منح الحصانة للأمريكيين خطوة لابد منها

 

                     

 

                                                  
                                          
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

             تحتم مجريات المرحلة الراهنة في العراق وخاصة مع وجود أطراف وإن بدت جزءاً من العملية السياسية وشركاء فيها، ألا أنها لازالت تولي لغة السلاح أهمية خاصة في ترجيح موقفها وفرض أجندتها الهادفة لمصادرة سلطة الدولة في العراق. هذا من جانب، ومن جانب أخر فإن ذات الأطراف الداخلية ليست بمنأى عن التبعية لمخططات خارجية تهدف الى مشاطرة ادارة العراق السياسية صناعة القرار بل وتكريس الذيلية لما بعد إختفاء الأمريكيين من العراق. ويقتضي مع ماسلف عدم المزايدة والتشنج في الموقف التفاوضي بخصوص ابقاء عدداً من الخبراء والمدربين الأمريكيين لتأهيل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تدريبا وتجهيزا، وإن كان ذلك مع الحصانة التي يطالب بها الجانب الأمريكي لبقاياه في العراق.

للأسف يحلّق بعض النواب العراقيين في فضاء المزايدات الإعلامية الى الدرجة التي يبدون فيها صغارا في أعين المراقبين في داخل وخارج العراق، حين يصف البعض منهم (منح الحصانة) بـ " إنتهاك للسيادة العراقية وإهانة للشعب العراقي"، ليبدو استغفالا واضحا للرأي العام العراقي من جانب هؤلاء، خاصة عندما يصحو النائب من غفوته ليتحفنا بتصريحات فات أوانها.. حيث أن منح الحصانة فيما سبق وعندما كان الوجود الأمريكي ذو مهام قتالية جزءا منها داخل المدن العراقية وعلى احتكاك مباشر مع المدنيين العراقيين، يصح معه قول ذلك، أما اليوم وبعد أن إتضح الغرض من التواجد الرمزي الأمريكي فلا ينطبق عليه قول النائب حامد الخضري الذي ساق هذه التصريحات مؤخرا أو غيره من المزايدين على الانتماء الوطني للحكومة العراقية. لقد فات أوان هذه الاعتراضات، وكان من الممكن أن تثمر فيما سبق وعندما كانت المهام من نوع آخر ولم يكن ينطوي عليها أية جدوى أمنية وسياسية كالتي نحن بصددها اليوم.


كما لايخفى على أحد، فان العرف الأمريكي العسكري السائد في المهام الخارجية (ما وراء البحار) يقتضي بالدرجة الأساس منح أفرادهم الحصانة القانونية في الدول التي يتواجدون فيها وحتى في الدول الأوربية التي يعدها البعض بديلا أنسب لتدريب وتجهيز القوات المسلحة العراقية: أي أن الحال ليس مقتصرا على العراق وحسب.. ومن غير المتوقع أن يستثني الأمريكيون وجودهم في العراق من هذه الأعراف التي وفي حال تنازل الجانب الأمريكي عنها ستدفع بدول أخرى الى المطالبة بما تطالب به بعض القوى السياسية العراقية من الأمريكيين اليوم. 

ثم أن الانسحاب الأمريكي التام وغير المسؤول من العراق (الذي تطالب به بعض الكتل السياسية العراقية) وفي هذه المرحلة بالذات، يعد شكلا من أشكال الإستثمار السياسي لإدارة البيت الأبيض الحالية وخاصة (الحزب الديمقراطي)، فإنه ومع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية يعد إطلاقاً ليد الادارة الحالية في استخدام الضربات العسكرية الخاطفة واعتماد التغيير المفاجئ هنا وهناك  لتعزيز رصيدها الانتخابي أو نزولا عند رغبة مجموعات الضغط في الداخل الأمريكي خاصة مع الإخفاقات الإقتصادية والسياسية التي تمر بها هذه الادارة اليوم، وكذلك اذا ما أدركنا أيضا، حقيقة عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق لايعني خسارة للنفوذ الأمريكي، فهناك من ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ليتسنى له لعب دور الوكيل في غياب الأصيل ورحيله أو بالأحرى في حال نزوحه الى قواعد أخرى على مرمى العراقيين في شمال الكويت وجنوب تركيا أو لربما في بقعة ما من العراق.

كان من الممكن أن تكون الحصانة عائقا في المفاوضات عند توقيع الاتفاقية الأمنية في بادئ الأمر وكان من الواجب علينا أن ننحني لمن طالب بها آنذاك، أما اليوم فإن طبيعة المهمة وهشاشة الوضع الأمني والسياسي في العراق والمخاطر المحدقة بالعملية السياسية في العراق تجعل من اصرار البعض على تجريد الوجود الرمزي الأمريكي من الحصانة ترفا سياسيا ومزايدات اعلامية فارغة لاتسمن ولا تغني من جوع.