ندوة مدافعة حول مستقبل الأقليات في العراق

"مشاركة  الأقليات في الحياة العامة، ترسيخ لمبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنة"

 

 

                                                                                              

                                                                                                            لويس إقليمس 

                                                                                          

             هذه الندوة الحوارية، تأتي لمناسبة صدور التقرير السنوي لعام 2010 ، للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، ومقرّها في لندن، بالتعاون مع مجلس الأقليات العراقية، وكذلك لمناسبة الأحداث المأساوية الأخيرة التي ضربت كردستان العراق الذي كان للأمس القريب، أحد الملاذات الآمنة للذين ضاق بهم العراق، على سعته، والذين فروا من حقد الإرهابيين ووجدوا فيه شيئًا من الأمن والاستقرار، بحسب وعود القيادات الكردية وحرصها على تأكيد ذلك في مناسبة وبدون مناسبة.

منذ سقوط النظام السابق، والأقليات موضع تهميش وإهمال وإقصاء من مواقع القرار، بل واحيانًا من تمييز واضح في مجالات عديدة في الحياة العامة وفي السياسة، علاوة على ما عانته وما تزال تعانيه من أعمال عنف وتهديد وتهجير تمنعهم وتحول دون وصولهم إلى أشكال الحياة اليومية الطبيعية في الوطن.

لاحظنا في مجلس الأقليات العراقية، كما رصدتم جميعًا ومعنا كل الوطنيين والناشطين، ومن خلال برامجنا المتواصلة في رصد حقوق أبناء الأقليات لغاية الساعة، أن أبناء هذه الأقليات يكادون أن يصلوا إلى قطع حبل الرجاء بمستقبلهم في هذا البلد، كثير الخيرات وقليل الاستقرار، والذي كان يتمتع نسبيًا، وإلى حقبة السنين الغوابر القليلة الماضية، بقدر وافٍ من الاستقرار ومن التعايش السلمي بين أبناء جميع المكّونات القومية منها والدينية على تنوعها واختلافها على السواء. فماذا جرى؟ هل إن الاحتلال الدولي بقيادة أميركا، كان هو السبب وراء كل هذه المصائب؟ وهل هو حقًا بصدد تنفيذ استراتيجيته الجديدة القديمة، من أجل تغيير خارطة الشرق الأوسط، والعراق جزءٌ من هذا المخطط؟ هل يقصد بالتغييرات الدراماتيكية التي تولاّها منذ عام 2003، تفتيت النسيج الاجتماعي الوطني وطمس معالم الحضارة العراقية التي بناها العراقيون من كافة الملل والطوائف والقوميات والأديان والشعوب، ورووها بدمائهم سخية من أجل إعلاء شأن الوطن والأمة؟ ماذا ننتظر اليوم، وإلى ماذا ننظر؟ هل نؤمن بالواقع المرير ونسدل الستار عن إمكانية استعادة العراق لعافيته لسنوات طويلة قادمة من مستقبل قاتم، مجهول الهوية؟ ما هو مستقبل شعوب الأقليات التي أحالها الزمن إلى حلقات ضعيفة في المجتمع؟ هذا ما نريد التحاور بشأنه ورصد الخطوات الممكنة لمناصرة أبناء الأقليات والمدافعة عن حقوقهم وهويتهم وخصوصياتهم وتقاليدهم وإرثهم في أجواء من التعايش والتآلف الأهلي المرتجى.
نحن اليوم، وبالرغم من التحسن الطفيف في الوضع الأمني عمومًا، نجد أنفسنا أمام واقع مرير ومستقبل مجهول، حيال موضوع مشاركة العراقيين من أبناء الأقليات في شؤون الحياة العامة التي يجدون أنفسهم في أحيانٍ كثيرة خارج حسابات الكتل السياسية المهيمنة على الحكم، بفعل حقيقة تقاسم الأخيرة للسلطة. تقول المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، شريك مجلس الأقليات العراقية، في تقريرها لعام 2010 الصادر قبل أيام بالإنكليزية، وفي جزء من تقريرها لعام 2011 المخصص للشأن الأمني، بوجود حاجة لتغييرات قانونية وسياسية للحد من التمييز الحاصل بسبب دوافع سياسية وعرقية. وبحسب ما ورد في التقرير، لوحظ وجود تمييز بحرمان أبناء الأقليات في تبوّء المناصب السياسية العليا والوظائف الهامة أو في الحصول على العمل المناسب في دوائر الدولة وفي الوصول للرعاية الصحية المناسبة والتعليم وفي الممارسة الآمنة للثقافة والفنون وفي مجال تنمية الموارد البشرية والخدمات البلدية ودعم طاقات الشباب والمرأة. إذ يرى العديد من أتباع الأقليات في العراق، ،طبقًا لنتائج الاستبيان، أنهم يجدون أنفسهم في معزل عن باقي المجتمع في مجالات عديدة في الحياة العامة، ما تدعو الحاجة إلى مزيد من الحوار والتسامح والمصالحة ووضع قوانين شاملة الإطار، بالاعتماد على دستور مدنيّ يحترم كلَّ العراقيين بكل خصوصياتهم، ومنها العمل على إلغاء كل ما يحتويه هذا الدستور من أنواع التمييز والفوارق في رسم السياسات الوطنية الحقيقية المحتكرة حاليًا من قبل المثلث (الشيعي- السني- الكردي) المهيمن على كل مفاصل الدولة، بسبب تطبيق نظام التوافق المستند على المحاصصة الطائفية التي لم تترك شيئًا لباقي المكونات القليلة العدد، وهي الأصيلة في الوطن.

