هل يصح القول  بأن البزنس والأنا يغازلان الثقافة في ألقوش

 

 

                                                                       

                                                                             ثامر توسا

                                                                                    

        الباحث عن دواعي شهرة ألقوش , يجد بأن قدمها الزمني وموقعها الجغرافي ليسا كل السبب في تميزها وشهرتها  فحسب ,إنما الفضل الأجدر يعود الى حب أسلافها  المتوارث للمعرفه وعشقهم الفطري للحريه والارض اللذان غرسا في الأحفاد طباع التحدي والطموح ,فعندما تجتمع مثل هذه السمات في رقعة صغيره بتعداد سكاني متواضع,من الطبيعي ان تـُكسـِبها  مكانا بين مضارب الأمثال ,  حيث قلما يحكى عن قرية أنجبت وهي بهذا الحجم  مثقفين ومناضلين  آثروا أعواد المشانق على التخاذل والإنكسار, وأمضوا ربيع العمر في السجون والملاحقات وصعاب الجبال .

 

 ما سنطرحه في متن مقالنا , ليس القصد منه إثارة حفيظة أحد, إنما دواعي الحرص هي حافزنا لتحريك السكون الذي ربما يخفي مطاله مقالبا لم تحتسب ولا يستحبها الغيارى الذين نشاطرهم همومهم وتعلقهم ببلدتهم,وللعلم فإن حديثنا ليس وليد لقطة مجتزءه  او ندوه منفرده إستهوتنا للتعالي على أهلنا الأعزاء, كلا , إنما مشاهد متعدده  توحي بما يتوجب الكلام .

لقد ساقتني الصدفه أثناء زيارتي لبلدتي القوش, الى مصاحبة أصدقاء لحضو ندوة أقيمت في نوفيمبر الماضي على قاعة منتدى الشباب ,حضرها الاستاذ والصديق فائز عبد  مدير الناحيه  ومعه  طاقم مسؤولي دوائر الماء والصحه والكهرباء والبلديه  والزراعه والتربيه للإستماع الى ما في جعب المواطنين  من شكاوى, وهو جهد يستحق الثناء و الاحترام .

 رغم ما تخلل الندوة من أمور ايجابيه , تخللها أيضا اثارات تقود المرء  الى بلورة فكرة  تقربنا اكثر الى واقع البلده, حيث تشعبت التساؤلات لتشمل إستعراض أزمات عده في مقدمتها الكهرباء (المولدات) وفواتيرها و شحة الماء  و نقص في الخدمات الصحيه  و عدم اكتمال ملاكات المدارس  وقضية توزيع الاراضي وبناء المصرف وجمالية الشوارع  وارصفتها وتنظيم سير المركبات  وما الى ذلك  من أمور أخرى لا تقل اهمية .

لاحظ عزيزنا القارئ  تشابك الشكاوى وتنوع الهموم التي مهما حاولنا البحث عن ما يبررها مدى تسع سنوات,فهي توحي الى وجود أكثر من خلل ,وهذا ما يمكن قراءته  بوضوح في أنطباعات الحاضرين و قناعتهم  التي لم تكن بالدرجه التي يتمناها أي مسؤول لأسباب تتعلق بروتين تبرير التقصير وإلقاء مسبباته على جهات من خارج طاقم الوحده الاداريه الرسمي أو على الوضع  العراقي السائد , وهذا دون شك يقلص حجم تجاوب المواطن ويقلل من ثقته بمسؤوليه ِ. في كل مكان وزمان، يتعثر تحقيق الأفضل  ما لم تسود رزانة تواصل المسؤول مع مرجعيته ومع العاملين تحت أمرته ، دون ذلك تتشابك عليه مهام تحديد الواجبات وصون صلاحيات موظفيه  او محاسبتهم  ضمن مجال عملهم, مما يفتح الثغرات لغير ذوي الإختصاص من الذين تتضارب منافعهم مع مصالح عامة الناس وهذا من شأنه أن يخلق حزمة عوائق وممنوعات تقيد أداء الدائره وتصدع رؤوس وجيوب المراجعين .

 فعندما يغض المسؤول الطرف عن تشخيص السلبيه مهما صغرت او كبرت دون ايجاد الحلول الناجعه لها او التقليل منها, يكون أداء الواجب المناط به قد ناله العطب, وهذا ليس طعنا بأحد فيما لو إعتمدنا مواقف القائمين إبتداء من المحافظ ونزولا الى اصغر موظف  تجاه واقع البلدة الملفت للإنتباه.

