من موروثنا الشعبي (دَلوبي)  

 

                                                                                   

 

 

                                                                       بدران أمرايا             

وان حروب نشبت بين عدة دول ودَلوبي كلمة سريانية مشتقة من فعل (دلب) بمعنى المنقط المتساقط من الماء نقطة نقطة من مكان عالي . وظاهرة دلوبي كانت تحدث خلال فصلي الإمطار الشتاء والربيع وخاصة في القرى الطينية ذات السقوف الترابية بالسريانية ( كارواثا دعبرا ) والتي تهمل  وتترك بدون تحديل بواسطة الحادلة الحجرية الثقيلة ( مندورتا ) فكان الماء يتخلل بين التراب وبالتالي يتسرب داخل البيوت من خلال السقف ذات السمك الترابي الكبير (شكوري- بيت قرشي) أي المغطى ولدى تساقطه داخل البيوت فكان يحدث صوتا مقرفا (  تب تب تب ) بالإضافة إلى رائحة كريهة داخل أجواء  البيت رائحة ( الرطوبة ),  فكان أهلنا يضعون أواني معدنية تحتها لتتساقط فيها النقاط وكان أحيانا تغطى أرضية البيوت بالأواني المعدنية ولاحظ عزيزي القارئ شدة الأصوات التي تصدع الرأس الناتجة من كثرة الأواني وتخيل ذلك وأحيانا كان أهل ذلك البيت ينتقلون إلى بيت الجيران لعدم وجود مكان للنوم  وكان يتطلب تشغيل المدافيء الخشبية بصورة مستمرة للقضاء على تلك الرائحة المقرفة فضلا عن إن مياه النقط كانت تترك بقعا وآثارا صفراء على مكان سقوطها ويصعب إزالتها وخاصة على الافرشة دارة بينهما معارك طاحنة وأبيد الكثير من أهالي مدن وقصبات وقرى عديدة. ولم ينج منها غير القليل من الآباء والأمهات العجز وأطفال رضع.