وفقا للتقرير أيضًا، يظل الحق في العبادة وفي التعبير عن حرية الدين والمعتقد، مشوبا بالكثير من التساؤلات بسبب ثقافة التطرف الإلغائية الجديدة التي غزت المنطقة، ومنها العراق أيضًا. هذه الثقافة الغريبة التي دخلت مجمعنا مع الغزو الأميركي في 2003، لا تقبل أن تقرّ بقبول الآخر المختلف عنها في الدين أوفي العرق أوفي المذهب، بالرغم من تعبير الحكومات المتعاقبة عن احترامها لكل الأديان والأطياف. إلاّ أن الواقع يصطدم بصعوبات وممارسات يومية تصرّ على إهمال حقوق الأقليات الأساسية، واستمرار استبعادها من مواقع القرار في مجمل الحياة اليومية، بعلم وبمرأى من القيادات السياسية الحاكمة. من ضمن النسب التي حصلنا عليها، تقول المجموعة الدولية، بأن47 في المائة فقط، من المستجيبين للاستبيان، شعروا بالأمان لدى زيارة أماكن العبادة، أي للصلاة والزيارة. ناهيك أن النساء من مجتمعات الأقليات خاصة، يخشين السير أو الخروج من المنزل سافرات أو ارتداء الرموز الدينية والتقليدية علنا​​، خوفًا من كشف انتمائهن إلى دين أو قومية معينة، وذلك في إجراء إحترازي من أجل حماية أنفسهن من الاستهداف أو من التحرش في الشارع أو على طول الطريق المؤدي إلى مواضع العبادة، ولاسيّما في نقاط التفتيش القائمة، وما أكثرها.

الأسباب التي تم رصدها مجتمعة، في استبياناتنا للأعوام 2009، 2010 و2011 معًا، تكمن في التحيز العرقي أو السياسي أو التعصب الديني الحاصل من قبل جهات عديدة ومنها الكتل السياسية المهيمنة على سياسة العراق وثرواته، وكذلك بسبب الدستور الذي كُتب على عجالة كي يتوافق حصرّا مع مصالح الكتل المهيمنة التي كانت ادّعت وقوع الظلم عليها وحدها فقط أيام النظام البائد، دون غيرها. ولكن، كيف يمكن لمن كان يشتكي، وقوعه ضحية ذلك النظام، بسبب من الظلم والتهميش والقهر والإقصاء ووسائل الدكتاتورية ومن التمييز في الحياة العامة، أن يمارس نفس السياسات الإقصائية  وأكثر منها، حين وصوله إلى السلطة؟ فهل يمكن أن يتحول الضحية إلى جلاّد بين ليلة وضحاها؟

