موسوعة العَم الياس

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

صناعة زيت الجوز

ثم استطرد العَم الياس قائلا كيفية صناعة زيت القناديل من الجوز مسترسلا  فكان للرسول الطوباوي مار أدي شفيع قرية يردا أكثر من مائتي شجرة جوز  (كوزي ), فلم يكن بمقدور أي شخص من  شعبنا والمسلمين الاقتراب منها خشية من ويلات هذا الرسول , ولدى نضوجها  في فضل الخريف ( مطَيتا دكَوزي ), فكان أهالي القرية يخرجون على هيئة جماعات ,لنفض الجوز وإزالة قشورها (نبصتّا دكَوزّي) ونقلها إلى القرية وتسطيحها على سطوح الكنيسة والبيوت وبعد جفافها تماما كانت تنزل وتكسر وتخرج ألبابها وتوزع على البيوت التي لها المدقة الحجرية ,( ستا وخاشولا ) فكانت بنات وسيدات القرية يتناوبن في عملية الدق (خشَلتا ) دون كلل أو ملل طلبا لشفاعة وبركات هذا الرسول وحبا بهِ,متناسينّ الم أكتافهن من رفع وضرب (الخشولا ) الحجرالثقيل,وعند دق لب الجوز ( قناني ) فيكون الجوز سائل دهني مخلوط, فيوضع في جدريات كبيرة قَصخانّي على المواقد كنونّي حتى درجة الغليان شلَقتّا, ثم اخماد النار وتركهِ ليلة واحدة , بعدها يعصر المخلوط جيدا ليطرح ما بهِ من الدهن في أواني معدنية, وان الفضلات المتبقية  (شيرا ,السبس) كان يوزع على أهالي القرية ليأكلوه بالخبز أو هكذا وما أحلا طعمه اللذيذ والدسم !!,أما الزيت المعصور من الجوز فكان يستخدم في تعبئة مَسيناتّا اواني مزار الرسول ادّي ,ثم وضع الزيت في قناديل المزار واشعالها ,وكان نارها مضيئا لا يفرز دخانا ولا يلوث الأجواء أو يترك آثارا بل تفوح منه رائحة زيت الجوز الطيبة عند الاحتراق . بل وكانت أجواء الكنيسة تتنور في الليالي بنور وشعاع الالق الإلهي للرسول ادّي اصلا .

ظاهرة تراثية عند انحصار الامطار:

  كان لشعبنا الكلدو اشوري السرياني تقليد تراثي جميل يمارسونهُ عند انحصار الامطار, لان نتيجة عدم سقوط الامطار ستلقي بظلالهِا سلبا على الحياة الزراعية في المنطقة ,لذلك كان يمارسون تقليدهم التراثي الموروث ابا عن جد ويتلخص بان تقومن نساء القرية بالتنكر بالزي الرجالي التقليدي لشعبنا الشال والشابك واخفاء كل ملامحهن النسوية ,وحمل العصي والتوجهِ كفريق قوي الى مراعي او اطراف احدى القرى المجاورة ,هدفهن اصطياد واقتياد قطيع البقر بُقرّا مع الراعي بَقارّا بالقوة الى قريتهن , وفي القرية كان الراعي المسكين يساق مرغما عليهِ الى ينابيع القرية ويطمس في المياه او يوقف تحت الشلالات نادورّي ان وجدت حتى يتبلل بالكامل , ومن ثم تقدمنّ النسوة لهُ خَليتّا الحلوانية او هدية لا بأس بها , ثم يترك حرا طليقا فيقود قطيعهُ ويقصد مراعي قريتهِ وهو مُبَلل الملابس .وبعد ذلك كانوا يتأملون من الرب وحسب نيتهم الصافية والبسيطة ان يمطر عليهم زخات من الامطار.

