ثقافة المكون الاجتماعي القبلي الصحراوي

 

 

              

       

                                         

                                          يوسف زرا

إذا كانت تضاريس الأرض، ومنها السهول والجبال والصحاري التي تنمو فيها نباتات مختلفة الأجناس والألوان والأحجام. بمعنى أن ذلك، لا بد يعكس على خاصية جغرافية كل قطعة ارض منها، وما يعيش على سطحها أنواع عديدة من الأحياء، سواءً كانت حيوانية أو نباتية.

فان الصحراء من عمق التاريخ كانت ولازالت أقسى بقعة جغرافية بمناخها الجاف والحار صيفا، وشدة البرودة شتاء. وان شحة الأمطار فيها كان السبب المباشر في تحويل قشرتها الترابية إلى ذرات صغيرة وخفيفة وسريعة التحرك من مكان إلى أخر بأقل هبة ريح أو عاصفة بسيطة. مما أدى إلى أن تحمل كميات هائلة من رمالها الجافة من موقع إلى أخر مكونة كثبان وتلول وقتية غير مستقرة. بمعنى أن بيئة الصحراء ذات طبيعة غير ثابتة طيلة فصول السنة، ولا يعيش فيها إلا قلة من صنوف الأحياء.

لذا نرى أن الحياة المستقرة فيها من النباتية والحيوانية، ذات خاصية في تحمل قسوتها، وصعوبة مقاومتها للتقلبات المناخية الجافة حيث درجة الحرارة فيها قد تتجاوز الـ (70°) مؤوية صيفا قياسا بغيرها من السهول والوديان ذات الرطوبة العالية وسهول العيش فيها. وكذلك منطقة الجبال التي تتمتع بصلابة قشرتها ومقاومتها للتغيرات الجيوفزيائية، كالثلوج والأمطار الغزيرة وكثرة الأشجار العملاقة والمتنوعة عدى الأحراش المتنوعة التي تنمو على سطحها. مما أدى إلى تعدد الأحياء وتنوعها فيها وفي مقدمتها الإنسان، وتكاثرها بسبب سهولة مقاومة العوارض المناخية المتعددة وخاصة في فصل الشتاء وان كثرة الكهوف والمغاور وسلاسل صخرية متراصة وعالية، تساعدها على صد العواصف الثلجية في فصل الشتاء. وشبه دائمة الخضرة لمنعطفاتها وسفوحها وبسبب كثرة الأنهار والينابيع الجارية فيها.

أما في الصحراء, فمن غير الممكن أن تنمو فيها غير أنواع قليلة من النباتات الشوكية القادرة أوراقها الابرية والسميكة وحتى جذورها على خزن كميات من المياه طيلة فصل الجفاف والذي يتجاوز الثمانية أشهر سنويا وما يسقط في الصحراء من الأمطار شتاءً قد لا تتجاوز عدة مليمترات، وقد لا يمكن البقاء منها على سطحها سوى سويعات قليلة فقط، لان تربتها هشة وجافة أو تغور فيها مباشرة قبل أن تتبخر. فكيف تكون حياة الإنسان مستقرة ومتطورة في مثل هذه البيئة، والتي لا يمكن إقامة حتى كوخ صغير فيها من الطين. وان الخيمة هي المسكن التاريخي لسكنتها لخفته وسهولة نقلها بواسطة أي دابة وكذلك تركيبها ببساطة وبدون جهد معلوم.

إلى جانب عدم تمكن من تأمين ابسط مقومات الحياة من المواد الغذائية سواءً كانت نباتية طبيعية مزروعة أو أثمار أشجار، أو حيوانية كالصيد البري والنهري وغيرها. وكما هو متوفر في البيئات الأخرى كالسهول والوديان والجبال.

وان تربية الجمل في الصحراء جاء فرضية قساوة طبيعة هذه البيئة, ولتطور قابليته من فترة طويلة دون أن يشرب الماء وخزنه ما يكفي منها لفترة الجفاف الطويلة المذكورة. ولا خيار للإنسان الصحراوي بتربية غير هذا الكائن الصابر.

وان نزعة البقاء للحياة كقانون طبيعي,لا يمكن الحد منه أو تجنبه في مثل هذه الحالة الصعبة والقاسية. فان طبيعة وسلوك المجتمع البدوي الصحراوي لابد أن يفقد بعضٍ من خصائصه الاجتماعية ذات نزعة عاطفية,والمتوفرة حتى في جميع الحيوانات وفي باقي البيئات الأخرى.

