الجزء الثاني

 

بحث : في القبائل الكلدانيـــــة القديمــه

 

                                            

 

                                      

 

                           

                           يعكوب ابونا

                                                            

        

             لا احد يستطيع ان ينكر ورود اسم الكلدانيين في العهد القديم ،او في تاريخ شعوب المنطقة ، ونضيف على ذلك بان اسمهم ووجودهم عززفي حوليات الملوك الاشوريين ، لذلك نهدف الى قراءة واقع الكلدانيين من الناحية الاركولوجية والتاريحية ، بموضوعية وعلمية ، تحدثنا عن بابل كاحد قلاع الكلدانيين كما يسمونها البعض ، وبينا بان بابل لم تكن حصرا بالكلدانيين لتسمى بابل الكلدانية ، لانها كانت موطن لشعوب واقوام متعدة فهي خليط من تلك الشعوب والاقوام ، كما ان تاريخها يفتقرالى ذكراي قبيلة كلدانية استوطنتها ، ولكن ورد اسم الكلدانيين فيها واخذ عن سفردانيال النبي بانهم من المهتمين بعلم الفلك والتنجيم والسحر ، وكانها مهنه اختص بها لبعض ، وسبب امتهانهم لتلك المهنة اطلق عليهم لقب كلدانيين ، فهي والحالة هذه  صفة ليس الا، ويؤكد دانيال ذلك في قول عندما فشلوا الكلدانيين في تفسير حلم الملك نبوخذنصر ، وجدوا فرصتهم للانتقام من دانيال واصحابه كما جاء في الاصحاح الثالث /8  ، لاجل ذلك تقدم حينئذ رجال كلدانيون واشتكوا على اليهود ، ... باتهامهم بانهم لايعبدون تمثال الذهب الذي نصبه الملك البابلي وله لايسجدون وبسبب مهنتهم  هذه كان للكلدانيين دورفي بلاط السلالة البابلية الحديثة ، لانهم اخذوا المناصب في السلطة والقيادة فيها. وقد ملأوا كل مناصب الكهنوت في العاصمة بحيث أصبح اسم كلداني مرادفًا لكاهن للإله بيل "مردوخ" كما يقول المؤرخ الاغريقي هيرودوت 490- 425 ق. م ، وطبيعي ان يصبح اسم البابليين مرادف لاسم الكلدانيين ، وتصبح التسمية الكلدانية مرادفة للمنجمين . وفي كتاب للفيلسوف برديصان ألموسوم شرائع البلدان ص54 ما نصه ( قال برديصان : هل قرأت كتب الكلدان الذين في بابل التي كتب فيها ما تفعله الكواكب باقترانها مع أبراج الناس وكتب المصريين التي كتبت فيها كل الأمور التي تحدث للناس؟ قال عويدا : قرأت كتب الكلدانية , إلا أني لا اعرف أي منها للبابليين وأي للمصريين ؟ قال برديصان : إنه نفس العلم للبلدين . قال عويدا : هذا أمر معروف ..

  ويذكر عيسئ الحلو في كتابه كتابه عصور ماقبل التاريخ وتاريخ بابل القديم ص10 كان الشكل البارزللمدينة البابلية منذ العصور القديمة  الشكل الذي اتخذه التنظيم الراسمالي وكان يقال في بلاد بابل بان الراسمال ملك الالهة ، اما من الناحية العلمية فقد كان بيد الكهنة ، كان الكهنة تتولى امور الراسماليةعن طريق الكهنة وحصل الكهنة على ثروة عظيمة فتمكنوا من السيطرة على الحياة الاقتصادية في عهدهم ،ونادرا ما نجد في التاريخ رجال دين حصلوا على سلطة تعادل سلطة رجال الدين البابليين القدماء ،فشكلوا مجتمعا خاصا بهم ، .. وهذا يدل على دور الكهان في تلك الفترة ، وبهذا الصدد يقول عزيزبرخو عزيز في ص 116 من كتابه الاشوريون يقول بان كلمة كالو او كلدو اطلقت على هذا التجمع من الكهنة ، وفي الدليل الموسع لاعلام حضارة ما بين النهرين - كلدان – لقب اطلق على جماعة رجال الدين  والكهنة في بابل حيث كانوا يرصدون النجوم والافلاك في الزقورات والهياكل العالية ثم اتخذ اسم لطبقة اجتماعية حكمت بابل فترة من الزمن واصل التسمية يعود الى معنى الكلمة ، ويقول ادي شير في مقدمة كتابه تاريخ كلدو واثور جزء 2 فتوحات العرب تلاشئ الكلدان المنجمون والوثنيون من هذه الديار وسموا مسلمين لاعتناقهم الديانة الاسلامية ، لذا يقول الاب يوسف حبي في تقديمه لكتاب حكمة الكلدانيين القسم الثاني لمؤلفه دكتور حسن فاضل جواد ، ( بان لايمكن احد كان يدعي انه متحدر حتما، ومنذ مئات لا بل الاف السنيين ، من قوم لم تصبه اختلاطات وامتزاجات فهو ادعاء اقرب الى الوهم منه الى الحقيقة ..) نعم ونقول ولكن هذا الطرح لايمكن ان يبرر عدم الادعاء بالانتماء القومي للانسان ، خاصة اذا تحققت احدى المقومات الاساسية للقومية  ، لان تحقيق اي عنصر من عناصر وجودها قد يعطي معطى للانتساب القومي الانتمائي لمقومات هذا الشعب اوذاك ،، امريكا مثلا تتكون من مجموعة اقوام وشعوب واثنيات مختلفه ولكن عندما يحمل شخص الجنسية الامريكية يكسب حق المواطنه الامريكية على الارض الامريكية او خارجها ،ولا يتبجح بنكران انتماءه لامريكا بحجة انه اوروبي الاصل مثلا ويتمسك بهويته تلك ،،

