المحاصصة الطائفية والاضطراب الأمني

 

                     

                                               

                                                      يوسف زرا

             عندما سقطت بغداد على يد قوات الاحتلال في 4/9/2003 ، كان هناك من يطل من شرفات الدور والعمارات الى ميادين وشوارع مدينة بغداد وضواحيها ، لعله يرى بعض من تلك القوات قد دخلت العاصمة تحمل باقات من الزهور العطرة الى الشعب العراقي كهدية تقليدية كما هو متبع في زيارات المعارف والاقارب والاصدقاء الى الراقدين في المستشفيات ليشحنوا المعنوية في نفوسهم ، ولينسوهم هموم المرض ومخلفاته ، وكان له ما يبرره لانه الشعب العراقي بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والقومية والدينية ، كان غير مصدق بسقوط النظام الذي كان كالكابوس الاسود جاثمآ على صدره ولا يفارقه ليل نهار.

وكان هناك ايضآ من يراقب الحدث بحذر وفي قرار ذاته يعلم ان المحتل لا يمكن ان يقدم للوطن وللشعب في كل زمان ومكان غير بذور التفرقة ذي الرائحة النتنة، وانه خبير في كيفية بث الاحقاد والكراهية بين فصائل المجتمع ،لابل بين عروسين ولم يبدأ يومهما الاول من شهر العسل المنتظر، ولم يكن خافيآ على كل القوىالوطنية والديمقراطية التي كانت الى تلك اللحظة تئن من ثقل وهول القمح الوحشي لها طيلة العقود الاربعة المنصرمة وعلى يد الفئة القومية المتطرفة والتي فاقت في إهانة وأذلال كل من تجرئ وبأي شكل كان على معارضة فاشية الحكم وعنصريته، والذي لم تخل عائلة واحدة وإلا ترى الوشاح الاسود قد أصبح زيآ دائميآ لأفرادها صغيرها وكبيرها بسبب فقدان أحد فلذات اكبادها او أكثر في حروبه المتواصلة ولمدة عقدين من السنين.

وكانت القوى الوطنية والديمقراطية قد تمزقت وتشتتت ، لابل ضعفت واختفت غالبية قياداتها وكوادرها السياسية من الميادين في مدن العراق وقصباته. واصبحت مهمشة وحتى في الخارج ولا يسمح لها صوت ولا نداء إغاثة وحتى من الأقربين اليها ومن أبناء الوطن ذوي النفوذ الديني والمتشبثين بالمذهبية المقيتة.

كانت تلك القوى تعقد المؤتمرات واللقاءات في بعض دول الجيران العربية منها وغير العربية، الى جانب الدول الغربية ذي المنشأ الاستعماري القديم كبريطانيا وفرنسا وحليفتهما الكبرى الولايات المتحدة الا مريكية.

والتي إمتد ذراعها العسكري الطويل الى الكثير من بقاع الارض في أسيا وافريقيا وبالذات دول الشرقين الادنى والاوسط وغيرها. وخاصة منذ اوائل النصف الثاني للقرن العشرين الماضي والى هذا اليوم، ولا بد هناك دول مرشحة سلفآ للتدخل العسكري في شؤونها الداخلية بهذه الصورة او تلك.

كانت سياسة المحتل تعتمد على تأجيج الضغائن والاحتقان المذهبي والقومي التاريخي، والذي كان سائدآ بين المكون العربي الكبير ـ السنة ـ الشيعة.

ومن الجانب الاخر بين القوميتين الكبيرتين العرب والاكراد.

اما الاقليات الاخرى ،الكلدان ، السريان، الاشوريون، الا يزيدية والصائبة المندائيون والتركمان. فكانت كلها منسية ومغيبة كليا او جزئيا، وصنفت بالطوائف الدينية، عليها ثقل الواجبات في جميع مرافق الحياة ومفرداتها، ولا حقوق دستورية صريحة لها.