 

زيارة الاسقف الجليل مار ماري عمانوئيل للعَم الياس

 

بتاريخ 6 ايار 2013 زار مار ماري عمانوئيل اسقف سدني للكنيسة الشرقية القديمة العم الياس حقيقة كانت زيارة مشحونة بالعواطف الجياشة , فبعد ان اخبرت نيافة المطران مار يعقوب دانيال مطران استراليا ونيوزلاند للكنيسة الشرقية القديمة عن العَم الياس وذاكرته الموسوعية القوية في استذكار مراحل مهمة من تاريخ شعبنا وخاصة منطقة زاخو في شمالنا الحبيب  قال سيادته بالحرف الواحد حاول تسجيل كل ما يقوله واوثقه فيما بعد ليكون في متناول القراء لان هذه المعلومات مهمة تجسد مرحلة من تاريخ شعبنا في تلك المنطقة , وفي اليوم التالي اقترحت لنيافته بزيارة العَم الياس فتمنى ذلك,ولكن لم يكن له المجال الكافي لتلك الزيارة  لكونه كان مقبل على العودة الى سدني , لكنه اضاف لدى مجيء نيافة مار ماري عمانوئيل فليزره هو..

وفعلا جاء الاسقف مار ماري قادما من سدني لمناسبة عيد القيامة المجيدة حسب التقويم الشرقي, فاقترح عليه السيد ادور خوشابا الفكرة فوافق مشكورا لهذه الفكرة مبديا سعادته الكبيرة بذلك, واتصل السيد ادور بي فهيئت للزيارة  وقصدنا مام الياس مع الاسقف كل من السادة ادور خوشابا , شمائيل هارون , اكرم عمانوئيل, ناصر بطرس و كوركيس هارون . فرحب السيد فرنسو وهو نجل مام الياس بقدومنا مبديا سروره العالي بنا وكذلك العم الياس فكان اللقاء يتدفق بالحب والروحانية الجياشة , وفرحة مام الياس كانت لا توصف حتى اجهشَ بالبكاء والدموع الغزيرة وخاصة عندما قام الاسقف بتقبيل يده , ثم دارت احاديث شيقة بينهما , ثم ذهب بنا العم الياس وعبر تلافيف ذكرته الموسوعية الى الماضي التليد مستذكرا جميع الصلوات الطقسية باللغة السريانية الفصحة ( كَوشما ) فتلى الواحدة تلوا الاخرى ممتعا اسماع الحضور بصوتهِ العذب ,وكأن قطرات العسل تنساب من شفتاهُ, وهذا مما جعل نيافة الاسقف ان لا ينبس ببنت شفة للحظة ,بل سبقتهُ دموعه بالبكاء تعبيرا عن تأثره ورقة مشاعره ,وهذا المشهد الحميم جعل الحضور يبكي من شدة التفاعل . وفي نهاية اللقاء اجهشَ الاثنان بالبكاء عندما قال العم الياس (لا شَوقتلّي سَيدنا )لا تتركني سيدنا ووعده اسقفنا الجليل بان يزوره كلما سمحت الفرصة بذلك .

اقولها بصراحة كنت اخشى اثناء جلسات اللقاء ان اوجّع رأس العَم الوقور بكثرة الاسئلة والتوغل في تفرعاتها خوفا على صحتهِ وهو بهذا العمر المديد ان شاء الله , لكن الاخ العزيز فرنسو قال ان ابي يستمتع بهكذا حوارات لانها تذكره بمرحلة شبابهِ وشوق الحنين لتلك الايام الخوالي وباحبة واصدقاء رقدوا على رجاء القيامة وكأنهِ يجالسهم ويحاكيهم من خلال هكذا حوارات.

. وختاما أقول الصحة والعمر المديد للعم الياس ,والشكر الموفور لاولاده الاعزاء السادة عيسى و فرنسو وجميل الى جانب الاستاذ جورج مرقس اللذين لم يبخلوا في توضيح الكثير من الأمور الخاصة بالقرية .والشكر الخاص للاخوة الاعزاء سام البرواري  ونبيل الدمان  لتعليقاتهم القيمة والجميلة بخصوص حلقات اللقاء, ولكل القراء الاحبة.

صراحة استرعي انتباه الإخوة الأعزاء من أبناء قريتي يردا والانش في الاستعانة بهذه الموسوعة  الزاخرة العَم الياس لكتابة وتوثيق تاريخ القريتين او لتوثيق شجرة او شجرتي عائلة اليرداويين او الالانشين لتجسيد ورقة هذه العائلة في شجرة امتنا الباسقة, وعدم إضاعة هذه الفرصة الذهبية , واقول عذرا شديدا لاي خطأ او سهو ورد ضمن حلقات اللقاء فالكمال للباري وحده . الله وموروث امتنا الشعبي والحرص عليهِ من وراء القصد .

انتهت الحلقة الاخيرة .