الحركة الديمقراطية الآشورية ومفهوم القيادة الجماعية( 2 ـ 2 )

 

                                                                                                                

 

 

                                                 

                                          يعقوب كوركيس

                 عذراً للقارئ الكريم على الأسهاب في الجزء الأول من هذا المقال، لكون الضرورة أوجبت ذلك، وسنحاول قدر الأمكان في هذا الجزء الأخير أن لا نطيل عليكم مناقشتنا للكاتب القدير أبرم شبيرا في موضوع القيادة الجماعية في زوعا. وهو موضوع مهم في الحياة الداخلية للحركة الديمقراطية الآشورية، وركن أساسي في فكرها ونهجها التنظيمي.

ـ ماهية القيادة الجماعية

 

القيادة الجماعية في الجانب النظري هي مبدأ أمن به مجموعة من الناس، لإدارة عمل أو مؤسسة أو تنظيم سياسي، وفي الجانب العملي التطبيقي، هي الأتفاق على الأسس التنظيمية التي تمارس من خلالها القيادة الجماعية، وقد تتعدد وتتنوع هذه الأسس وتختلف من حالة إلى أخرى، ولكن يبقى جوهرها هي المشاركة الجماعية لصناعة القرار في العمل المهني أو المؤسساتي أو السياسي. هذا باختصار مفهوم القيادة الجماعية.

ـ رؤية شبيرا للقيادة الجماعية

أسهب الكاتب في فقرة كيف نخلق القيادة الجماعية؟ بالشرح والتفصيل في عدة أمور، أنتقد حالة وفي نفس الوقت بررها، ولكن دون أن يخوض بشكل علمي وعملي في مفهوم القيادة الجماعية وعلى أي الأسس تستند وكيف تمارس في على أرض الواقع، وكذلك لم يتطرق إلى القيادة الجماعية في زوعا، ولم يبين لنا، هل هي شكلية أم حقيقية؟ بل جل ما تحدث عنه، هو الدوران حول موضوع تربع شخص أو مجموعة أشخاص على قيادة الأحزاب السياسية لشعبنا كما يقول (.. هذه الشحة أو الفقر في مصادر توفير كوادر سياسية وملمين بشؤونها وبشؤون غيرها هي التي تجعل أن يكون هناك شخص واحد أو قلة قليلة متواجدة وعلى الدوام في قمة الهرم التنظيمي لأحزابنا السياسية ومنها زوعا.. ) أنا لا يهمني ما يدور في الأحزاب الأخرى، بقدر ما يهمني وضع زوعا في خانة بقية الأحزاب بدون موضوعية، فقد أكدت في الجزء الأول أن هذا الكلام بعيد عن الحقيقة، لكون قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية لا يتربع عليها قلة قليلة، بل مجموعة قيادية متجددة مرحلياً، تنتخب في المحطات الشرعية، وأخرها كان المؤتمر السادس في بغداد آب 2010 بمشاركة قرابة الـ 300 مندوب منتخبين من القواعد التنظيمية للحركة، إلى جانب السكرتير العام المنتخب أيضاً بثلثي أصوات المؤتمر. إذاً كيف يمكن أن نضع الحركة في هذه الخانة، وهي التي التزمت في أصعب الظروف الموضوعية بتطبيق نهجها الديمقراطي وعقدها للمحطات التنظيمية، المؤتمرات والكونفرانسات بمشاركة من مختلف الهيئات التي تشكل الهيكل الهرمي التنظيمي عبر مندوبين منتخبين بصورة ديمقراطية شفافة وبالأقتراع السري والمباشر، لتجديد هيئاتها وتقييم مسيرتها وسياساتها ومواقفها بصورة جماعية، في عملية يشارك فيها العضو والعضو العامل إلى جانب الكادر والكادر المتقدم والقيادي في رسم السياسات وإقرار البرامج وتحديد المواقف، وهذا ما نطلق عليه صناعة السياسة عبر الديمقراطية المركزية المستندة على اسس تنظيمية تكفل حق العضو اي كانت درجته الحزبية في أبداء الرأي والمناقشة والتصويت والترشح والترشيح. وإذا كانت هذه الممارسة غائبة أو قاصرة عند بعض الأحزاب والتنظيمات، فهذا شأنها، وتعميم الحالة فيه تجني وتجاوز على الموضوعية المطلوبة في هكذا طروحات. وفي الجانب الآخر فإن الحركة الديمقراطية الآشورية لا تشكي شحة الكادر كما تقول أعلاه، ففيها المئات من الكوادر والكوادر المتقدمة منتشرين من برواري بالا إلى البصرة، يخوضون غمار العمل النضالي اليومي على الصعد السياسية والتنظيمية، ويتصدون لكل الأستحقاقات بجرئة وإقدام رغم صعوبة الظروف وتصارع القوى الكبيرة على المغانم والمكاسب السياسية والمحاصصة والتجاوز على حقوق الآخرين ومحاولات مصادرة الإرادة وشراء الذمم بالمال السياسي.