 ولدى توقف الأمطار المياه المتساقطة لا تتوقف لان الطبقة السميكة من تراب السطح امتصت  وتشبعت من كثرة مياه الأمطار ويجب أن ترشحها داخل البيت لذلك كانت دلوبي تواصل سقوطها بعد عدة أيام من توقف الأمطار والناس تسهر خلال الليل لإفراغ مياه الأواني بين الحين والآخر, وأحيانا كانت المياه تخرج من الباب حيث تشق طريقها . ولدى تبلل السقف فكان ذلك يشكل خطرا لتسرب كميات كبيرة من الماء فيه ويختل الوزن ويتضاعف فتنكسر ( قارياثا - قا اريثا ) أي  للمسك السقف - الأخشاب التي يستند عليها وبالتالي يتهدم السقف على رأس من فيه لذلك كانت تلك الأصوات المزعجة تنبه الناس بعدم النوم قريري العيون من ذلك المصير المجهول وأحيانا كان أهلنا يربطون خيطا صوفيا ( كدي) بمكان نبع النقاط ويمدوه إلى داخل آنية فكانت المياه تشق طريقها و تمتد عبر الخيط إلى الآنية ولا تسقط مباشرة وهذه الحالة كانت تصلح إذا  كان عدد النقاط محددا . وأحيانا بعد تسرب المياه داخل البيوت فكان الصاحب يشد همته ويصعد لتحديله ( لكن بعد أن وقع الفأس بالرأس ) فكان يقال له بالسريانية  ( من بار مطيلا بيتا لترا دشرما ) أي بعد أن وصلت البيضة إلى مؤخرة فتحة الشرج .لذلك كان على الرجال أن ينتبهوا لهذه المسالة وبعد أن تسقط الزخة الأولى للمطر أي بعد تبلل الطبقة السطحية من تراب السطح فكان من الأجدر أن يحدل بالحادلة بإمرارها عليه عدة مرات وكل تغطية كانت يسمى بالسريانية  ( لوشا ) أي التلبيس وكانت الطبقة الأولى تحدل بعكس مجرى الماء والثانية باتجاه سير المياه لفتح مجاريها , وكان السطح يتكبس  ويتداخل التراب وتتماسك حباته ولا تسمح بتسرب الماء فيه بل إن المياه تنزلق على السطح  باتجاه اخفض نقطة ليتساقط منها والتي كانت تسمى ( نوريني ) حيث كانوا يضعون أنبوبا أو صفيحا مقوسا لتمر المياه عليه وتتساقط بعيدة عن الجدار ولا تتخلخل فيه, وأحيانا كان السطح يتبلل كثيرا فتزداد لزوجة الطين فيلتصق بالحادلة  لذلك كانوا يرشونه بطبقة من التبن الخشن ( قطرا ) لكي يحول دون التصاق الطين بالحادلة , وأحيانا كانوا يضعون الحادلة في كونية أو كيس نايلوني  للحيلولة دون التصاق الطين بها ,لذلك كان أبناء شعبنا الكلدواشوري السرياني  يحثون الرجال للاهتمام بشؤون  بيتهم وإدخال ذلك  وربطها بمسائل وقيم الكرامة والشرف, لكي لا يهمل هذه الواجبات الضرورية ويغض الطرف عنها لأنها  بالتالي ستؤدي لخراب البيوت (مهيلي واري ( وريدي ) ومربيلون قديلا رش كاري) أي محا نسله ورموا المفتاح على السطح بعد أن لم يبقى له أي شخص يرث مفتاح بيته وهذا المثل السرياني  الشائع كان يقال عند تهدم البيوت من جراء الإهمال خلال الشتاء أو غيرها من المواقف. وكم من البيوت رميت مفتاحها على السطوح وأصبح نسل أصحابها في خبر كان أو لم يكن .لهذا كان يقال ( أد قابل دلوبي لبيته بد قابل كل مندي لبخته ) أي الذي يقبل بترشح الماء في بيته سيقبل كل شيء مهين على زوجته لاحظ عزيزي القارئ كيفية ربط هذه الظاهرة بقيم الشرف والشهامة . ( شواوا ددلوبي ولا شواوا دبلن ناشا ) أي جيران نقط المياه المترشحة وصوتها المزعج المقرف  ولا جيران الشخص الفلاني   المزعج  كان هذا المثل يضرب لوصف الجيران المزعج وهو على غرار المثل العربي  القائل – كومة حجر ولا هل جار – ( لا عدوت دلوبي ) يقال للشخص الذي يستغل الفرص ليطفر في المسائل و يصب الزيت على النار ( بلكازا نورا ) أي يلكز النار تحت المشكلة ويزيد شعلتها ويوسع من مساحتها وأشبه هذا بالبيان المخجل والركيك  الذي صدر من بطريركيتنا الكلدانية مع جل احترامي لهذه المرجعية الدينية  حول ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى على كرسي شغله شخص من أتباع نفس الكنيسة والديانة وبصدور هذا البيان الغير منطقي  ليستغله أصحاب الدلوبي  ليكتبوا بيانات داعمة ومساندة  ومقالات صفراء دون تروي وتفكير وعقلانية و يوزعون فيها التهم يمينا وشمالا ويضخمون المسالة ويلكزون نارها نحو صراع طائفي ولم يبقى بنظرهم  إلا تدويل هذه المسالة إلى طاولة مجلس الأمن الدولي ليرسل بدوره مراقبين للحيلولة  دون وقوع أية اشتباكات بين الطرفين مع كل الأسف لهذه المواقف المشينة بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد . وعودة لموضوعنا أو على غرار  مقولة  (أكرمنا بسكوتك ), و (عيني ايلا بدلابا ) أي عيونه تدمع  ترشح الدموع عند المرض و( نخيرو هولي بدلابا ) أي انفه يترشح  , ويقال للأطفال الذين يقضون شيء من حاجتهم على نفسهم ( شرمي هولا دلبتا ) وذات مرة تبول احد الأطفال على نفسه في الفراش فبللها وعند الصباح سألته الأم ما هذه المياه ؟ فقال على الفور: ( أيلي دلوبي ) أي مياه مترشحة من السطح متناسيا أنهم كانوا في الصيف . ولدى مغنيتنا القومية المتألقة ليندا جورج أغنية بهذا الخصوص ( اتيوخ كوبي كوبي دلالي .. قم مطرا وقم دلوبي هواري  ) أي جئنا متواضعين متواضعين  أعزاء .. تحت المطر  والنقط ...الخ . وهنا سأورد موقفا حدث بالفعل في  إحدى  قرانا الكلدو آشورية السريانية  كانت الدنيا تمطر بغزارة عند المساء وترشح من السقف احد (دلوبي) وسط غرفة النوم فاستهان به رجل البيت ولم تكن له العزيمة الكافية  ليصعد في ذلك الجو الممطر والبارد  ويحدل السطح بل اكتفى بجلب علبه دهن فارغة من التنك فئة 16 كغم  وربط بها علاقة من الخيط وعلقها تحت ( الدلوبي) لتسقط فيها المياه وريح رأسه من ذلك , وعند النوم فرشوا الافرشة على ارضية الغرفة وخلودا إلى النوم الهادئ الأب والأم والأطفال ما شاء الله عليهم كانوا بين خمسة إلى ستة متراصين على الأرض كنوم العسكر , وفي ساعات متأخرة من الليل وبينما تراكمت نقط الماء في علبة التنك حتى  تثاقل وزنه ولم يتحمله الخيط فانقطع  وجاء مباشرة على وجه صاحب البيت يا سبحان الله تخيل أيها القارئ الكريم شخص غارق في النوم ليسقط على وجهه ثقلا بهذا الوزن ومن الماء الباردة وهو بين أطفاله الصغار فجفل مستيقظا بطول قامته فظن  فقال ( آنا خشوولي قملا قيمتا ) أي اعتقدت إن القيامة قامت ,وبالتالي ( نقشلا باتو ) أي زخرفت وجهه  بكدمات عديدة لكن حمدا لله على سلامته . ومؤخرا يقومون أهالي القرى ذات السطوح الترابية بوضع نايلون على السطوح وتثبيته بأثقال ويريحون فكرهم من هموم السطح والحادلة ولكن في حالة سقوط الثلج بكميات كبيرة فان النايلون وما عليه  يحولان دون إزاحة الثلج من على السطح  ....