الشباب ومنظمات المجتمع المدني

 

 

              

       

                                         

                                          يوسف زرا

هل إن كل منظمات المجتمع المدني هي بديل لتنظيم سياسي معيّن؟

أم هي رديف له والمساهمة الفاعلة في النهضة الثقافية والاجتماعية والفنية والفكرية وغيرها.

       نعم إنها كذلك وكلٌ حسب نظامها الداخلي وهويتها المهنية ومنها ثقافية، اجتماعية، فنية، اقتصادية وغيرها. تأسست لتعمل في الوسط الجماهيري ولتحفز عنصر الشباب الذي يملك الشحنة الوقادة لا تنطفئ والقادرة على تحمل المسؤولية التاريخية في عملية التغيير والتجديد والابتكار لجميع مقومات الحياة اليومية للمجتمع.

       وهي الشريحة الواسعة التي تتحسس ما في داخلها من الطاقة التي لا تنضب، وان مسيرتها ليست كطريق معبد مسبقاً ومفروش بالزهور ومكسية بحلة سندسية لفصل الربيع. بل هي مسيرة صعبة وحمل ثقيل، يفرض عليها استلام راية العمل وتتقدم بخطوات حثيثة أمام كل المواكب، ولابد من إسنادها من قبل من لهم الخزين الوافر لعقود وعقود من السنين من التجربة والخبرة المتنوعة على الصعيد الثقافي والفني والاجتماعي والسياسي وغيرها. وكعطاء إرادي وطوعي منها (الشريحة الشبابية) المفعم بالوعي وشعور عالي لتولي المسؤولية التاريخية، ولابد من احتضان هذا العطاء واحترامه وجعله شمعة وهاجة تنير دربها لتتجاوز الكبوات والانعكاسات الكبيرة دون أن تفقد الثقة بنفسها وباقي من الموكب الذي معها. وكل ذلك هو ضمن حركة المجتمع وإفرازاته الزمنية المطلوبة.

وان تقدم أي مجتمع لا يتحقق وفق الرؤية العصرية لكبار المثقفين والتربويين وعلماء الاجتماع وقادة الكتل السياسية، ما لم تكن قد ولدت منظمات جماهيرية متنوعة لتكون كجحر الزاوية في البناء الجديد. وان ظهور هذه المنظمات لم يكن ولن يكون بمكان ترفيهي وصرف الزمن الميت فيها. بل خلايا دؤوية لإنتاج ما يحتاجه المجتمع الجديد.

وإذا كانت الكتل السياسية على نطاق الوطن، ومنها بأحزابه ذات جذور تاريخية أو بمسحة أيديولوجية طبقية أو قومية أو لبرالية، تبدأ لتعمل بصورة شرعية وقانونية. فإنها لا يمكن أن تنطلق بغير كوكبة كبيرة من الشباب وبكلا الجنسين، إلى جانب أهمية بقائها العين الساهرة لما تقوم به جميع مؤسسات الدولة الرئيسية والفرعية وذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو إداري وغيرها. وتقدم لها الملاحظات البناءة وتنبهها لما يعترضها من التلكؤ والإهمال في واجباتها تجاه المجتمع.

ونستخلص من ذلك أن ولادات منظمات المجتمع المدني لتسمياتها وواجباتها المذكورة والمناط بها حسب ما تمليه حاجة المجتمع ضمن المسيرة الطويلة والشاقة. فهي منظمات ذات صفة وطنية كاملة وشاملة ورقابية إيجابية.

وقائدة لعملية التغيير والتجديد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأي محاولة لأية جهة رسمية لإعاقة مسيرتها تعتبر خيانة للوطن، وعرقلة متعمدة لحركة المجتمع وخدمة للرجعية بكل مكوناتها الاجتماعية والفكرية. وان ما حدث ولازال يحدث في غالبية دول العالم الثالث وفي مقدمتها الدول العربية من الحراك الشعبي الثوري، لهو تأكيد لما جاء في متن مقالنا هذا ولابد أن يستمر حتى تتمكن هذه الشريحة من إثبات أحقيتها في المساهمة في عملية قيادة المجتمع وتجديده، وإنها بداية لمسيرة فريدة في تاريخ المجتمع الإنساني ذات صفات جديدة وجب احترامها ودعمها لا بل تقديمها لأنها حركة تاريخية للمجتمعات المقهورة والمسلوبة الإرادة وميزة لعصر جديد.