الآباء الدومنكان في الموصل.. ريادات متعددة

 

                                                   

 

 

                                                             

                     

                                                              

                                                                 اكد مراد

               

 

    يجمع المؤرخون أن الإرساليات التبشيرية كانت أحد محركات النهضة الثقافية في العراق، ومن بينها إرسالية الآباء الدمنيكان الايطاليين التي وصلت العراق سنة 1750 وحطت في الموصل رحالها. كان يدير الإرسالية الاب فرنسيس وهو طبيب ناجح اهتم إلى جانب عمله الذي استمر 17 سنة بعيادة المرضى وعلاجهم، والأب عبد الأحد الذي خدم في المناطق الجبلية وتوفى في ألقوش سنة 1753 .

 

أول مطبعة حجرية

اهتم الآباء الدومنيكان في نشر الرسالة الإيمانية والمحبة بين الناس، فقد أحضروا معهم إلى الموصل أول مطبعة حجرية عام 1858 بمسعى من الأب بيسون، كانت المطبعة خطوة كبيرة في مجال بث الأفكار وتعميم الثقافة، فقد نشرت الكثير من المطبوعات، وكانت من بين أهم الأسباب التي حفزت وخلقت حركة ثقافية مميزة في الموصل، إذ وصل عدد الكتب التي طبعتها إلى أكثر من 500 دينية لغوية تاريخية ومدرسية وبلغات عديدة، العربية والسريانية الشرقية والغربية، الفرنسية، والتركية، كما طبع الآباء نشرات للحروف العربية والسريانية وكتاب القراءة المصورة. ومن بين الكتب المهمة التي أصدرها الآباء كتاب (أصول النحو بطريقة جديدة) وهو أول كتاب في النحو والصرف العربي يطبع في العراق. وكتاب (مبادئ التهجئة) لتدريس الصبيان في العام 1862 باللغتين العربية والسريانية وكتب عن في علم الهندسة والجغرافية والفلك.

 

أول مدرسة

تأسست في العام 1856 أول مدرسة للآباء الدومنيكان وكانت بناية قرب دير الآباء في منطقة الساعة، وقد اهتمت بتدريس اللغات العربية والسريانية والتارخ والجغرافية والرياضيات وغيرها  فضلا عن دروس الدين. بعد نجاح هذه المدرسة توسع نشاط المدارس في الموصل، حيث زاد عددها إلى 3 عدد التلاميذ من البنين فيها 400 مع سبعة معلمين، ومدرستان للبنات تضمان 300 تلميذة. شجع هذا الإقبال على المدارس على فتح مدرستين في ضواحي المدينة، ومدرسة في مارياقو- دهوك، وأخريين في مدينة كركوك، كما فتح الآباء الدومنيكان أول مدرسة للبنات في بغداد سنة 1858 وفي عام 1877 تم افتتاح أول معهد كهنوتي للطلبة باسم (معهد مار يوحنا الحبيب)، المعهد خرج مئات من الطلبة المسلحين بالثقافة الإنسانية واللاهوت ويتقنون اللغات العربية والسريانية والفرنسية، استمر المعهد إلى عام 1914 حيث أغلق بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1923 أعيد فتحه إلى عام 1975. ومن بين النشاطات الفنية التي عمل الآباء على إدخالها كان فن المسرح، حيث عرضت في العام 1888أول مسرحية باسم (نبوخذ نصر) من تأليف الخوري هرمز نرسو مارديني وكان قد كتبها سنة 1886 كما مثلت مسرحية (لطيفة وخوشابا) بقيادة فتح الله سحار على المسرح في الموصل عام 1890 وطبعت في كتاب عام 1893 وهي مسرحية تربوية، تلتها مسرحيات أخرى بالعربية والسريانية.

 

أول مجلة عراقية: إكليل الورد

كان من المحتم لكل هذه النشاطات التي أطلقها الآباء أن تفضي إلى ولادة كائن ثقافي جديد، فكانت أكليل الورد أول مجلة شهرية عراقية، صدرت في الموصل سنة 1902 وصادفت قبولا وإقبالا كبيرين بين القراء آنذاك. كانت ثلاث مجلات في مجلة واحدة، فقد صدرت بثلاث لغات العربية- السريانية- الفرنسية، ثلاث لغات لمجلة واحدة، لكل واحدة منها مواضيعها الخاصة يجمعها خط عام واحد، وطابع موحد غلب عليه الطابع الديني والثقافي.صدور المجلات الثلاث جاء بالشكل التالي:

1. اكليل الورد العربية 1902 كانون الثاني 1902 لغاية كانون الثاني 1909

2. اكليل الورد السريانية (............) آب 1904لغاية تموز 1907

3. اكليل الورد الفرنسية (...........) كانون أول 1906 لغاية كانون ثاني 1910.