 

اليوم، الخوف لدى المسيحيين والصابئة المندائيين والآيزيديين والبهائيين وغيرها من المكوّنات العرقية التي تختلف في ديانتها عن دين الأغلبية، لايزال على أشدّه، لاسيّما من قبل التكفيريين وأصحاب الأفكار الضيقة المنغلقة، الذين يفتون بإبادة كلّ ما يختلف عنهم وبإلغائه، لكونه ليس منهم وباعتباره كافرًا وليس إلهيًا، واضعين أنفسهم مقام الله في الحكم، وهو الديان الوحيد على أفعال البشر. إن هذه الظاهرة الخطيرة، تستدعي اليوم، فعلاً وطنيًا تثقيفيًا جماعيًا جدّيًا في إعادة صياغة ثقافة المجتمع عامة، بدءًا بالمناهج المدرسية ومن خلال توجيهات حثيثة للحكومة إلى دوائرها ومؤسساتها من أجل نشر روح التسامح والتعايش ورفض التمييز على أساس الدين أو الطائفة أو العرق أو الهوية أو اللغة، وإدراج تعريفات عن جميع مكوّنات الشعب العراقي، الدينية منها والعرقية، في الكتب المدرسية كافة ولجميع المراحل، واستبدال دروس الدين في المدارس بمناهج تثقيفية عامة.  

منذ الهجوم البربري على كنيسة سيدة النجاة في 31 تشرين أول 2010، والهجمة شرسة على المسيحيين بالدرجة الأولى، حيث لم ينقطع بسببها، تيار الهجرة القائم في صفوفهم لغاية الساعة. فقد تناقصوا إلى ما يقرب من ثلث حجمهم قبل الأحداث في 2003. فكم وكم من عائلات غادرت مساكنها وبلداتها أو أُجبرت بالأحرى، على الهجرة إلى مواقع أكثر أمانًا، في الداخل، ناهيك عمّن غادروا وبلا رجعة إلى بلدان الاغتراب الكئيبة، طلبًا للأمن والأمان وراحة البال التي أفقدهم إياها المحتلّ بقدومه ومن بعده الحكومات المتعاقبة. مازال العراقيون عمومًا، والحلقات الضعيفة من أبناء الأقليات خصوصًا، تتطلع لرؤية بصيص النور في النفق المظلم الذي أدخلوا فيه. فما يطلبه المواطن البسيط، لا يكاد يتعدى ثلاثة أمور أساسية: حالة مقبولة من الأمن والاستقرار، وخدمات بلدية آدمية، وتطبيق عادل ومساواة في شؤون الحياة اليومية العامة. حتى إن كردستان العراق لم تسلم هي الأخرى، فقد وصلتها عدوى ما يسمى بالربيع العربي، وهي الآمنة طيلة السنوات المنصرمة من مثل هذا الأفعال الإرهابية التي ضربت مكوّنين أساسيين من الأقليات في أحداث الجمعة المريرة في 2 كانون اول الجاري. وفي اعتقادي، كما وصفه أيضًا بطريريك الموارنة بشارة الراعي الذي زار العراق مؤخرًا، أنها رياحٌ تبشر بكلّ الأسف، بشتاء عربي في المنطقة، ويا هولها علينا إذا طرقت أبوابنا مجددًا، خاصة على أبناء الأقليات.