لذا نرى أن الإنسان الصحراوي صعب المراس ولا يوجد ما يسمى بالمفهوم التربوي والأخلاقي والعلاقة الوطنية بالأرض المحددة مسبقاً,لا يمكن أن تكون قاعدة للتعامل مع غيره بموجبها.وحتى مع اقرب بني قومه من الأصول الاجتماعية القريبة منه.مما يؤدي إلى نشوء الغزوات الدائمية فيما بينهم تحقيقاً لنزعة الحياة الثابتة.

لذا كان التركيب الاجتماعي للقبيلة كإطار مقدس قبل مكانة العائلة والتي تعتبر النواة الصغرى للمكون الاجتماعي ومصدر القيم والأعراف والتقاليد تاريخياً. ورغم ذلك فإنها في الكيان القبلي تأتي القطعة الصغيرة المتراصة في هيكل القبيلة.

وبهذا الموقع تعد ذات أهمية أولية ويمكن استمرار تعايشها وتناسلها ضمن سور القبيلة المدافع الطبيعي عنها لضمان بقاء هذا التجمع البشري في مثل هذه الرقعة الجغرافية القاسية في خصائصها والمفروضة على كل الأحياء المتواجدة فيها. ولابد أن تكون ذات طبائع ومراس فريدة في تعاملها (كقبيلة موحدة الكلمة وبمركزية صارمة ومتوارثة، لا ينازعها احد لا من داخلها ولا من خارجها، ما لم يكن مؤهل لذلك وباختيار الجمع).

فان سياق أسلوب العنف المتداول داخلها ضمان لبقائها كوحدة اجتماعية مستقلة ملائمة لجغرافية ومناخ الصحراء.

ولهذا فان ممارسة العنف مع غيرها من القبائل ضرورة موضعية تمليها أيضا ظاهرة لا بل قانون نزعة البقاء للحياة وشرعية التعامل به مهما كانت نتائجه على القبيلة وعلى غيرها ضمن البيئة المذكورة. لذا فان الحياة البدوية في الصحراء تعتبر الاستمرار الطبيعي لكيان القبيلة وللكينونة الاجتماعية للعائلة البدائية وذات الانغلاق التام وشديد التقوقع على نفسها.

وإذا عدنا إلى الألقاب الشائعة في غالبية القبائل العربية القائمة حاليا، والتي غالبيتها دخل المجتمع المدني (خارج المجتمع الصحراوي). وبجوار تجمعات عديدة، ملزمة إلى حد ما التعارف والتعامل معها وبأسلوب يحقق نوعا من الاحترام المتداول وحتى التبادل في الزيجات بنسب محدودة في ما بينها. فلابد أن نعود إلى تسمية بعض القبائل العربية خاصة برموز غير إنسانية. وفي كثير منها حيوانات ذات خصائص فريدة في قوة بدنها وخفة سرعتها أو في شراسة طبعها. ومنها – بني أسد أو بني فهد أو بني كلب وغيرها.

وتعتبر هذه الرموز بحد ذاتها منحدرة من عصر عبادة بـ (الطوطمية) ولازالت ذات قدسية دون أن تعلم القبيلة المسماة بها بأنها تسمية أسطورية لا يمكن تهميشها أو تغيرها لأنها رمز شهرتها التاريخية وهيبة نظامها الاجتماعي القبلي الصحراوي والى هذا اليوم ومكون ثقافي دائم وحي لها. وان منشأ هذه التسمية المنسوبة (الطوطم) هو الكائن الأسطوري الوارد في الكثير من الملاحم والقصص الشعبية القديمة، وذات صفات رهيبة ومرهبة، اقتدت الكثير من القبائل الصحراوية وحتى غير الصحراوية بها. وقد وردت مثل هذه القصص في التراث الشعبي السرياني وخاصة لدى الأمهات عندما يحاولن إسكات أطفالهن أو جعلهن ينامون. بان هناك (شخصية الطمطميني) سيأتي ليفعل كذا وكذا ………

وفي الحضارات القديمة ومنها الأقرب في مصر الفراعنة. بان غالبية ألهتها هي برؤؤس حيوانية وبأجسام إنسانية. إلى جانب الثور المجنح في الحضارة الأشورية والأسد كرمز للحضارة البابلية وغيرها.