النبي ناحوم الالقوشي

 

 

                                     

 

                                      منذر كله

              ان الشعوب تعتز بتاريخها وحضارتها وتراثها ومعالمها العمرانية ومنجزاتها العلمية عبر الزمن ، لتستمد منها  الطاقة الكافية لحركة المجتمع وتطوره ،وتشكل حركة ديناميكية للتواص والعمل الدؤوب متخذة من الماضي العريق شعلة وهاجة للمستقبل ،فيحاول الحاضرون السير بخطى حثيثة تواصلا للمنجزات العظيمة للاباء والاجداد ، يعتز اهالي القوش بتاريخ وحضارة قصبتهم وبعراقتها الموغلة في التاريخ ، على جميع الاصعدة التاريخية والتعليمية والثقافية والدينية والعمرانية ، فيعود تاريخ البلدة القديمة التي وصفت ببنت نينوى كونها من الحقبة الاشورية ، حالها حال دور شروكين وخورسباد ، وعلى الصعيد التعليمي تعتز البلدة بقدوم المعلم مار ميخا النوهدري وبناء ديره ومدرسته عام 410م والتي اصبحت منبرا ومرجعا لتخرج المئات من المتعلمين في مجالات الطقس والكنيسة وادارتها واللغة السريانية ونحوها وقواعدها ، فتخرج منها بطاركة افاضل ومطارنة اجلاء وقسس ورهبان وشمامسة خدموا الكنيسة في العراق والعالم وجميع الاديرة والكنائس على وجه البسيطة ،

تنبأ المعلم مار ميخا بقدوم النسر ( الربان هرمزد ) فورد في مخطوطة القوش رقم 87 لسنة 1867مايلي :

(ان اله عتيد ليرسل اليكم نسرا عظيما يصعد بمقامه فوق الملائكة ويعشعش بجانبكم في هذا الجبل ويولد افراخا روحية وكل من يدعو بأسمه يطرد منه الرب كل وجع ويكون له سلطان على مرارة وسم الدبيب القتال ، ويسمى هذا الجبل اورشليم العليا ، اخرجوا للقاءه بفرح )وفعلا قدم الربان هرمزد كالنسر الموعود و بنى ديرا قرب قمة الجبل عام 628-646م )ذلك الدير الذي اصبح مقرا باطريركيا زهاء 334عاما منذ تولي مار شمعون السادس الكرسي الباطريركي 1504 -1538 الى قدوم ماريوحنا هرمز 1830 -1838 م ويعتز اهل القوش بوجود اعظم معلم اثري في بلدتهم وهو هيكل النبي ناحوم الالقوشي الذي ارتبط اسمه بتسمية البلدة المذكورة بكتاب العهد القديم على لسان احد ابنائها ، وذلك في القرن السابع قبل الميلاد.

بناية النبي ناحوم:

تقع البناية على بعد 300 متر من مدرسة مارميخا غرباً وكان موقعها قديماً جنوب غرب القرية التي كانت مبنية على وهدة الجبل في المكان المسمى (قورزي) والبناية بشكل عام هي كنيست يهودي قديم ، وتشغل بحدود 1000 متر مربع بداخلها فناء واسع بني على محيطه مجموعة غرف مع رواق ، والفناء محاط بسياج عال  من جميع الجهات كانت هذه الغرف الى قبل هجرة اليهود الى فلسطين تستخدم من قبل الزوار ، ويوجد بداخل البناية في الجهة الجنوبية الغربية منها باب لهيكل النبي ناحوم واخته سارة ، ويروى عن الاجداد منقولة عبر الاجيال الى الاحفاد ان اول قبو بني فوق قبر النبي ناحوم كان في القرن العاشر الميلادي اي قبل اكثر من الف عام ، فيعود تشييد هذا المرقد بشكله الحالي الى عام 1796م ، وهو عبارة عن معبد للصلاة بقبة فسيحة ، سقط جزء منها قبل عدة اعوام والبقية سقطت فعلاً قبل عدة اعوام ايضا ، فالقبر هو عبارة عن مصطبة صغيرة من جص مغطى بقماش اخضر وعلى جدران الغرفة وضعت قصاصات ورق مكتوب عليها بالعبرية مواعظ دينية وتواريخ وزيارات الاسر اليهودية المختلفة ، ان دار القبر بناء بسيط وليس هناك كتابة او قطعة من العاديات عن المكان ولااعلم الى متى يرتقي التقليد عن ناحوم في قرية القوش الآشورية .