  لذا علينا نحن ان نعزز هويتنا القومية وفق معطيات متحققه لتواجدنا الجغرافي والتاريخي واللغوي والانتمائي والتراثي والمصيري والمستقبلي في وطننا ، لان انكار هذا الواقع يجعلنا لقمة سائخه للطامعين بنا وانهاء وجودنا بارضنا وتراب ابائنا ..

  لقد استشهدنا في المبحث السابق بما ذهب اليه ماتفييف الكاتب الاشوري الروسي في كتابه  الاشوريين والمساله الاشورية بان الاشوريين ساميين ومن بابل ( ارض شنعار ) وبينا بان هذا الطرح لا يختلف مع ما ذهب اليه العهد القديم ،ولكن بعض المتكلدنيين العنصرين استشهدوا وفسروا ما ذهب اليه ماتفييف في كتابه اعلاه ، بانه هذا الذي يقوله هو اقرار منه بان الاشوريين خرجوا من بابل ونسبوا الى بابل الكلدانية ، فاعتبروا الخارجين منها كلدانيين ، فهذا الطرح بهذه السذاجه من هولاء يعتبر تشويه لحقيقة بابل وحصرها بالكلدانيين دون غيرهم ..؟؟، لذا كان من الامانه التاريخية ان نرجع الى ما يقوله ماتفييف ، لرفع الالتباس الذي وقعوا به هولاء الكتاب امام قراءهم الكرام .. كما تحدثنا عن ابراهيم الخليل ( الذي يعنى الاب لجمهور ) الذي خرج من اور الكلدانية وفق ما جاء في اسفارالعهد القديم ( التوراة ) وعندما نرجع الى اورالكلدانية سنجد بانها ، كما يذكر الدكتورعيد مرعي في كتابه تاريخ بلاد الرافدين ص25بان حضارة العبيد ظهرت في بداية الالف الخامس ق. م  وكانت معاصرة للمرحلة الاخيرة من حضارة حلف ، وسميت بهذا الاسم نسبة الى تل العبيد الواقع على بعد نحو خمسة كم غرب اور ( المقير ) الحالية ويقدر ( ليونارد وولي ) الذي قادة عمليات التنقيب والحفر في تل المقير ( اور ) بان عمرها اكثرمن خمسة الاف وخمسمائة سنه قبل الميلاد ، ويذهب جورج رو في ص 181 من كتابه العراق القديم بان اور كانت من دويلات المدن في عصر فجر السلالات في بلاد سومر ، ويذهب محمد وحيد خياط في 40 من كتابه فجر الحضارة في سومر الى ان حكم السلالة الاكادية قضت على دويلات المدن السومرية حوالي 2340 ق. م  ثم سقطت الدول الاكادية على يد الغوتيين ، واسترد السومريين سلطتهم بادئ الامر في مدينة اوروك 2050 قبل الميلاد ثم تتوسع وتشمل مدينتي اور ولجش مابين عامي 2050 - 1950 قبل الميلاد ، وقد اصطلح على تسمية هذا العصر بعصر السلالة الثالثة في اور  ، واهم ملوكهم كان اور نمو  ، ويذكر عبد الحكيم الذنون في كتابه  التشريعات البابلية ص 110 بان اورنمو موسس سلالة اور الثالثة ( 2111-2094 ) قبل الميلاد وهو مقنن اول شريعة في تاريخ البشرية وقد دون قانونه باللغة السومرية ....