  إن إخضاع مهمة الوظيفة لجبروت الأنا النفعيه ومغازلة البزنس  والمحسوبيه تاتي في مقدمة عوامل غياب التنسيق المهني المتبادل بين المسؤول والمواطن,لذلك ينتاب الناس الخشية من أن تصبح الدرجة الاداريه والسياسيه وحتى الروحيه  بمثابة أداة لجلد اومناكدة مخالفيها في الرأي او معرقلي صفقاتها على حساب معاناة الناس, والخشية الاكبرمن ان تصبح الدائرة مكتبا محصنا  تفتح أبوابه فقط لإبرام العقود  وعقد الصفقات  ليدار فيها البزنس الشخصي بينما الشرخ  بين المسؤول و المواطن في توسع .

إلى الغيارى من أهالي بلدتنا العزيزه ألقوش :

 لقد شهد عراق ما بعد2003 تغييرات إختلطت فيها المعايير والأسس المعتمده , مع ذلك فالجديد الذي توالت فصول تغييره شمل شتى مناحي الحياة, بمعنى أن هيكليه مغايره عمت اروقة العراق الجديد من ضمنها بلدتنا التي ساهم أهلها في إحلال هذا الجديد محل  الهياكل الاداريه والسياسيه البائده (المــزّكاة بعثيا) .

  إذن  نحن أزاء وضع إنتظرناه بفارغ الصبر , سيما والكثير من دواعي معارضتنا  لسلوكيات المسؤولين في السابق قد زالت بسقوط النظام  بأكمله , أي من حقنا, لابل نحن مطالبون بالإمساك الجماعي بكل فسحه  تفرزها  المرحله  وإستثمارها لصالحنا,والا ما فائدة الأنتخابات  والتمثيل والمناصب,  و ما جدوى فتح المقرات الحزبيه دون ممارسة دورها الرقابي على أداء المسؤولين, وما دور منظمات المجتمع المدني و يافطات الجمعيات و النوادي وإتحادات نسائية وطلابيه , أليس من واجباتهم التنسيق فيما بينهم لتتحقق تلك الرغبه التي حرمنا منها طويلا .

  وإذ حديثنا سيطول حول الوضع  الذي لا يفترض أن يتفشى في  بلدة كالقوش عانت ما عانته ردها طويلا و نحن داخلون في عام التغيير التاسع  و لا ننسى أن قرانا تنعم بقدر لاباس به من الامن ,يتساءل المرء  :

 يا ترى ما المطلوب اكثر من هذه الفرص والفسح كي ننتقل بحالنا ذاتيا الى ما هو افضل  ؟ ولو شاء أحدنا توجيه المزيد من الأسئله  المباشره ,فالماسكون  بزمام اداراتنا وتنظيمات أحزابنا و جمعياتنا  ونوادينا هم أول من سنطالبهم بالإجابه لأنهم  الأ َولى بتحمل المسؤوليه  :

  أولا : متى سنغادر ثقافة وعقلية المعارضه التي فرضتها علينا ديكتاتورية الحزب الواحد وشمولية حكم نظامه ؟ من حق ألقوش ان يكون فيها مشاريع تطويريه واستثمارات ماليه تخلق عوامل البقاء وتشجع للهجرة المعاكسه, ألا يجدر تشكيل  لجنه او هيئة  محليه  تضم ممثلين من كافة  التنظيمات والجمعيات تجتمع شهريا  للتباحث في مثل هذه المواضيع من اجل التنسيق مع أصحاب الأفكار والأموال من اهلنا في الداخل والخارج ؟

وثانيا :متى سيبادر مثقفونا الى تشكيل هيئة  ضاغظه تتعاون مع المسؤولين وتحثهم على العمل ومتابعة حالات التقصير  كي يتأمـّن المواطن الذي ضحى بما يعطيه الحق في مواجهة المسؤول ومطالبته بحقه , كلنا يعلم بان البلاد تمر في وضع استثنائي ,  لكن هل من سبيل آخر لملاحقة الفساد , وإلا كيف نستطيع ونحن بهذا الحال ان نكسب ثقة صاحب رأس المال كي يستثمر أمواله في خلق حوافز الاستقرار و نبذ فكرة الهجره و بناء الانسان الذي ناضل الكثيرون من اجله .

