة على الفلسفات القديمة بوجه عام وعلى المنطق القديم على وجه الخاص ، لأن الحركة تؤمن بأنه من وظائف المنطق الأساسية هو أن يُقوم الفكر ويوجهه توجيهاً حقيقياً ، وفي نفس الوقت فأنه ليس أساس كل معرفة إنسانية . حيث إن المنطق القديم كان منطقاً استنباطياً وتحت هيمنة المنطق الصوري ( الذي يعني تطابق الصورة مع الواقع ) وقد ادى ممارسة هذا النوع من المنطق إلى تعطيل الفكر العلمي لقرون طويلة ( خاصة في العصور الوسطى ) . والحق فأن العلم لم يظهر إلا بعد أن تخلص الفكر الإنساني من المنطق القديم ،لأن الأخير كان يصلح للبحث عن الحقيقة ، واكتشافها ظهر للرد فقط على السفسطائيين وجل مغالطتهم العقلية ، لهذا كان الهدف من المنطق الصوري القديم هو : إقحام الخصم لا إكتشاف الحقيقة المطلقة .

 

وتأسيساً على ما سبق نقول : أن فكر الحركة الديمقراطية الأشورية قد تبنى منذ البداية المنطق الحديث ( المنطق الاستقرائي ) ، وهذا يبدو واضحاً من خلال المعالجات الأنية وطريقة الدفاع عنها بأستخدام القواعد في ادناه :

1 – بلورة الإشكالية .

2 – طرح الإشكالية .

3 – حل الإشكالية .

وكل هذه المعالجات تتم بأستخدام مناهج العلوم الحديثة ( المنطق الاستقرائي) الذي يقوم على أساس الانتقال من الجزئيات إلى الكليات ، عكس المنطق القديم الذي يقوم على أساس الانتقال من الكليات إلى الجزئيات أي أن يستنبط النتائج الجزئية الخاصة عن طريق الاعتماد على كليات عقلية عامة .

         

 

أمثلة  وممارسة

 

لتوضيح مبدأ أستخدام الحركة الديمقراطية الأشورية للمنطق الأستقرائي في ممارساتها الفكرية وسنأخذ الأطروحة ( موضوع الحقوق القومية والوطنية لشعبنا نموذجاً ) وسنأتي بمثالين بسيطين وذلك من خلال المقال الذي كتبناه قبل اربع سنوات تحت عنوان ( حقوق شعبنا بين رؤية وفكر زوعا والضرورة التاريخية ) ، الذي كان يبحث في أحدى فقراته عن المنطق السليم في فكر الحركة وكيف تعاملت الحركة مع الجزئيات( من حقوقنا ) للأنتقال إلى الكليات ( من حقوقنا ) . وأدناه الاقتباس مع بعض التغييرات بما ينسجم مع مضمون المقال .

 

المثال الأولى : نظرية الخيار المنطقي

The rational choice theory

 

ومضمون هذه النظرية هي كما يلي : لو كانت حقوقنا تقاس مثلاً على مقياس من واحد إلى عشرة ، ولشعبنا قدرات وأمكانيات ( سياسية ، اقتصادية ، أمنية ، ثقافية ، أجتماعية ) التي تقع ضمن العوامل الذاتية ، مضافاً اليها العوامل الموضوعية ( موقف المكونات الأخرى التي تعيش في المنطقة ، موقف الشعب العراقي ، موقف الكتل السياسية الكبرى ) وعاملي الزمان والمكان ، تفرض علينا في إطار هذه العوامل بالمطالبة بثلاثة من العشرة من الحقوق  ( التعامل مع الجزئيات ) . وهناك جهة أخرى ضمن أجندة مختلفة تدفع بعض من منظمات شعبنا إلى المطالبة بستة من العشرة من الحقوق ، مدركين جيداً بأن هذه النسبة هي فوق أمكانيات وقدرات شعبنا ، أبتداءاً من العامل الذاتي ومروراً بالعامل الموضوعي وأنتهاءاً بالعاملين الزمان والمكان ( التعامل مع الكليات ) ، فماذا يحدث بعد ذلك ، يحدث أنهيار كامل ورفض كامل لكافة الحقوق ( لا ستة من العشرة ولا ثلاثة من العشرة ولا حتى صفر من العشرة ) .