وفي اثر قديم من العراق وتحقيقات بلدانية للاستاذ كوركيس عواد يقول: كان يقوم على رعاية المرقد رجل يهودي اسمه موشي (ابو ناجي) الى عام 1950م وكان يسكن في الدار المقابلة لبناية النبي ناحوم ، كان اليهود يزورونه على شكل جماعات نهاية فصل الربيع فيقيمون في الهيكل وحول القبر الطقوس الدينية بصلوات وتراتيل جماعية باللغة العبرية مع حركات رياضية ايقاعية بالوقوف على  رؤوس اصابع  القدمين مع الميل للامام والخلف وكأنهم في حداد على ميت ، يخرجون بموكب حاملين معهم تابوت العهد مغطى بقطعة قماش ذات الوان عديدة وامام الموكب المتجه شمالاً مجموعة من الرجال برقصات ايقاعية يواصلون السير الى المنطقة المعروفة (شويثا دكَناوي)* ليكملوا التلاوات الدينية .

النبي ناحوم الالقوشي في الكتاب المقدس: كان النبي ناحوم نبياً من الانبياء الصغار الاثني عشر ، وهو كاتب احد اسفار العهد القديم من الكتاب المقدس ( العهد العتيق ) ص 1168، الذي يصور فيه مسبقا دمار نينوى عامة المملكة الآشورية ، دون في الفترة الواقعة بين سقوط بلدة طيبة على يد الآشوريين 663ق م ، وبين دمار نينوى على يد البابلين والميديين سنة 612 ق م ، وذكر الرحالة بنيامين التطلي 1173-1165م ان النبي ناحوم هو احد انبياء بني اسرائيل عاش في اوائل القرن السابع ق.م ومرقده موجود في قرية القوش من اعمال الموصل .

النبي ناحوم في الكتب بعض الكتب التاريخية مع آراء المؤرخين:

 يذكر بعض المؤرخين بأن هناك قرية ثانية بأسم القوش في ارض فلسطين ويعتمدون على لسان القديس هيرثيموس القرن الرابع عشر للميلاد في الجليل قرب عماؤس ويقول القديس المذكور انها كانت مسقط رأس النبي ناحوم ، ويقول العالم الاثري لايراد Layrad ان نبوءة النبي ناحوم ظهرت في زمان جلاء الاسباط العشر من قبل ملوك اشور (شلمناصر الخامس) 727-722 ق.م ، (سركون ، سنحاريب ، اشور بانيبال) فالاعتقاد السائد ان قبر النبي ناحوم هو في القوش الاشورية لايخلو من اهميته .

وفي مكان اخر يقول ان في القوش اشور قبر ناحوم الالقوشي ويحترم هذا المكان من قبل المسلمين والمسيحيين ولاسيما اليهود الذين يحافظون على البناء حيث كانوا يأتون لزيارته ،

وفي كتاب القوش عبر التاريخ للمطران يوسف بابانا ص 26 يقول نقلاً من شروح الكتاب المقدس ان ناحوم  (ومعناه المعزى الراثي) مولود في القوش التي من رأي القديس هيرثيموس ويقول بأن القوش هذه كانت قرية في الجليل .

وفي الكتاب المقدس طبعة الاباء الدومنيكان لسنة 1878م يقول : كان ناحوم من مدينة القوش بموجب افتتاح نبوته حيث يقول : (وحي على نينوى سفر رؤيا ناحوم الالقوشي ) والقوش مدينة صغيرة في جوار نينوى بآشور وفي الجليل ايضا في اليهودية مدينة اسمها القوش والرأي الارجح ان ناحوم كان من القوش اشور لان هنالك الى اليوم قبراً على اسمه بحجة اليهود .