أسئله كثيره تتزاحم  في الأذهان حول أسباب حرمان البلدة من توسيع فرص العمل فيها وهي ظاهرة يمكن للمرء أن يتعرف من خلالها على قدر إهتمام مسؤولينا من شتى مواقعهم السياسية  والاداريه  والدينيه.

  بالله عليكم , لماذا نحن اليوم في ألقوش حزبيون ومثقفون ناطقون أو صامتون ؟ ومن أجل ماذا قبلنا  بالمناصب؟وما هي أولويات عمل  المسؤول الإداري  والحزبي والمدني والديني تجاه رفعة البلده وأهاليها؟ ثم  نحن يا ترى كسياسيين  وإداريين  عارضنا  النظام السابق ,وها نحن اليوم استلمنا مقاليد إدارة شؤون بلدتنا , ماذا بعد ؟ نعارض من الآن ونقتص ممن ؟ ما الذي يحول دون لملمة  ذواتنا  لفرض إحترامنا على الآخرين من خلال إحترامنا لتاريخ  بلدتنا ونضالات أسلافنا ؟

لا أخفيكم سرا لو قلت بأن الإجابات التي يسمعها المرء كلها  تثلج الصدور وتنعش النفوس, لكن الغريب في الامر أن الجميع غير راض عما يدورعلى ارض الواقع ,  أذن اين الخلل؟

من خلال أحد جلسات الأحاديث ذهب أحد الاصدقاء الشيوعيين  الى القول  وبكل جرأه :

 ((نحن بصراحه نقتدي بفلسفة المرحوم المناضل الشيوعي ابو جوزيف وهو مثالنا الذي كان يؤكد دائما  وفي أكثر من مناسبه ,على ان  كرامة اهلي في القوش و مكانة بلدتهم  أهم عندي من أي شأن آخر)). لا فض فوك يا أبا جوزيف على مقولتك هذه .

حسنا اذن يا سادتي , دعونا نعيد السؤال مرة أخرى الى مثقفينا وسياسيينا  ومتدينينا في القوش, سؤالنا هو :

هل من تنسيق بين سياسيينا الأكارم ومسؤولينا الإداريين ورجالات الدين  لرسم وتحديد السبل  والبرامج الجماعيه التي يمكن من خلالها تحقيق ما لم نستطعه في السابق؟ وهل تم ترتيب ما يثبت مصداقية ما ندعيه تجاه البلده كضمان تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل وفرض أجواء الرقي والتطور في شوارعها وأزقتها والخفاظ على هويتها؟

من المسلـّمات البديهيه , أن من حق الناشط الفكري الحر والملتزم بقضيته , لابل من واجبه السياسي و الأخلاقي والفني , ان يتنافس حضاريا في البحث عن من يشاركه او يقترب منه  في  بعض أهدافه وتطلعاته  وليس كلها , للعمل  من أجل تحقيق طموحات من يتكلم باسمهم  وتنفيذ شعارات حزبه وتياره  . هل حصل شيئا من هذا القبيل ؟

 من خلال  ما أوردناه أعلاه , يستطيع المتابع أن يشيرالى ان أحد مكامن الخلل الاساسيه هو في  ثقافة المعارضه  التي مازالت تتحكم في ميكانيكية عمل عقولنا بحيث  ترانا نجيد  مهمة الدفاع عن أخطاء الــ  (أنا)  ورد الملامة للآخر كلما جوبهنا بالنقد وأحيانا يصل الامر بنا الى الإنشغال بالبطش المتبادل بالتالي يسهل على الأخرين إختراقنا.

  أماعندما يهاب الانسان عملية النقد الذاتي , حتما سيستكثر على الأخرين نقدهم  له وكشف أخطائه معتبرا ذلك إهانة له أو تجاوزا على مبادئه وصلاحياته , لكنه يتناسى بأن أهمية هاتين الممارستين الجوهريتين (النقد والنقد الذاتي) اللتين بدونهما لايمكن التكلم عن إحداث تغير نوعي ,ولا يمكن ان تكتمل عملية صقل الذات لتحقيق الأسمى والأرقى  الذي سيزيد من هيبة البلده وإشراقتها , مرة أخرى يؤسفنا  تكرارالقول بان الكل يعاتب الكل واصفا  الحاله  بانها قد اصبحت مصالح وبزنس وما الى ذلك .