                                      

 

المثال الثاني : نظرية بناء المراحل

The stages development theory

 

وهي عملية الأستقراء للعوامل الموضوعية والذاتية الى طريقة جديدة للتفكير والبحث والتحليل ، تعتمد على طروحات ضمن الحلقات المتحركة تهدف للوصول الى الأستراتيجية التي تتغير هي الأخرى بفعل العوامل المؤثرة وصولاً الى الأستراتيجية الأبعد . وما طرح شعار ( الديمقراطية للعراق .. والأقرار بالوجود القومي الأشوري ) في عام 1979 م من قبل الحركة الديمقراطية الأشورية ، إلا المرحلة الأولى في عملية بناء المراحل ، حيث هيأت ( المرحلة الأولى ) الأرضية الضرورية للأنتقال الى المرحلة الثانية والتي تجسدت في طرح مشروع الادارة الذاتية ( الذي هو مشروع في تحرك دائم ) ثم ننتقل الى المرحلة الثالثة من التطور وحسب الدستوروضمن قانون الادارة المحلية الذي ( يحق لكل قضاء أو أكثر أو منطقة ذي خصوصية ثقافية ، لغوية ، أو تاريخية ، تكوين ادارة محلية بناء على طلب يستفتي عليه بأحدى الطريقتين :

أ – طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس الأقضية أو النواحي التي تروم الإندماج وتكوين الأدارة المحلية .

ب – طلب من عشر الناخبين المسجلين في كل قضاء أو ناحية أو منطقة تروم تكوين الأدارة المحلية.

 

وأستمراراً لنظرية بناء المراحل ، وبعد تقوية أركان كل مرحلة من هذه المراحل ، يحق لنا المطالبة بأستحداث محافظة من قضاءين ( تلكيف والحمدانية بحدودهما الإدارية ) وصولأً الى المرحلة التي هي الأكثر تقدماً في سقف المطالب في الحقوق القومية ، وهي تطبيق المادة ( 119 ) من الدستور العراقي الذي ينص على ( يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين اقليم بناءاً على طلب بالأستفتاء عليه بأحدى طريقتين ( الطريقتان مذكورتان في أ - ب اعلاه ) ، انتهى الاقتباس . أنظر كيف تتعامل الحركة – زوعا مع الجزئيات من حقوقنا لكي تصل إلى الكليات من حقوقنا ، وهذا المنهج هو الممارسة العملية للمنطق الأستقرائي الحديث . وقد نشهد مستقبلا تطورا في استراتيجيات الحركة من خلال تبني طروحات وأهداف جديدة بحسب ما تقتضيه ضرورات العمل بنظرية الخيار المنطقي واللجوء لنظرية بناء المراحل .

 

 

ومن جهة أخرى فإنه من الضروري أن نشير إلى إنه لا يهمنا أن نعرف تفاصيل مفهوم الحركة – زوعا للمنطق في جانبيه ( الحركي والسكوني ) فهذا الأمر ليس من اهتمامنا في هذا المقال ، إنما الذي نريد أن نعرفه لماذا الحركة تبنت في فكرها المنهج الأستقرائي وتجنبت التعامل مع المنهج الاستنباطي . والجواب كما في الأتي :

 

اولاً : إن كافة الدراسات تؤكد على إن اهم المبادىء الأساسية التي يقوم عليها المنطق القديم           ( الصوري / الاستنباطي ) هو مبدأ الماهية ( الماهية الثابتة) الذي يحتوي على ثلاثة قوانين وهي :

 

1 – قانون الذاتية : وهو القانون الذي يتعامل مع كافة الأشياء في حقيقتها الثابتة التي لا تتغير مطلقاً ، لأن للأشياء خصائص ومميزات ووجود حقيقي لا يمكن أن تتغير ، وأن حدث ذلك فهذا دليل على فقدان الأشياء لوجودها الحقيقي .