هناك عراقيون عانوا من اغتصاب لملكياتهم، كما أشار التقرير، وهناك مَن مازالوا بدون بطاقات الهوية الشخصية أو وثائق رسمية تثبت عراقيتهم، ولم تتمكن الجهات المعنية من إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة بسبب عدم كفاءة الهيئات المشكلة لهذا الغرض أو بسبب مماطلتها أو بسبب تدخلات جانبية غير مبررة. ونذكر منهم الشبك والتركمان والمسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين والأكراد الفيلية، الذين من حقهم أن تكون لهم هويتهم القومية والدينية الخاصة بهم وأن تعود لهم أملاكهم التي اغتصبت ظلمًا، وهي ماتزال بين أيدي جهات تحكم البلاد حاليًا. يشير التقريران  لعامي 2009 و2010، إلى تعرّض عدد من الأقليات، ومنهم الإخوة الآيزيديين والصابئة المندائيين، طيلة السنوات المنصرمة إلى أعمال عنف وعمليات إرهابية طالت مدنهم وقراهم ومصالحهم ومواقع تواجدهم، كما حوربوا في أعمالهم وأرزاقهم، لاسيّما الآيزيديين الذين يشتركون مع المسيحيين في محاربة أرزاقهم في تجارة الكحول التي نسبت إلى ديانتهم غبنًا وظلمًا. ونحن نقول، أن الذي يشرب الخمرة، سيّدٌ لنفسه، وليس من حق الآخر مصادرة هذا الحق طالما أنه لا يشكل أذى لغيره. بل إن هذا الحق للفرد والمجتمع، يكفله الدستور والمواثيق الدولية التي وقع عليها العراق، والله وحده هو الديان وليس خليقتُه الضعيفة. أما الإخوة الشبك في سهل نينوى، فقد كانت لهم حصتهم من أعمال العنف التي طالت قراهم وأبناءهم واستهدفت قادتهم وأعمالهم، لا لسبب، بل لاعتزازهم بهويتهم الشبكية وتقاليدهم المتوارثة التي تشكل جزءًا من تنوع حديقة العراق. ولم يكن التركمان بعيدين عن التيار الجارف الذي استهدف وجودهم في عقر دارهم وفي مناطق وجودهم التاريخية. فما زال أبناؤهم من العلماء والأطباء ورجال الأعمال والقادة يتعرضون للتصفية والقتل بهدف إسكات أصواتهم، علاوة على نكران تاريخهم وأحقيتهم في مدينتهم التي تقاسموا فيها مع باقي المكونات من العرب والأكراد والمسيحيين والكاكائيين والشركس، حلو الحياة ومرّها، طيلة السنين الغوابر في مدينة كركوك وتوابعها، التي كانت دومًا أشبه بفسيفساء العراق. كما ما يزال البهائيون والكاكائيون، غير معترف بهم، دينًا أو قوميةً، إلى جانب جماعتي السود و الغجر المهملتين والمهددتين بوجودهما وتقاليدهما لأسباب اجتماعية.