  نلاحظ بانه لم يظهر في تاريخ اور اي اشارة الى كلدانيتها او وجود الكلدانيين فيها رغم ان ابراهيم الخليل يفترض حسب التفسيرالتطبيقي للكتاب المقدس بان من مواليد 2166 قبل الميلاد ، اي كان معاصر لهذه الحقبة ولحقبة حمورابي التي يشاراليه في سفر 14 من التكوين باسم امرافيل ، لا نجد اي اشارة الى اسم الكلدانيين في اور،لذلك تكون اورالسومرية هي التي عاش بها ابراهيم وعائلته وامراته  ساره التي هي اخته من ابيه ( اخت غير شقيقه ) كما جاء في التفسيرالتطبيقي للكتاب المقدس هامش ص 34 ، ولم يكن للكلدان في اوراي وجود في زمن ابراهيم ، كما لانجد اي ذكر لليهود اوللعبرانيين اوللاسرائيلين اواي تسمية اخره لهم في هذه المرحله ، وطبيعي ان لا يكون هناك اي وجود لكتاب التوراة ( العهد القديم  ) الذي اورد تسمية اورالكلدانية التي خرج منها ابراهيم  ، ولكن عندما نرجع الى زمن كتابة العهد القديم سوف لانجد اي اشارة الى انه كتب بزمن ابراهيم الخليل ، لان ابراهيم لم يكن له اي دور في مسيرة الشعوب التي اعتبرته ابوالانبياء لديها ، ولكن المتفق عليه لدى الكتاب والمفسرين بان زمن كتابة التوراة  كان على عهد سلالة بابل الاخيرة ( الكلدانية ) لان نبوخذنصر 605 - 562 قبل الميلاد ، كان قد اسرى اليهود وهدم بيت المقدس اورشليم وسباهم الى بابل ، ولحاجة اليهود في اسر بابل الى كتاب يرجعون اليه ، لان لحد ذات الزمن كان لايسمح لاحد قراءةالكتاب او اقتنائه الا ان يكون من عائلة اللاويين الكهان ( وهم من سبط لاوي ابن يعقوب حصرا  ) فوجدوا بانه من الضروري ان يكون لهم كتاب مدون يسهل الرجوع من الكل ، فتمت كتابة وتدوين اكثراسفاره على ضفاف نهرالفرات في زمن اسربابل ، لذا فيه الكثير من المتشابهات والمكررات والمقتبسات من الارث السومري والبابلي من ( ارث بلاد الرافدين ) وهذا طبيعي لكي لا يتناقض ويخالف شريعة وقوانيين بابل ويخالف تعاليمهم الدينية فسمح به من ملوك بابل لتداوله من قبل اليهود ، ويذكرسالم عيسى تولا في كتابه بوابة التاريخ ص 56 ، اكتشفت القنصلية البريطانية في البصرة ، المكان المحدد لمدينة اور بواسطة رقم اسطواني طيني الذي يقول ان ملك بابل اعاد تجديد الزقورة او برج المعبد في 550 قبل الميلاد ، وعندما نرجع الى زمن هذا الملك البابلي سنجد بانه هوالملك نبونائيد 556- 539 قبل الميلاد ، هوالذي بنى هذا المعبد في اور ، فكانت اور في عهده موجودة ولا بد بان غالبية قاطنيها من السكان كانوا من القبائل الكلدانية  ، هذا الزمن هو زمن كتابة وتدوين التوراة في بابل فنجد بانه تسمية اورالكلدانية كانت هي المتداوله في تلك الفترة ، لذلك اشيراليها بالنص ليتعرف عليها القارى بان اور التي كان ابراهيم الخليل يقطنها في مرحلة من مراحل تاريخها هي هذه التي تسمى الان اورالكلدانية ، ومن الكتاب المقدس العهد القديم ذاته اوردنا بان ابراهيم الخليل لم يكن من مواليد اور بل من مواليد حاران ولم يكن كلدانيا لان اور بزمنه لم تكن اور الكلدانيين  ، فعاش بها زمنا ورجع الى ارض مولده حاران التي كان قد تركها من قبل ، بسبب اصابته بمرض جنسي ، كما يرد ذلك في كتاب كنز ربا المقدس ( باللغة المندائية ) وهي لغة قريبة من الارامية القديمه ، كان والده تارح كاهنا لمعبد سين ( القمر ) في حاران ، وعندما علموا اهل حاران بمرض ابنه ابرام ( الذي يعني الاب الرفيع )  بانه يدخل مع والده المعبد وهو مصاب بهذا المرض اثار حفيظة الاهالي وغضبهم، لان هذا يتعارض مع الاحكام الشرعية للكهانه التي تشترط ان يكون جسم خدمة المعبد والكهانه بشكل خاص سليما ونقيا من كل الامراض ، لذلك طردوه هو وعائلته ووالده من مدينه حاران، وولوا الادبار الى جنوب بلاد الرافدين وفي طريقهم غرب الفرات التقوا بعض الرعاة ( بدو ) رحل من العربان وعندما تعرفوا على مرض ابراهيم نصحوه ان (يختن ) لكي يشفى من مرضه وفعلا شفى من المرض بعد الختان ، لذلك اصبحت سنه لاتباعه من بعده ، اما بالنسبة الى الصابئة المندائيين فهم لا يعترفون به لا نبيا ولا ابوالانبياء ..