كَرمّي موشّي

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي

منذ قديم الزمان كان لشعبنا الكلدو آشوري السرياني في قراه طرقه التقليدية الخاصة في حفظ المواد الغذائية طازجة ,بعيدة عن الحشرات ,والفساد بكَيتا منها عملية التجفيف وخزنها لفصول أخرى من السنة , وهذا لم يكن بألا مر السهل ,لعدم وجود ما هو متاح الآن من أجهزة التبريد الحالية والمواد الحافظة  .

وهنا سأتطرق إلى إحدى تلك الطرق لحفظ التقليدية .

كَرمّي موشّي  مصطلح سرياني مركب معناه تجفيف العظام , لقد تطرقنا في موضوع سابق عن قَليا وكيف كان أهلنا في القرى ينحرون العديد من رؤوس الحيوانات في فصل الخريف, لخزن اللحم في للشتاء كمادة غذائية أساسية لهم, لان الجو في هذا الفصل يبدأ تدريجيا بالبرود وهذا مما يساعد على الحفظ المواد طازجة .

أما العظام فكانوا يملحونها جيدا ويتركونها لمدة يومين اخلي ملخاي  أي يأكلوا الملح يتوغل فيها , أما العظام المجوفة خلولي , مار بويا , بزعا  فكانت تحشو بالملح بواسطة إمرار  شَبتا عليها وهو قضيب حديدي بطول متر, ذات مقبض خشبي يستعمل لقلب الخبز عند الطبخ,وكانت تدخل في تجويف العظام لكي يصل الملح إلى ابعد نقطة فيها,لكي لا يفسد لحمها .

ثم كانت العظام تكسر من الوسط  لكن دون نزعها عن البعض ,ثم كانت تحدد مكان التعليق, أي في خارج البيت لكن تحت السقف لعدم الإمطار عيها . فكانت الأسلاك تعلق بالسقف ذهابا وإيابا ومرتفعة عن الأرض لكي لا تطأطئها القطط والكلاب وغيرها, فضلا عن إن الذباب كانت قليلة لبرودة الجو في الخريف .ثم كانت العظام تعلق على الأسلاك أو تقلب عليها , وتترك هناك لفترة, حتى تفرز مياهها وتجف نهائيا  بَرزتا .

ثم كان يحضر كيسا قماشيا من  كَراوا  وهو قماش ذو مسامات, أو جوالا (كَونية ) من الخيط بحث يتمرر الهواء فيها أو تتنفس العظام كي لا تفسد , وبعد جفاف العظام كانت توضع فيها الأكياس المذكورة ,وتغلق وتعلق على السقف كي لا يطأها أي حيوان,أو الحشرات رجبّي , رخشي .

وقبل الطبخ بيوم كانت العظام تنزل وتوضع في الماء كي تلين مَركختا  , وثاني يوم كان لحم العظام يَلين ويرجع اللحم وكأنه طازج مذبوح الآن  .

وعلى ذكر العظام  كَرمي كان لشعبنا أمثلة وطرائف :

 ايلي مَخ كَلدا وكَرمي , أي انه جلد وعظم كناية عن الشخص الضعيف بدنيا .

كَرمي دميثا كي باخي لاتري, أي عظام الميت تبكي على موطنها تشتهي أن تدفن في الوطن .

 ناشي دناشا اخلي بسرا دناشا وكي طاشي كَرمي اينا نوخرايي كي اخلي بسرا شَمري لكَرمي , أي الأقربون إن أكلوا لحمُك , فأنهم سيدفنون العظام , أما الغرباء فيأكلون لحمُك ويرمون العظام خارجا .

 إلا لي شَوقن كَرما كَاو بَغروخ دلا توارا , إلا لن اترك عظما في جسدك دون كسره , يقال من باب التهديد بالضرب .

 الا بد هرشني كَرموخ , إلا سوف اهرس عظامك لتهديد أيضا .

 ايلي ناشا كَرمو يَقوري ليهي , انه إنسان عظامه ثقيلة يقال للشخص ثقيل الدم , الغير المهضوم .وعلى هذا الذكر كان هناك شابا مقبلا على الزواج فقال لأهله اخطبوا لي البنت الفلانية , فذهبوا فقالت البنت لا أريده كَرمو يقوري ليهي , أي عظامه ثقيلة !!!. ثم حدد أخرى فذهب الأهل لخطبتها , لكن البنت قالت نفس جواب الأولى بخصوص عظامه . بعدها حدد الثالثة لكنها حمدا لله لم تتكلم عن عظامه  بل قالت لا أريده  دمّه يقورا ايلي , أي دمه ثقيل!! .. استاء الشاب فسألوه أهله مَنْ تريد أن نَخطبها لك؟ فرد بعصبية غير معتادة   لي يَدن طلوبون مَني دبايوتن بَس لا هَويا اورزا ,أي لا اعرف اخطبوا مَنْ شاتم بَس أن لا تكون ذكرا !! .

وعلى ذكر الزواج كان هناك شابا مقبلا على الزواج ولكن كان متلهفا ومحترقا للزواج فسألوه أهله مَنْ تريد أن نخطب لكَ ؟ فرد بتلهف وحرقة غير معتادة مَني دهَويا, بَس بوش ركختا هَويا من كيبا. أي مَنْ تكون لا يهم ,على أن تكون اليَّن من الحَجَر.

 متلي وكَرمو سبسلَي , أي مات وفسدت عظامه لتأكيد حدث الموت.

ايلي مَخ كلوا نكَارا كَرمي, أي انه كالكلب يأكل العظام يقال للشخص الذي يحب أن يأكل العظام .

ختاما أقول إن هذه الطريقة الخاصة لحفظ العظام لم يعد لها الحاجة الآن, بفضل مانراه من أجهزة التبريد العديدة ,ولكن العبرة الأعظم هي إن أجدادنا العُظام كانوا وراء ابتكار هذه الطرق الناجعة ,الى جانب ان الحاجة عندهم كانت تدعوهم للاختراع  والابتكار والابداع , وهذه هي الحَكم ومكانة الفخر والاعتزاز لنا جميعا , إلى جانب معرفة الأمثلة والطرائف والحكم والقصص الطريفة من موروثنا الشعبي,والتحكم إليها في أحاديث حياتنا اليومية, لتكون على مسمع الجيل الناشئ ..