اما تعليق المطران يوسف بابانا في كتابه القوش عبر التاريخ ص 24 يقول ان زيارة اليهود لقبر النبي ناحوم في القوش اشور (العراقية) لم تكن مجاملة لاهالي القوش ، لانهم كل سنة ينفقون المبالغ الباهضة ويتجشمون مشاق السفر من اماكن بعيدة ، وزد على ذلك ماكان يلحق بهم من اذى وضرر ومشاكل من نفس اهالي القوش ، ورغم كل ذلك لم يتركوا الزيارة لقبر النبي في القوش اشور ، بل كانوا يحرصون على ادائها لان ابائهم واجدادهم علموهم ذلك وربما اقل اشارة تصدر من علمائهم الدينيين تؤكد بأن قبر ناحوم ليس في القوش اشور بل في مكان آخر تكفي للعدول عن تلك الزيارة الى الجهة التي يشيرون اليها .

وهنا يجب الاشارة الى ان مرقد النبي ناحوم لم يحوي رفاته وذلك بسبب نقل عظامه الى كنيسة مار ميخا وتحديداً الجهة السفلى للمذبح وللحديث حادثة نذكرها ، نظراً لاعتزاز اهالي القوش بوجود ضريح النبي في القوش وفي الوقت نفسه خوفاً من سرقة عظامه من قبل اليهود ، بسبب زياراتهم المتكررة للمرقد مما حدا ببعض شباب القوش ان يقتحموا المرقد ليلاً ويخرجوا عظام النبي ناحوم ودفنها في هيكل مار ميخا كي تكون بأمان اكثر ، وهذا حسب اعتقادهم وكتبوا عليها (ذخيرة عظام النبي) وهنا لم يذكروا اسم النبي حتى عام 1921م لدى زيارة احد وجهاء اليهود (المسمى يعقوب صحيح) الى القوش ، وتحديداً لمار ميخا ومشاهدته لمرقدين فسأل عن اسم النبي فلم يجبه احد ، فأبتسم واخبرهم بدراية اليهود عن وجود عظام النبي ناحوم في مار ميخا بسبب معزة الالقوشيين له .

راي الكاتب :

ان النبي ناحوم الالقوشي مولود في القوش اشور العراقية كما سماها المرحوم المطران بابانا وان قبره موجودة في المحل الذي وصفته في بداية مقالتي وانه كان موضعا مهما بالنسبه الى اليهود يزورونه زرافات زرافات ويؤدون الطقوس المفروضة قاصدين من جميع البلدان وخصوصا فلسطين وان عظامه تم نقلها الى كنيسة مار ميخا ،

ان ناحوم ابن القوش كان احد  احفاد اولئك المسبيين الى اشور وسكن القوش الواقعة شمال نينوى حيث التقليد العراقي ومن خلال البحث وجدت ان بعض المؤرخين لايريدون انهاء موضوع وجود النبي ناحوم في القوش اشور وذلك لغرض طمس تاريخ الحضارة الاشورية العريقة حيث استطاع الآشوريون ان يحتلوا مدينة ( نؤمون ) المصرية سنة 663ق م المعروفة ب (منفيس ) في زمن اسرحدون ، وتم فرض جزية على المصريين زمنا طويلا ، وكذلك يعتمد بعض المؤرخين الى التقليل من قوة الامبراطورية واتساعها وتطورها قد يكون مجاملة لليهود او لأسباب ربما سياسية ، حيث ان الآشوريين كانوا يسبون الشعب الاسرائيلي الى نينوى في جميع الازمنة ويلحق  بالمدن والقرى خاصة الاكثر شراسة لتأديبهم وكان من نصيب المسبيين طوبيا البار الى اربيل والقون والد ناحوم النبي الى القوش مع عائلة كهنوتية معروفة ب(شكنيا ) .

*(شويثا دكناوي ) منطقة يقع فوقها هيكل لاله كبير كان يعبده اهالي القوش اسمه (ايل قاش ) حسب لفظنا اليوم ،

المصادر :

1-القوش عبر التاريخ (المطران بابانا )

2-مدرسة مارميخا (نوئيل بلو )

3-المعالم العمرانية (يوسف زرا )