ويقول شبيرا في مقطع أخر (.. ولكن إلى متى نبقى على هذه الحالة، هل ننتظر إلى ذلك اليوم الذي نؤسس فيه مدارس حزبية وأكاديميات قومية تخرج عناصر قيادية أكفاء يخدمون تنظيمات حركتنا القومية؟؟. طبعاً الجواب هو بالنفي. لأنه إذا انتظرنا فغيرنا، المنافس والمعادي، لا ينتظر في هضم حقوقنا وسلبها ونحن في سبات الانتظار .. ) هذا كلام صحيح نظرياً، لكن الإنسان المؤمن بالعمل السياسي القومي والمتسلح بالإيمان والفكر وعدالة القضية التي يناضل من أجلها، لا ينتظر أخضرار الأوراق وطلوع الأزهار في ربيع السياسة، لو كانت الحركة منذ تأسيسها أنتظرت مدارس حزبية وأكاديميات قومية تخرج القادة الأكفاء، لنامت تحت شتاء سياسي ثقيل الوطئة دام ثلاثين عاما، وهذا ليس منطقنا في زوعا.

نظرياً تخرج المدارس والأكاديميات الحزبية كوادر أكاديمية مكتبية إلى حد كبير، ونحن ليس لدينا الأمكانية المادية لكل شيء، وعوضاً عن بناء المدارس والأكاديميات الحزبية، بنينا المدارس التي تعلم وتدرس العلوم بلغتنا القومية، وأقمنا الاقسام الداخلية التي تضم المئات من الطلبة الجامعيين في بغداد وغيرها من المحافظات، وصرفنا أموالنا عليهم وعلى الكوادر التعليمية لنقلهم إلى القرى البعيدة التي حرمت من التعليم والثقافة. ولو كنا نظرنا إلى الأمور من المنظور الحزبي الضيق لكان للحركة المدارس والأكاديميات الحزبية، التي أستغنينا عنها وكسبنا ما هو أهم منها قومياً.

والحركة اليوم تزخر بالكوادر المتمرسة سياسياً وتنظيميا من خلال الممارسة النضالية اليومية، وهو المعترك الحقيقي الذي يخرج الأكفاء لتولي المهام والمسؤوليات الحزبية، وهذه العملية النضالية اليومية التي يقوم بها العضو في الحركة كانت وما تزال مقرونة بالتربية الحزبية عبر الكراريس والدورات التنظيمية والتثقيفية والسياسية، وقد يكون الأمر ليس على مستوى الطموح وذلك لأسباب موضوعية، لأنشغال الحركة في التصدي للأستحقاقات الوطنية والقومية، فالأوضاع لم تكن بخافية على المتتبع، وخصوصاً ما تعرض له شعبنا من أستهداف وتهجيربعد سقوط الدكتاتورية، يوازيها العمل على خنق الحركة سياسياً وعزلها جماهيرياً في برامج سياسية مدعومة بملايين الدولارات، غررت بالكثير من الشخصيات السياسية والدينية على الصعيد القومي، إلا الحركة ـ زوعا وجل أعضائها اللذين كان سلاحهم الوحيد إيمانهم بعدالة قضية شعبهم وصواب نهج حركتهم. في المقابل فإن ( 33 ) عاماً من عمر الحركة ومسيرتها النضالية، كانت داخلياً أشبه بالغربال الذي طرح الكثير من الغث، وحافظ على البنيان الداخلي متناسقاً وقوياً، ويمكن تشبيه الحركة الديمقراطية الآشورية ـ زوعا بالنهر الهادر الذي يتلوث بالشوائب، إلا إنه يطرح في جريانه الشوائب ويصفى مائه، فيما يطلق عليه علمياً التنقية الذاتية، مستمراً في مسيرته إلى المبتغى، فمن المنبع إلى المصب، بعض مائه قد يتبخر وتمتصه الأرض، ولكن الحقيقة إنه سيصل.

