المماطلة : سياسة التهميش وإقصاء الغير

 

 

              

       

                                         

                                          يوسف زرا

 

 

    إذا كان المفهوم التاريخي للعقد الاجتماعي ذات أهمية وحتمية ولادته، فلا بد من اعتباره أول مبادرة إرادية للعقل الجماعي للإنسان بغية تنظيم حياة التجمع البشري ما بعد مرحلة الصيد وظهور القرية الزراعية البدائية وإقامة أسس أولية لآليات الدولة، ومنها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها.

   فبعد ذلك كان لابد أيضا من بدء بروز فئة داخل التجمع ذات كفاءة نوعية لتولي مهام تنسيق الحياة اليومية وتصريف الأمور وفق متطلبات أنية وما يستجد عبر المسيرة التاريخية ولكل فترة زمنية لحركة المجتمع، كتجربة أولية عبر الاستقطاب الطبقي لكل جيل أو مجموعة أجيال وما تخللها من الأساليب القسرية التي كانت تظهر وتسود في المراحل المذكورة. فإنها بحد ذاتها تعتبر بدء تقديم خدمات عامة يقوم بها المتولون بتصريف شؤون المجمع. وفي هذه الحالة لابد أن يتميز السلوك الشخصي والمستوى الفكري بدرجة من الرزانة والثقافة النوعية عن غيرهم لتكون هناك نتائج ايجابية نسبيا أكثر من المخلفات السلبية من تصرف تلك الفئة، باعتبارها النواة الأولى لظهور ما يسمى (الحكومة) والتي أصبحت بحكم الفرضية الاصطفافية لتحملها المسؤولية المباشرة عن كيفية حماية المجتمع والدفاع عنه وعن ممتلكاته وصيانة حقوقه الأساسية بالحياة. ووضع الأسس اللازمة لتشخيص الواجبات المترتبة عليه.

    وإذا كانت غالبية حكومات الدول العربية سابقا ومنها لازالت قائمة تمثل مصالح أنظمة شبه الإقطاعية والمدعومة بمرجعيات عشائرية و (دينية – مذهبية ). ومنها ملكيات أو جمهوريات شكلية غير دستورية، وقد استأثرت بالسلطة وبقت كقوة متنفذة ومستبدة في إدارة شؤون المجتمع، ومنها قد قفزت على كراسي السلطة التنفيذية عبر مسرحية الانتخابات الشكلية وبحماية فقرات ومواد من الدساتير القائمة ذات نصوص مبهمة كما حصل في العراق الجديد بعد سقوط النظام السابق في 9/4/2003 ودور المحتل في تعميم سياسة الفوضى الخلاقة وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والقومي والديني بين مكوناته المتعايشة منذ قرون وقرون.

    فان ما تشهده الساحة السياسية فيه من التناقضات والاختناقات وتراكم الأزمات والتي تحاول الحكومة القائمة بشخص رئيس الوزراء، اللعب بالورقة النافعة لصالح حزبه فقط. فانه قد التجأ منذ توليه رئاسة هذه الحكومة قبل أكثر من سنتين من الدورة الثانية، إلى المماطلة والمراوغة في حل كل أزمة بما يناسب ويؤدي إلى الاستقرار الأمني والسياسي والازدهار الاقتصادي. إلا انه يحاول بين فترة وأخرى خلق أزمة بعد أزمة وتعليق السوابق على الرفوف بحجج غير مقنعة لمعارضيه والاستئثار بالحكم لأطول مدة ممكنة وفشل البرلمان بسحب الثقة من رئيس الوزراء لاختلاف كتله على ذلك. وأخر الأزمات التي كادت أن تشعل حرب ضروس بين قوات الحكومة الاتحادية وقوات البيشمركة لإقليم كردستان، لعدم رغبته بحل المعضلة الرئيسية بين الحكومتين وهي المناطق المتنازع عليها والمادة (140) حول كركوك، ومسألة قانون النفط والغاز وأحقية حكومة الإقليم من استثمار النفط والتعاقد مع الشركات العالمية وتصديره إلى جانب المتراكم منها، وهي المطاليب الشرعية للمتظاهرين في المحافظات صلاح الدين والرمادي والموصل وديالى وغيرها والتي مضى على بعضها عدة أسابيع وتخص إطلاق صراح الأعداد الغفيرة من المعتقلين والمعتقلات بدون توجيه أي تهمة جنائية ضدهم ومسألة قانون العفو العام والمساءلة والعدالة والمادة (4) الخاصة بالإرهاب وعدم انجاز مجموعة قوانين والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب لاختلال النصاب لعدة جلسات بصورة متعمدة. ومنها قانون الخدمة الموحد وإنصاف المتقاعدين، وقانون الاتحادية وغيرها.

    إلى جانب الفساد المالي والإداري المستشري في جميع مرافق الدولة وحماية كبار المفسدين من قبل زعماء القوائم المتصارعة على السلطة وفي مقدمتها قائمة كتلة رئيس الوزراء (دولة القانون) وأخر الفضيحة الكبرى من الفساد المالي هي التي رافقت صفقت الأسلحة الروسية وما يجري خلف الكواليس المماطلة في التحقيق النزيه وكشف رموز المفسدين المتورطين فيها، عدا انتشار البطالة في صفوف الشريحة الواسعة من الشباب والعاطلين عن العمل ومنهم جمع كبير من الخرجين والخريجات من الكليات والمعاهد الخاصة . وان الحكومة ورئيسها منشغلة في عملية إعطاء المواعيد والوعود الفارغة لحل جميع الأزمات والمعضلات المطلوبة وبدون جدوى، مما قد يؤدي إلى نفاذ صبر الشعب واستغلال الوضع المتردي امنيا واقتصاديا من العناصر المنتمية إلى فصائل التطرف الديني والمذهبي والقومي وإشعال فتنة الحرب الأهلية ولا يمكن لأحد من احتوائها.

   وان سياسة المماطلة والاستئثار بالحكم وتهميش أو إقصاء باقي القوة السياسية لا يمكن أن تؤدي إلى ثمار ونتائج تخدم أي طرف، ولا بد من التروي والتحكم العقلي والإسراع في تفويت الفرصة للمتربصين بالوطن من الداخل والخارج بالإسراع في تلبية مطاليب جميع القوى السياسية الوطنية المعارضة كمطلب ملح لا غير.