الكبرياء يا سادتي , هي من الصفات التي تميزت بها الشخصيه الالقوشيه , لكن  لا ان تكون سببا يضعنا في موقع استكثار الجلوس والتحاور مع إخواننا على طاولة  تجمع نخب محبي  بلدتنا  بغض النظر عن الميول , لان مؤدى ذلك غاية  في الاذى و نتيجته ترك الحبل على الغارب أو الإتكاء على عتبات الطبيعة لحين تلد لنا الكاريزمه التي تحسم الموقف أو نترك الأمور بيد الآخرين . يخطئ من يقول بان العقم قد اصاب رحم القوش , كلا وألف كلا, ففي القوش اليوم مثلما في الامس, من العقول والقدرات قلما تجدها في مكان آخر, لكن اين دورهم ومبادراتهم  في ترحيلنا من خانة المعارضين الى خطوط العمل و تحمل المسؤوليه في محاربة ظاهرة مغازلة المفكر والمسؤول للبزنس .

 إن سكان بلدتنا  القوش يشكلون عائلة كبيره وسط مجتمعنا (الكلدواشوري السرياني) في المنطقه ,إنهم أهلنا ورأس مال أجيالنا و مبعث فخرنا وكبريائنا ماداموا يربضون فوق ألارض و يكابدون العناء  كل يوم , لقدعلمتنا  ضائقات الحياة  وإبداعات ألأسلاف بأن أبناء العائله هم أجدر في حماية اسوار بيتهم واقدر على إدارة أزماتهم وحلحلتها من غيرهم , لأنهم يمتلكون من الطموحات والتطلعات في نضالهم وصمودهم  أضعاف ما يدعيه شخص متغرب مثلي او اي غريب قادم اليها, لذا نقول بأننا أزاء حالة بحاجه الى من يحرك ركودها , وأؤكد بان كلامي ليس مجامله ولم أسوقه من فراغ ,لأن الآهات الممتزجه بالحسرات  بدت واضحة في نبرة كلام  جلّ الذين شاطرناهم الأحاديث وهي دليلي فيما أدعيه .

أكرر خشيتي من وضع مقصد كلامنا في خانة إحراج طرف او تجريح ثان لإعلاء شأن طرف ثالث لا سامح الله , نحن في كلامنا  يا اخوان بصدد تشخيص بعض ما نستطيع من جوانب الخلل, وما يهمنا هو وضع مصلحة البلدة التي نتفاخر بها نصب أعيننا لأنها أمانة الآباء في أعناق أبنائهم اكثر من غيرهم , و الامرمتروك لغيرة الأخيار ودرايتهم في تقويم الحاله والعوده بالعربه الى سكتها الصحيحه قبل ان تنحرف اكثر ونفقد السيطره عليها.

 نقول وبكل محبه , يبقى الأمل معقود على نخبنا المثقفة والسياسيه في القوش وبقية البلدات كي تمارس دورها المطلوب و تعاود التذكير  بنضالات الأسلاف و تواصلها  معهم , لان الانسان الذي لا يخطط لحياته بنفسه  سيخطط له الآخرون ليجد نفسه تابعا مسلوب الإراده, ولنتذكر بأن الذي يشاور العقول سيشاركها في حصاد نبوغها وإبداعها وهذا ما إعتاده آباؤنا.

 ختاما ، ليسمح لنا القارئ العزيز بالتذكير بفقرة من مقال  سبق وكتبته في مناسبة نقل جثمان المناضل الشيوعي الالقوشي توما توماس برفقة  المرحومه زوجته الى مثواه في  بلدته القوش  حيث قلت:

((إذن إجتمع الخالد الذكربرفيقته وحبيبته أم أولاده ليكون اللقاء رمزا للحب المتجدد والتضحية والفداء، إجتمعا تحت شاخصة قبر لابد أن تشكل في ضمير الانسان العراقي عموما والقوش خصوصا وعلى مدى الدهر, مثابة محطة تستريح عند ظلالها بعض خطى المناضلين المتعبه لكي تستلهم من ذكرى تاريخ من يرقد تحتها: العزيمة..................و.................. الثبات )).   ودمتم بخير  

 

 الوطن والشعب من وراء القصد