المرأة في حضارة وادي الرافدين

 

                                                                                                                

                              

                                       

                                            

                                      

                                سهى بطرس هرمز

        

 

   الحضارات القديمة الأولى ما هي إلا انعكاس للماضي الذي بناهُ أجدادنا والتطور والازدهار الذي تحقق في عهدهم. ولو القينا نظرة على تاريخنا وتصفحنا في صفحاتهِ لوجدنا بأن أعظم الحضارات هي حضارة ما بين النهرين وأنها الأقدم والأعرق والأكثر تأثراً على مسيرة البشرية حتى يومنا هذا. ونحن ورثة تلك الحضارة المتميزة وورثة أولى القوانين المدونة في العالم (قانون حمورابي).

   لقد كانت حضارة مابين النهرين في مراحلها التاريخية حضارة واحدة مُوحدة غير مُجزأة والتي استمرتْ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وعلى ضفتي نهري دجلة والفرات نشأتْ أعظم المدن في التاريخ: سومر، بابل، آشور، أور، أكد. وكان أهلها يسمون نسبة إلى أسم مدنهم مثلا: السومريون يدعون هكذا نسبة إلى مدينة سومر، والآشوريون نسبة لمدينة آشور ... وهكذا بالنسبة للبقية. وهنا ليس من الضروري التفريق بين الهويات الحضارية، فهم في النهاية جميعاً هويات عراقية أصيلة ساهمَتْ في تكوينها الشعوب العراقية القديمة في عصورهم المختلفة، والتي مازال تأثير وأصداء هذه الحضارة مُستمر على البشرية لحْد يومنا هذا.

   مكانة المرأة في حضارة وادي الرافدين:  

    العائلة كانت أساس المجتمع العراقي القديم، وكان الرجل في العصور التاريخية يتمتع بسلطات كبيرة على أفراد عائلتهِ تصل في بعض الأحيان إلى حّد قتلهم أو بيعهم. ومن خلال ما سنوردهُ  بشرح مُختصر عن مكانة المرأة في الحضارات القديمة، أو الأصح ما يُخبرنا به التاريخ، نقع على صورة مؤلمة لواقع المرأة إنسانيًا وثقافيًا وأخلاقيًا، واسترقاقها من قبل الرجل ومن قبل مُجتمعها، مُوضحاً فيها نظرتهِ الضيقة للإنسان قبل أن تكون لنصفهِ المُكمل. فالمرأة مُكملة الرجل ولكن هذا الأمر كان غائب تماماً عن الحضارات القديمة بنسبة، مُقلصين دورها وفرصها في الخوض في الحياة بصورة عامة، وحياة الرجل بصورة خاصة.

   1 ـــ المرأة في الحضارة البابلية:

   الدولة البابلية (626- 539 ق.م): قامت هذه الدولة على يد أقوام من الجزيرة العربية وهم الكلدانيون، ومن أشهر ملوك هذه الدولة نبوخذ نصر (604-562 ق.م). والى عهده تُعزى مُعظم الآثار المُكتشفة في بابل ومنها (الجنائن المعلقة). 

   أما المرأة في الحضارة البابلية كانت عديمة الأهلية، محرومةٌ من حقوقها، كانت مُملوكة وليست مالكة سواء كان للزوج أو الأب، وأيضا ليس لها الحق في أن ترث زوجها بعد موتهِ أو ترث من والدها، على اعتبار أن التركة تكون للذكور وحدهم باعتبارهم امتداد لأسم العائلة. كذلك كانت المرأة تباع من قبل الرجل وكأنها سلعة من السلع، فقد كان الرجل البابلي يُعرض بناتهِ للزواج، بعد أن كان يُنادى عليهم من قبلهِ لكل عابرّ سبيل، وأيضا كان الرجل البابلي يدفع ببناتهِ للبغاء عند افتقارهِ للمال. فكان يتاجر بهنْ من أجل المال.

   ليس هذا فقط وإنما كان بإمكان الزوج عند عدم مقدرتهِ على ردّ دينهُ لدائنهِ أن يقدم زوجتهِ أو أبنتهِ للدائن سدادًا لديونهِ! (ولكنهم تحرروا من هذه العبودية في السنة الرابعة). فالمرأة عندهم وبنظرهم لمْ تُخلق ألا لإسعاد الرجل، وكان يُنظر إليها نظرة احتقار. كما كان من حق الزوج أن يحكم على زوجتهِ بالموت غرقًا لأقل الأسباب، كطلبها للطلاق أو إذا كانت مهملة لشئون بيتها وتربية أولادهم فكانت عرضة للحكم عليها بالطلاق دون أن تأخذ شيئاً. كما كان يحق لهُ أن يلقيها في النهر إذا ما شك في سلوكها، لأنهم كانوا يعتقدون أنهُ عند رميها فأن النهر سينقذها إذا كانت بريئة لان آلهة النهر لا تظلم، وإذا لم تكن ستغرق. كما كان للأب وحدهُ القرار الفاصل في زواج بناتهِ، وإليهِ يرجع حق اختيار كنتهِ في ما بعد.