ويعود شبيرا في فقرة أخرى إلى هاجسه المتجدد ويقول (..فإذا كانت ظاهرة تربع شخص معين أو نفر قليل من الشخصيات على قمة القيادة في زوعا حالة سلبية بمفوهم القيادة الجماعية في الوقت الحاضرة ومبررة بالفقر السياسي والفكري لمجتمعنا بشكل عام وعدم قدرتهم على خلق كوادر وقيادات كافية للتناوب على القيادة فإن الزمن القادم لا يمكن أن يقبل مثل هذا التبرير وعلى زوعا وقيادتها أن تفكر ملياً بهذا الأمر وعن طريق زج أعضاءها الخييرين في الممارسة السياسية الفعلية حتى تستطيع أن تخلق  كوادر قيادية متمرسة قادرة على تحدي الصعاب التي تتعظام يوم بيوم .. ) يمكن أن نقول إن محور الموضوع الذي طرحه شبيرا يتمركز في هذا الجزء من المقال، ويأتي هنا ليربط ( النفر القليل ) بمفهوم القيادة الجماعية وعدم القدرة على خلق كوادر وقيادات كافية للتناوب على القيادة. إذا كان هذا هو فهم شبيرا لمفهوم القيادة الجماعية فهو خاطئ بالمطلق، وأرجو أن لا يكون شبيرا في طرحه هذا ينطلق من التجذر بخلفية ثقافة الأندية والمؤسسات الثقافية والأجتماعية ويحاول قولبة التنظيم السياسي فيها.

 فالقيادة الجماعية ليس لها علاقة بعدد ( نفرات القيادة ) أو التناوب على القيادة، ولو كان العدد ( 1000 ) محكومين بنهج دكتاتوري، فالرقم لا يغير من شكل الصورة، وينقلها من حالة الدكتاتورية إلى حالة القيادة الجماعية، وبالعكس أيضاً فخمسة اشخاص في هيئة حزبية يشاركون جميعهم في صناعة القرارات يقدمون صورة حقيقية لمفهوم القيادة الجماعية. وكذلك التناوب على القيادة ليس لها علاقة بالمطلق بمفهوم القيادة الجماعية، فالتنظيمات السياسية الحقيقية مثل الحركة لا تتخذ من التناوب على القيادة نهجاً لها على غرار ما يجري اليوم عند البعض بالتناوب على القيادة كل ستة أشهر. والقيادة الجماعية في الحركة تستند على نهج تنظيمي واضح وممارسة عملية ديمقراطية متجذرة في حياتها الداخلية، ليس على مستوى القيادة المركزية بل في كل الهيئات والحلقات الحزبية.

أما محاولة تقسيم أعضاء زوعا إلى خيرين وغير خيرين، فهذه لا موضوعية كبيرة وشاعرية سياسية، لانه لا توجد في المفهوم السياسي التنظيمي عضو خير واخر شرير، إنما المقاييس التنظيمية تنطلق في تقييم العضو من مدى ألتزامه بالمبادئ والأسس التنظيمية، ونهج وسياسة التنظيم، والكفاءة في تنفيذ الواجبات الموكلة إليه، والفرز التنظيمي الداخلي يستند على الكفاءة والخمول، من خلال الدفع بالكفوء إلى الواجهة التنظيمية والسياسية وعزل الخامل المتحجج بأمور واهية لا أساس أو خلفية سياسية وتنظيمية لحججه.