ومن جملة ما يشير إليه تقرير 2010 أيضًا، الصعوبات التي يعانيها المواطنون عامة وأبناء الأقليات خاصة، في المناطق الريفية، من نقص في المراكز الطبية والرعاية الصحية  للأمومة والمرأة والطفل، حيث يمكن أن تبعد هذه المراكز أو المستشفيات، أحيانًا 100 كيلومترا عن مناطق السكن، يضاف إليها الوقت المستغرق بسبب نقاط التفتيش العديدة التي يجب التفاوض فيها لغاية الوصول إلى الجهة الطبية المقصودة. ويشير التقرير أيضًا، إلى نقص في الكهرباء وفي المياه الصالحة للشرب، حيث يعاني واحد من كلّ أربعة عراقيين، من عدم الحصول على المياه الصالحة للشرب. ناهيك عن مشكلة الانتماء إلى الأحزاب أو للكتل السياسية أو الدينية القائمة وما يمكن أن يفرضه ذلك من تراجع أو مزايا في الحياة العامة، بفعل الانتماء إليها من عدمه، والذي يعدّ اليوم مثار قلق في حياة المواطن.
بخصوص التعليم، تبقى المسافة والتكاليف والخوف من الاستهداف بالإرهاب، هي من بين الحواجز التي تمنع عددًا من أبناء الأقليات من التردد إلى المدارس والمعاهد والجامعات، فلا يمكن أن ننسى الهجمات البربرية التي طالت طلبة من أهالي قرقوش بمركز قضاء الحمدانية في نينوى في أيار 2010، وهم يقصدون المؤسسات التعليمية في مدينة الموصل، وما ألحقه ذلك من أذى وخوف وترهيب، وهذا خير مثالٍ . ويبرز التقرير أيضا صعوبات إضافية تواجه نساء الأقليات بسبب جنسهن، ومنها ترددهنّ وخوفهنّ في الخروج من المنزل لتفادي أنواع التحرش الجسدي أو اللفظي، أو بسبب العنف الجنسي الموجه ضدّهنّ، سواء في المنزل أم في مكان العمل أو من داخل مجتمعهنّ. ناهيك عن أعمال الخطف والقتل والدفع للانتحار أو بسبب الضغوط عليهنّ بتقاليد الزواج القسري وعادة ختان الإناث المنافية لحقوق الإنسان، ولاسيّما في المجتمع الآيزيدي في شمال العراق. وفي سهل نينوى، لاسيّما في غالبية المناطق المتنازع عليها، حيث تعيش العديد من الأقليات، يشكو الأهالي من ضعف في الخدمات العامة وفي التنمية وتنفيذ المشاريع، بسبب صراعات القوى العربية- الكردية على مصير هذه المناطق، حيث ما تزال هذه المشكلة مثار مساومات وجدالات وسجالات ومراهنات بين الكتل السياسية لإيجاد تسوية بصددها في إطار صفقات سياسية، يستخدمها كل طرف لحساب مصلحته الفئوية، وذلك  كورقة للحصول على مكاسب، وكل ذلك على حساب مصالح وحقوق مجتمعات ومناطق الأقليات.
نحن نعتقد مع شركائنا في المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، أن المشاركة الفعالة والحقيقية لجميع المواطنين دون تمييز، ومنهم أبناء الأقليات، في الحياة العامة، من شأنه  أن يعزز من إمكانية التعايش السلمي وفي خلق مجتمع متسامح مدني مزدهر بين المكونات الدينية والعرقية المختلفة في العراق. وهذا يستدعي بالضرورة، اشتراك الجهد الحكومي مع الجهات الفاعلة الدولية منها والمحلية والحكومات والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل حماية الأقليات ودعمها وضمان حقوقها المواطنية المتساوية والكاملة، سواء كان ذلك في شكل مبادرات حفظ السلام، أو استثمار الأموال، أو في التخطيط الإنساني أو في تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية والتدريبية في مناطق تواجدها المحرومة منها. كما نعتقد بضرورة فتح حوارات بين الدولة وممثلي الأقليات وأصحاب الشأن، من أجل تبادل الأفكار ومناقشة الأوضاع الآيلة للخطر أكثر فأكثر، في محاولة لوضع خارطة للممارسات والتطورات و الاتجاهات من أجل إيجاد حلول قابلة للحياة ولتغيير مسار الوضع السياسي المهتزّ القائم حاليًا، والتي أثبتت الأيام، قصوره وعدم فاعليته وتجاوزه على مجتمعات الأقليات من قبل بعض الكتل السياسية المهيمنة، ما يشكّل علامة بارزة ملحّة وآنية في إعادة الدولة والحكومة النظر بالمعادلة السياسية القائمة في رسم مستقبلها، وفي اختيار الأفضل لمصير هذه الأقليات من أجل بقائها في الوطن، لأن خسارتها وفراغ العراق منها يعني فقدانه لغنى التعددية الجميلة التي يتميز بها منذ القدم.

مع تمنياتنا بحقبة جديدة من العمل الوطني المثمر بين الفرقاء السياسيين، نتمنى ممّن وقفوا في صف المعارضة أو في الاعتراض القائم على برنامج الحكومة الحالية من قبل بعض الشركاء السياسيين، أن يعيدوا النظر في حساباتهم الوطنية، بإيثار المصلحة العليا للوطن على المصالح السياسية والفئوية الضيقة، لاسيّما بعد زوال أحد أهم المبررات التي كانت تقف حجر عثرة أمام الإجماع الوطني على بناء دولة القانون والمؤسسات، حيث أوفت الحكومة بوعدها بجلاء القوات الأجنبية من جميع الأراضي العراقية.

أشكر لكم حسن الإصغاء وأدعوكم لحوار وطني صادق وداعم لحقوق الأقليات، مستند إلى مبادئ العدالة والمساواة، لبناء عراق حضاري مزدهر قوي، ينتعش بأريج المحبة والسلام والتآخي.