و خطا يقول البعض بان اسم الصابئة المندائيين ارتبط بابراهيم الخليل ، وانهم يحفظون تعاليمه وصحفه ، لان الانبياء المعترف بهم لدى الصابئة هم - ادم -  وشيت ابنه ( شتيل ) - وسام بن نوح -  ويحيى بن زكريا ( يهيا يوهنا ) - فلا يرد اسم ابراهيم مع هولاء الانبياء الذين يعتقد الصابئه بان الله اوحى لهم بتعاليمه اليهم ، واما قول البعض بان ابراهيم هوالذي علم الصابئه  الاغتسال في مياه النهر( التعميد ) فهو غير وارد كذلك لانه طقس التعميد ، بمياه الرافديين -دجلة والفرات - ( ادكلات وبورانون ) وهي انهار مقدسة لدى الصابئة تطهر الاجساد ، ولان  طقس التعميد كان موجود قبل ابراهيم لخليل ويرد ذكره في العديد من النصوص المسمارية حيث كتب الشاعر السومري من مرثية مدينة اور (( شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من اجل اعيادك ، اناشيدك تحولت الى انين ، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم ، يفتش لنفسه عن مكان امامك )) ..اما   ما جاء في العهد القديم الاصحاح 17 /10-12 بان الله اقامه عهده مع ابراهيم ، بان يختن كل ذكر، فتختنون في لحم غرلتكم فتكون علامة عهد بيني وبينكم ، ابن ثمانية ايام يختن منكم كل ذكر في اجيالكم ..) ...هنا يعطي قصة الارتباط ابراهيم ونسله مع الله رغم ان الله لا اعتقد كان بحاجة ان يضع علامة لاتباعه لكي يعرفهم  ، وهي علامة غيرظاهرة للعيان  ،، لان القصد ان يكون لشعب الله ميزه يتميزون بها عن غيرهم  ، وهذه الميزه لا تفرقهم عن غيرهم  ، المهم  ... ولكن يمكن قراءة النصيين بشكل اخرسنجد هناك ارتباط مشترك بينهما بان الرب كما جاء في الاصحاح 11 /12 من سفرالتكوين نجده يدعو ابراهيم للخروج من ارض ابائه ومولده وهي حاران فكان لابد له ان يرجع اليها ، وهذا لا يمكن  الا ان يفسر بان الله اراد ان يرد الاعتبار لابراهيم امام اهله وعشيرته التي طرد منها ، واما الان سيخرج منها الى ارض اخرى جديده يرثها هو ونسله من بعده يعطيها لهم الرب ..  وهذا التفسير قد يكون اقرب الى الضن من القول بان لا نعلم لماذا  رجع ابراهيم وعائلته الى حاران  وتركها بعد وفاة والده تارح فيها ،، ومن الملفت للانتباه بان لانجد اي ذكر ل اور الكلدانية  بعد رحيل ابراهيم وابوه وعائلته منها الا ما ندر، والمذكور لا  يضيف اي شئ عن ما جاء في سفر التكوين 11ومنها ، سفر نحيما 9: 7 يرد اسم اورالكلدانية بنفس المعنى اذ يقول انت هو الرب الاله الذي اخترت ابرام واخرجته من اور الكلدانيين وجعلت اسمه ابراهيم ، ويرد  في سفر اعمال الرسل 7/4 فخرج حينئذ من ارض الكلدانيين وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا. ....، ولكن نجد اسم حاران يرد بكثرة في مسيرة حياة ابراهيم الخليل ولدى ابنه اسحق وابن ابنه  يعقوب وغيرهم وهذا دلاله على انها ارض ابائه واجداده وتحتضن قبورهم كما احتضنت قبر ابوه تارح قبل ان يغادرها ابراهيم الى ارض الموعد التي وعده بها الرب كما يقولون في الكتاب .......