 

2 – قانون عدم التناقض : وهو القانون الذي يتعامل على أن النقيضان لا يجتمعان ، فأذا كان الشيء جميلاً فلا يمكن أن يكون قبيحاً ، على أعتبار أن الجميل يكون دائماً جميلاً في جميع صفاته ، والقبيح يكون قبيحاً في جميع صفاته .

 

3 – قانون الوسط المرفوع : وهو القانون الذي ينص على أن ليس هناك منطقة وسطية بين النقيضين  فأما الأشياء جميلة أو قبيحة ولا مجال بينهما لشيء ثابت .

 

ويتضح من ذلك ، وخصوصاً عندما نستقراء ونبحث في فكر الحركة – زوعا نجد أنه قائم على نقض القوانين اعلاه ، وبشكل خاص القانونين في ( 1 و 2 ) والسبب في ذلك لأن الجانب الحركي في زوعا قائم على نقض قانون الذاتية ، والجانب السكوني في زوعا قائم على نقض قانون عدم التناقض وكما مبين ادناه :

 

أ – إن الجانب الحركي في فكر الحركة – زوعا ( قانون الذاتية )  قد تبنى كما اسلفنا النظرية الحديثة التي تقول : أن المجتمع البشري في تغير دائم ومستمر ، ولا يوجد حدود ثابتة يقف عندها هذا التغير  ومجتمعنا هو جزء من هذه المجتمع البشري .

 

ب – أما الجانب السكوني في رؤية الحركة – زوعا للمجتمع فإنه يخالف قانون عدم التناقض ، لأن الحركة تؤمن بأن مجتمعنا له صفات متناقضة تجمع بين الجميل والقبيح بين الصالح والطالح .. ألخ .  إذن لهذين السببين فقد تبنت الحركة في فكرها المنطق أو المنهج الأستقرائي

 

ثانياً : أما عن أسباب تجنب الحركة من التعامل مع المنطق الاستنباطي ( القديم ) فيعود على أن  المنطق الاستنباطي يهتم بصورة الفكر بعيداً عن مادته ( الواقع ) ، أي أن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة ، لكنه لا ينطبق مع الواقع .

 

اخيرأ ، نستطيع أن نقول بأن الحركة الديمقراطية الأشورية قد تبنت المنطق الأستقرائي إيماناً بأن هذا المنطق يتعامل مع الحقائق المطلقة المتحركة ومع الحقائق الحياتية الواقعية ، بالإضافة على أن مجتمعنا هو عبارة عن منظومة متفاعلة وفي صيرورة دائبة وتغير مستمر ، لذلك فإن الحركة لا يمكن أن تتبنى مبادىء وأفكار المنطق القديم الذي يتعامل مع الحقائق المطلقة الثابتة ، ومع الحياة الطوباوية البعيدة عن الواقع .

 

 

هوامش ومصادر:

 

1 – عبد الرحمن بدوي ، الموسوعة الفلسفية ج 2 ص 473 .                                               

2 – راجع تاريخ المنطق في الغرب تأليف ك . برانتل ص 535 – 536 .