   2 ـــ المرأة في الحضارة السومرية:

    تعتبر الحضارة السومرية من أقدم الحضارات التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين، وقد ظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومن أشهر ملوك سومر (اتو حيكال). والسومريون سبقوا الحضارات البشرية بكل الإبداعات كالشعر والملحمة الأدبية والعلوم والموسيقى وإقامة المدن بمفهوم المدينة، وفيها قامت أولى المدارس والتي أسموها بــ (بيت الألواح) في الفترة من 2300 ق.م.

    المرأة السومرية كانت عند السومريون تعامل مُعاملة فظة وقاسية، فلم تكنْ معاملتها أحسن مقارنة بالبلدان المجاورة، وذلك على الصعيد الاجتماعي ومن حيث حريتها وكرامتها. فكان يحق للزوج أن يبيع زوجتهِ وأولاده إذا ما أرهقهُ الدين، كما كان يحق لهُ قتلها غرقًا إذا تخلتْ عن واجبات الأمومة. كما كان يستطيع أن يُطلقها بسبب أو بدون سبب أو يتزوج عليها، أما إذا أرادتْ الطلاق فكانتْ تُقتل!

   3 ـــ المرأة في الحضارة الآشورية:

   الآشوريون (2000- 612 ق.م) هم من أقوام الجزيرة العربية التي قدمت إلى وادي الرافدين منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد. عاصمة الدولة الآشورية هي نينوى، ومن أشهر ملوكهم آشور نانيبال صاحب المكتبة المشهورة، وقد أصدر الآشوريون عدد من القوانين سميت بالقوانين الآشورية والتي كانت مدونة على ألواح من الطين المكتشفة.

   أما بالنسبة لمكانة المرأة عندهم، فقد أنخفض مركز المرأة الاجتماعي مُقارنة بمكانتها في الحضارتين السومرية والبابلية، فقد كانت تعتبر مُلكاً للرجل، ولهُ الحق في أن يُحرمها من كل ما تملك، ويُطلقها متى أراد. أيضاً كان الآشوريون من أقدم الشعوب الدينية التي أخضعت النساء للحجاب وكان يتضمن ستر الرأس والوجه، وكان يُسمح فقط للمرأة الحُرة أن ترتدي الحجاب، بينما الجواري كانت ترتدين الحجاب عند خروجهنْ مع سيدهم. وهذا ما أكدتهُ الحفريات المُكتشفة حيث تم العثور على لوحات طينية تتكلم بشكل تفصيلي عن الحجاب وقوانين أخرى تفرض على النساء اللواتي لا يرتدينْ الحجاب.

   أما بالنسبة للزواج، فالرجل عندما يريد الزواج يُحضر الأصدقاء ويُعلن أمامهم أن هذه المرأة أصبحتْ زوجتهِ ويتم وضع الحجاب على رأسها وتحجيبها. وهناك بعض المواد في القوانين الآشورية القديمة كانت تنص على زواج المرأة وأحيانا على مُعاقبتها ومنها:  مُعاقبة المرأة التي تنطق بالكفر وذلك في (المادة 2) من اللوح الآشوري الأول، بعدم جواز اقترابها من زوجها أو أبنها أو أبنتها.

   وفيما يخص الجرائم الجنسية فكانت القوانين الآشورية بشأنها تنص على (اختبار الماء)، مثل اتهام رجل زوجة رجل آخر بالزنى، فكان على المرأة المُتهمة إن تلقي بنفسها في النهر لإثبات براءتها (المادة 17 من اللوح أ من القوانين الآشورية).

هكذا كان حال المرأة في تلك الفترات من الحضارات، كانت قاسيةٌ عليها جداً.  وهذا ما دفع بالملك حمورابي لسنَّ قوانين ووضع نظام يصونُّ فيهِ الحقوق المسلوبة ومنها حقوق المرأة وتحريرها من العبودية.

   وبذكرنا نحن لكل ما أصاب المرأة قديمًا، إنما نريد بها العظة والعبّرة، وأن نُعطي للأجيال القادمة دفعة قوية ليرفعوا بكل ثقة وقوة، شعار العدالة والمساواة، ووضع قوانين وتطبيقها فعليًا لحفظ حقوق المرأة وحريتها وإنسانيتها، واستقرارها في مجتمع يعرف قيمة وجوهر هذا الإنسان التي لها دور تاريخي شامل على مرَّ العصور. والمرأة كما هو معروف ما تزال بحاجة إلى الإنصاف والمساواة في كافة ميادين الحياة، وأيضًا ما أحوجها إلى الاهتمام والرحمة والديمقراطية والعدل دون تعصب وتحقير يُقلل من كيانها وأنوثتها.

   ونحن لا نريد أن نعيش على أمجاد الماضي، بل نعيش في حاضرٍ نكون نحن صانعيهِ. وأن نثبتْ بأنهُ لدينا القدرة على تحمل المشقة والنضال الطويل لنعاود تواصل الحضارات نحو الرقيّ. وكل ما يهمنا ويعنينا في النهاية هو أن تكون حقوق المرأة كتلة واحدة لا تتجزأ.