 

أكليل الورد العربية

جاء غلاف العدد الأول منها مزخرفا بوريقات موردة تعلوها صورة للعذراء محتضنة طفلها يسوع، وفي الوسط العنوان (اكليل الورد) وتحتها مقولة للبابا لاون الثالث عشر 1894 وفي الأسفل تاريخ الإصدار. خصص جزء من الغلاف الأخير لتكملة إحدى المقالات، والباقي قائمة بأعياد الشهر. واللافت أن ورق الغلاف لا يختلف عن ورق صفحات المجلة الداخلية، وقد استمر هذا الغلاف للأعوام الثلاثة الأولى. ضم العدد الأول مقالين رئيسيين. الأول إعلان المشتركين في الأخوية الوردية المقدسة. الثاني قصة كفاح مار عبد الأحد لأعداء الإيمان. وقد صدر منها في السنة الأولى 12 عددا أي بمعدل عدد كل شهر. وكان عدد صفحات العدد الأول ثمان صفحات، ويلاحظ على مقالاتها أنها غفل من ذكر أسماء الكتاب. وفي المجلة فهرسة لمواد السنة الأولى في العدد الأول من السنة الثانية. وهذا نظام اتبعته المجلة في سنواتها اللاحقة. أما تسلسل الصفحات من العدد الأول إلى العدد 12 في السنة الأولى فقد بلغ 104 صفحة، بدأ التسلسل من العدد الأول بالرقم واحد للصفحة الأولى وإلى الرقم 8 للصفحة الثامنة، والعدد الثاني بدأ بالرقم  9 وهكذا إلى العدد 12 في العام الثاني تناولت المجلة موضوعات وتأملات روحية، وسير بعض القديسين بالإضافة إلى الحوادث والأخبار. وهكذا توالى صدور المجلة حتى سنة 1909 بقي أن نقول أن آخر عدد للمجلة حمل الرقم 96 وعند هذا العدد توقفت عن الصدور.

 

اللغة السريانية والمجلة

بعد النجاح الذي لاقته نسختها العربية، شجع انتشار السريانية الشرقية في أوساط المسيحيين في العراق، خصوصا في منطقة سهل نينوى، الآباء الدومنيكان على إصدار أكليل الورد بالسريانية،. صدر العدد الأول منها في آب 1904  بغلاف أحمر رسم عليه إكليل كبير من الورود، تتدلى منه حبات المسبحة الوردية، ويتوسطها الاسم (إكليل الورد بالسريانية.................) وفي أعلى الغلاف عام الصدور ورقم العدد، وفي القسم السفلي من الغلاف فهرس بالمواضيع، هذا التصميم استمر معها في جميع أعدادها. أفتتح مطران بغداد على اللاتين يوحنا درور الكرملي العدد الأول من المجلة برسالة وجهها إلى مدير مطبعة الدومنيكان في الموصل بتاريخ 8 تموز 1904 تبعتها رسالة وجهها غبطة مار يوسف الثاني بطريرؤك بابل على الكلدان إلى أصحاب السيادة المطارنة وحضرات الآباء الكهنة والشمامسة وسائر المؤمنين، رحب فيها بهذا الإصدار الجديد، ودعوهم إلى المشاركة فيها والاستفادة من مقالاتها. كما ضم العدد مقالات تناولت اصل الوردية، وشرحا للصلاة الربية وتعريفا بكتاب الأنبا شموئيل جميل. على ظهر الغلاف الئأول قائمة بالأعياد التي يحتفل بها خلال شهر صدور المجلة، وعلى ظهر الغلاف الأخير قائمة باسماء الكتب المتوفرة في مطبعة الآباء الدومنيكان.

 

اكليل الورد والسورث

نشرت المجلة خلال سنتيها الأولى والثانية العددي من المقالات باللغة السريانية المحكية (سورث) وأخرى بالسريانية الشرقية الفصحى إلا أنها في السنوات الباقية اقتصرت على السريانية الفصحى، كما اقتصر محرروا المجلة على عدد محدود من الأكليروس، وأغلب المواضيع المنشورة كانت متسلسلة لكتاب عائدين لهم، كما أنفرد الأب حنا قريو في السنة الرابعة من عمر المجلة كمحرر وحيد يؤلف ويترجم غالبية المقالات.

 

المجلة 1904-1908 

بدأت سنة المجلة الأولى من شهر آب 1904 مع صدور العدد الأول منها وانتهت في تموز أب 1908 كان عدد صفحات كل عدد من المجلة 16 صفحة. الغلاف لم يأخذ ترقيم جميع الصفحات، وورقه لا يختلف عن ورق الصفحات الداخلية. خلال أربع سنوات اصدرت المجلة 48 عددا، أي بمعدل 12 عدد/سنة. في الصفحة الأ~ولى من العدد الأخير نشر إعلانا إلى القراء يعتذر منهم ويعلمهم أن المجلة (ستتوقف لوقت معين من طبع كراس إكليل الورد باللغة الآرامية  لأسباب مقبولة لا يسمح لنا الوقت لكشفها). هكذا توقفت المسخة السريانية من المجلة قبل توقف شقيقاتها العربية والفرنسية.