3 – بوئتيوس 475 – 524 م . فيلسوف وسياسي روماني اتهم بالتأمر ضد الملك القود ثيودوريك ملك روما واعدم سنة 524 م . ( انظر الموسوعة الفلسفية تأليف بدوي )

4 – الرواقية : مذهب فلسفي ظهر في اثينا وكان رائده زينون الرواقي واستكمله بعد ذلك تلميذه كليانتس ، وقد كان أقدر على التحصيل وأقل في درجة الفهم ، وأخيراً جاء كريسيفوس الذي يعد المنظم النهائي للمذهب الرواقي . وتمتاز الرواقية بثلاث مسائل رئيسية : الأولى أن الفلسفة الحقيقية هي الفلسفة العملية ، والثانية أن الفلسفة العملية هي التي تقوم عل العمل المطابق للعقل ، والثالثة أن العمل المطابق للعقل هو الذي يجري بمقتضى قوانين الطبيعة . ( المصدر السابق ص 527 ) .

5 – جالينوس 130 – 200 م . طبيب وفيلسوف يوناني ، لكنه عاش في روما له 500 كتاب في الطب بقي منها 83 كتاب فقط .

6 –الكسندرافرودسيس : فيلسوف وجدلي ومن اكبر شراح أرسطو في العصر اليوناني – الروماني وهو ينسب إلى ديزياس في منطقة كاري في اسيا الصغرى ، عاش في الربع الأخير من القرن الميلادي الثاني والربع الأول من القرن الثالث ، وقد عهد إليه تدريس فلسفة أرسطو في اثينا بين اعوام 197 – 211 م . وثمة ما يشير إلى أنه أقام مدة من الزمن في روما حيث يحتمل أنه لقي جالينوس .

7 – راجع كتاب ابن سينا منطق المشرقيين ص 6

8 – الأبيقورية : نسبة إلى مؤسسها أبيقور 341 – 270 ق . م . الذي جعل الأخلاق هي الأساس في كل مذهب فلسفي ، ويعتقد بأن الأصل في كل معرفة هو الحس ، فعن طريقه وحده تتم المعرفة ، والحس لا يخطىء ، وإنما الذي يحدث هو أنه تأتي إلى الحواس عن الشيء الواحد صور متعددة  والناس تختلف في إلتقاطها لهذه الصور، فهذا يلتقد صورة وذاك يلتقد أخرى وهكذا .. مع أن الموضوع واحد بأستمرار ، ومن هنا ينشأ الأختلاف فيما بين الناس بعضهم وبعض . فالأصل إذن هو الحس دائماً ، وإنما يأتي الأختلاف من الصور الصادرة إلى الحواس عن الموضوعات ( أنظر كتاب الموسوعة الفلسفية تأليف عبدالرحمن بدوي ج 1 ص 82 )

9 - انظر كتاب منطق ماركس تأليف الفيلسوف يندريش زلني ص 7 .

10 – انظر الموسوعة السياسية الجزء الثاني ص 222 وص 310 .

11 – لوكريشيوس 99 – 54 ق . م . فيلسوف وشاعر روماني لا يعرف عنه الكثير ، أذ أن المصادر التي تذكره قليلة جداً ولا يعرف عن حياته سوى أنه عاش في الفترة التي كانت الامبراطورية الرومانية منشغلة بغزواتها وحروبها ، ومن الذين عاصره في تلك الفترة يذكر منهم الشاعر" فرجيل " الذي يذكر لوكريشيوس  في احدى قصائده دون ذكر اسمه الصريح ، بالإضافة إلى الخطيب الروماني الشهير " شيشرون " حيث يذكره في احدى رسائله إلى أخيه قائلاً : إن في بعض أشعار لوكريشيوس عبقرية نادرة . أما الكاتب والفيلسوف الاسباني الامريكي المعاصر جورج ستنيانا 1860 – 1952 م . يقول في مقالته ( ثلاث شعراء فلاسفة ) لوكريشيوس – دانتي – غوته .. أن لوكريشيوس كشاعر الطبيعة لا نظير له . ويقول الشاعر الانكليزي " بيرسي شيلي 1792 – 1882 م . " في مقالته ( دفاعاً عن الشعر ) أن لوكريشيوس يسير إلى جنب مع الشاعر شكسبير وملتون .