ـ مفهوم القيادة الجماعية في الحركة

الحركة الديمقراطية الآشورية في الجانب التنظيمي ترتكز على الديمقراطية المركزية في حياتها الداخلية، والتي تعني الانتماء إلى التنظيم السياسي هو انتماء طوعي واختياري، وذلك يعدّ من الديمقراطية ومظهراً من مظاهرها، وهي تترسخ وتتعمق من خلال التنظيم ذاته، فهو يمارس نشاطه على أسس تكفل إطلاق المبادرات لجميع هيئاته ومنظماته وأعضائه على أوسع مدى، والديمقراطية تعطي الحق للعضو مناقشة سياسة التنظيم وتفسح المجال لوضع رأيه فيها وتطبيق تجربته عليها ويوضح ما يراه من نواحي صوابها وخطئها، فهي تعطيه الحق في ممارسة التعبير الحر عن الرأي وتحقيق أوسع مشاركة فكرية وفق الأصول والمبادئ التنظيمية.

أما المركزية فتعني أن الاتجاه العام لسياسة التنظيم تضعه الهيئات العليا ( الكونفرانسات والمؤتمرات) والقيادة المنتخبة فيها، هي التي تشرف على تنفيذ هذه السياسة وحسن تطبيقها، وهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن كل تعديل يدخل عليها، فالهدف من المركزية هو توفير وحدة التنظيم ووحدة الاتجاه فكرياً وسياسياً، ووضع قواعد وسلوك العمل والنشاط وتحديد الأساليب والوسائل للتنفيذ، ومنع كل مظاهر الانحراف عن سياسة التنظيم وعن وحدته التنظيمية والفكرية والسياسية، وضمان الالتزام والانضباط وعلى سائر المستويات في تنفيذ السياسة العامة، فالمركزية تكرس مبدأ التمركز في البنيان الفكري والتنظيمي والسياسي، وتراعي مبدأ الالتزام والانضباط.

لا يتعلق تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في حياة الأحزاب بالناحية التنظيمية فحسب، بل يتعداها ليشمل كل مظاهر البناء الحزبي، وإن ممارسة هذا المبدأ على نحو صحيح يُعدّ الشرط الأهم لبناء التنظيم وتربية أعضائه وتثقيفهم وتكوين الكوادر القيادية وتطويرها واختبارها، وهو شرط لاستمرار حياة التنظيم واستمرار نشاطه بين الجماهير، فـ روح وجوهر هذا المبدأ يتجلى بإدراك العضو لحقوقه وواجباته، ومن ثم تحقيق وترسيخ وحدة الإرادة والموقف السياسي، والأنطلاق للعمل منها وبذل المزيد من النشاط والحيوية لتقوية بنيان التنظيم وتعزيز صلته بالجماهير، وزيادة نفوذه في أوساطها، وانعدام ذلك المبدأ في صفوفه يؤدي إلى انعدامه بين الجماهير، وبالتالي إلى انقسامه وتفككه وبعثرة إرادته الحقيقية المعبرة عن إرادة الجماهير، وبالتالي الافتقاد إلى أهم سبب لوجوده.

وفق هذا المفهوم التنظيمي تقوم القيادة الجماعية والمسؤولية التضامنية، فكل الهيئات الحزبية يتشارك أعضائها في صناعة القرارات عبر الأجتماعات الرسمية وفق المبادئ والأسس التنظيمية من أدنى الهرم إلى قمته، وليس هناك لا في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية أو الهيئات العاملة والعامة في الفروع واللجان المحلية يتم أتخاذ القرارت من قبل المسؤول المباشر، إلا من خلال مشاركة أعضاء الهيئة في النقاش والحوار وإبداء الراي، والتصويت في حال عدم التوافق أو الإجماع، ومن ثم التضامن الجماعي في تحمل مسؤولية تنفيذ القرارات والدفاع عنها، سواء كان جميع أعضاء الهيئة مع القرار أو بعضهم كان ضده، وفي المحصلة النهائية من كان مع أو كان ضد، فالديمقراطية هي الخيار النهائي في حسم الأمور، وبالتالي الجميع يتحمل مسؤولية القرار لمشاركته في صناعته ومن ثم التضامن في التنفيذ. وهذه هي قمة القيادة الجماعية التي لا تقترن أبداً بعدد أعضاء القيادة أو بالتناوب عليها.

وعذراً على الإطالة التي لم أستطع الأنفكاك منها.