ورغم ما قاساه الشعب العراقي بجميع مكوناته المذكورة من النظام السابق، ولاحاجة لفك الجروح القديمة. الا ان النخبة السياسية والمثقفة لكلا الفصيلين الكبيرين دينيا ومذهبيا وقوميا لم تعِ ولم تنتبه الى لعبة المحتل منذ اللحظة الاولى بدءا بعهد بول برايمر مرورا بمجلس الحكم، وكان الشعب العراقي يراقب ويتابع بكل شوق ولهفة كيف تسير الامور في الحكومة الاولى برئاسة الدكتور اياد علاوي المنبثقة من الانتخابات الاولى التي جرت عام 2005 وتلتها الحكومة الثانية برئاسة الدكتور نوري المالكي المنبثقة هي الاخرى من الانتخابات الثانية عام 2010 والحالة لم تتغير، بل مرّت من سيء الى اسوأ. ثم طغى فقدان الامن واستفحل العمل المنظم والموجة لقوى الارهاب والاغتيالات وبدم بارد. الى جانب ما فيه الفساد المالي والاداري والسياسي. ولم يعد خافيا على احد لهذا المنزلق الخطير والصراع الدامي على كراسي الحكم والتشبت وبطرق غير قانونية ولا دستورية.مما ادى الى زيادة تدهور الوضع الامني وتفاقم ظاهرة البطالة بين مختلف الاعمار الشبابية ولكل الجنسين من الخريجين والخريجات من مختلف الكليات والمعاهد. وشراسة الارهاب ضد الاقليات بصورة خاصة ومحاولة تصفيتها من العاصمة بالذات وبعض المدن الكبرى، مما ادى الى هجرتها لها وبشكل جماعي لتلك الاقليات وفي مقدمتها -الكلدان اشوريين سريان واليزيدية، ونزوحها الى بعض محافظات كردستان العراق والى خارج الوطن. كما زادات عمليات الاغتيالات الفردية واعمال القتل الجماعي بواسطة الاسلحة كاتمة الصوت والسيارات المفخخة، ولم تنج دور العبادة من الجوامع والكنائس ورجال الدين من العدوان المباشر وخاصة في مدن بغداد والموصل والرمادي وكركوك وبعقوبة وغيرها، وصاحبتها منذ فترة عشرات الحرائق في الكثير من مؤسسات الدولة وذات العلاقة المباشرة بالفساد المادي، وكل ذلك يصب في خانة الخيانة والاهمال المتعمد من قبل بعض الافراد المرتبطة بالاجهزة الامنية المختصة، او مخترقة من قبل القوى المعادية للديمقراطية والاستقرار الامني والانهيار الاقتصادي. وسبب ذلك هو غياب ملاحقة مرتكبيالجرائم المذكورة بصورة جدية بسبب حمايتها من بعض كبار مسؤولي الدولة وذوي النفوذ السياسي والديني في البنى التحتية للمجتمع.

وفي هذه الحالة بقاء الوضع كما هو.فلابد ان يؤدي الى انهيار الحكومة الحالية المشكلة باسم "الشراكة الوطنية" وهي في الواقع حكومة المحاصصة المذهبية والطائفية لاغير.

وليس خافيا على احد ما يحدث بسبب الصراع الطائفي والاضطراب الامني. فهو دليل على اولوية الكراسي لدى كبار مسؤولي الكتلتين، وتوزيعها وان كانت على شكل وزارات ثانوية، كفرصة نادرة لها للاستثراء غير الشرعي من خلال استغلال المناصب الرسمية الكبيرة وتمرير صفقات العقود الوهمية والتي من خلالها يتم جني الملايين من الدولاات، وكما كشفتها بعض اجهزة الامن المختصة وبالجرم المشهود. ولم تتمكن السلطات الفضائية من ملاحقتهم ومحاكمتهم لان غالبيتهم ينتمون الى الكتل المتنافسة والمتصارعة على كراسي الحكم. مما ادى غالبيتهم الى تفكك المشاركة الوطنية في الحكومة الحالية رغم احتفاظ كل فئة بعدد من الحقائب الوزارية. وان تفاقم الخلافات بين كتلة دولة القانون والعراقية بسبب عدم تنفيذ بنود اتفاقية اربيل حول الوزارات السيادية والمؤسسة العليا للسياسات الاستراتيجية، وتعنن الطرفين يرفض مما تقدم من الاسماء لاشغالها، مما ادى الى استفحال الاضطراب الامني والنشاط الارهابي والتصفية الجسدية للحضوم المشخصة للطرفين، واضطرت قيادة اقليم كردستان الطرق التدخل ثانية ومحاولة تضيقق ثقة الخلافات بين الكتلتين المتنازحيتن على كراسي السلطة وعكس ذلك حتى على واجبات مجلس النواب العراقي في تأخير البت والموافقة على مجموعة قوانين اساسية ملحة آنية واكتسابها الشرعية القانونية ومنها قانون الاحزاب السياسية وقانون العفو العام وقانون النفط والغاز وغيرها وبهذا اصبح الدستور العراقي معطلاً والحياة اليومية مشلولة.

فاين حرسكم يا اصحاب السيادة والنفوذ السياسي والاجتماعي على مستقبل الديمقراطية والمواطنة الصحيحة وقدسية الارض وكان الركض وراء الكراسي الزائلة خسارة عظيمة للشعب العراقي وضربة موججحة لاماله وتطلعاته المشروعة. في العيش الكريم، فلابد لمكونات هذا  الشعب بعربه وكرده وباقي الفصائل من الاقليات المذكورة اعلاه ان يطمئنوا لمصيرهم ولمستقبلهم في هذا الوطن وهم على الاستعداد وبدون استثناء او مزايدة سوقة تقديم كل التضحيات المطلوبة كما كانوا عبر المئاات من السنين كمكون واحد تربطه بترابه ومياهه وسمائه الوطنية التاريخية، ولا بد ان نعي جميع الاطراف على ذلك.... والا فان المصير المجهول لهذا الوطن وشعبه وارد في حسابات الاعداء باسادة باكرام ولا مفر من ذلك.