لانحتاج وزيرة!!

 

                      

                                                                            علياء الانصاري

               

             عندما كنت صغيرة، أعتقدت بأن صغر سني سببا في عدم سماع الآخرين لصوتي، وعندما كبرت مازال الآخرون لا يسمعون صوتي!

كانوا يقولون لي فيما مضى: أنت صغيرة لا تفهمين شيئا، لم يحن وقتك بعد!

وعندما كبرت قالوا: أنت أمرأة، عيب عليك أن تناقشي الرجال (اب، أخ، زوج، زميل، حاكم)، أو أن تفهمي أكثر منهم!

وهذا ما أقوله الآن لصغيرتي!! وما ستقوله صغيرتي لصغارها في قادم الأيام.

اللطيف أننا نعيش في عالم يدور بشكل سريع، يدور حول التطور والتقنية الحديثة والاكتشافات المذهلة في كل شيء.. وندور نحن حول أنفسنا، لنناقش: هل تصلح المرأة لأن تكون وزيرة؟! هل نسبة الكوتا دعم لعمل المرأة السياسي، هل تناسب واقعنا مرحليا أم لا؟! لماذا لا يوجد لدينا مدير عام أمرأة؟ لماذا لا نملك حزبا تقوده امرأة؟! وأمتلأ عالمنا بعلامات استفهام تدور حول نفسها في دهشة من أمرنا!

والمدهش أيضا، أننا أنشغلنا في البحث عن أجابات لعلامات الاستفهام هذه، ولم نشعر بأن عالمنا أصبح هذه العلامات.

ولأن الجميع مشغول بالبحث عن علامات استفهام جديدة يضيفها الى اللائحة العتيدة، فسأكون واحدة منهم، لأتساءل: هل يصلح الرجل ليكون وزيرا لكونه رجلا؟ وهل رجولة الانسان كفيلة بأن تفتح له أبواب الخيرات في الدنيا والآخرة؟! هل الرجل يصلح لأن يكون مدير عام؟ وهل الاحزاب التي يقودها الرجال حققت أحلام جماهيرها؟!

هي علامات استفهام أخرى تدور حول نفسها، ولكنها لن تدور حول واقعنا، لان هذا الواقع لا يؤمن بعلامة (لانها مؤنث)، ولكنه يؤمن بالاستفهام (لانه مذكر)، فليستفهم الآخرون عما لا يعرفونه، ولكن محذور عليهم ان يطلقوه كعلامة!!

فعلامة الاستفهام، تعني أنك تفكر.. وربما يقودك التفكير الى الرفض، ومن ثم الثورة، وفي ربيع الشعوب العربية – كما بدأوا يسمون زماننا – الثورات ضد الاصنام السياسية مباحة ولكن ضد الاصنام الاجتماعية والعرفية لم يأن زمانها بعد!!

اما الاستفهام، فيمكن ان نستفهم عما لا نعرف، فنعرف.

المهم ان معرفتنا لا تقودنا الى الرفض، فكم هي الاشياء التي نعرفها ولكنها لا تحرك فينا ساكنا ولا تقودنا الى التفكير أو الرفض.

بونٌ شاسع بين من يستفهم، ليعرف لماذا لا يُسمع صوت المرأة، وبين من يطلقها علامة استفهام؟!

نحتاج في مرحلتنا هذه، الى علامة استفهام صادقة وجريئة، حول قضايا المرأة، وخاصة في موضوعة (صناعة القرار).

فكيف لي أن اتحدث عن مشاركة للمرأة في صناعة القرار، وهي لم تتعلم بعد كيف تعبر عن نفسها، كيف تثق بنفسها، كيف تميز بين أنوثتها وإنسانيتها، كيف توازن بين أدوارها في الحياة؟!

من الذي جعل المرأة هكذا.. الرجل؟ المنظومة التربوية؟ المنظومة الاجتماعية؟ النظم السياسية؟ أم المرأة نفسها؟!

أنا لا أستفهم، لأني أعرف.

بل أنا أطلقها علامة استفهام، للنساء قبل الرجال.

علامة استفهام لحملة مدافعة كبرى، ضد أنفسنا نحن النساء أولا.. أن نتعلم كيف نفكر بعد ان تعودنا على أن يفكر لنا الآخرون.

أن نفهم بعضنا البعض، وأن نساند بعضنا البعض، وأن نحمي بعضنا البعض، وأن نشد أزر بعضنا البعض.

أن نتعلم كيف نصنع قرارنا بأنفسنا، بعد ان آلفنا أن يُصنع لنا ذلك!

علينا أن نوحد عوالمنا المتشرذمة المتناثرة، فأقسى ما يؤلمني أن أرى المرأة نفسها مستسلمة لواقعها، راضية بما خططوا لها، مدافعة عن عالم صنعه الآخرون لها، وبذكاء تبرر ...

أعتقد بأن في المرحلة الحالية، لسنا بحاجة الى امرأة وزيرة، (فقد تساوى الرجال والنساء في عدم الكفاءة)، نحن بحاجة الى أمراة قادرة على التغيير، تغيير نفسها وواقعها، وذلك لن يحدث إلا بعد أن تصبح المرأة صانعة قرار، لنفسها ولمجتمعها.

وحينها سنتحدث عن امرأة رئيسة وزراء!!