الحلقة السادسة

 

ألقوش  التي صـَعـُبَت على أنياب الفاشست  لن تخدشها مخالب  شراذمها

 

                                                                                                                

 

 

 

 

                                             

 

                                                  شوكت توسا

 

 

 

                 عندما نذكــّر القارئ الكريم بعصارة ما تختزنه ذاكرتنا من أحداث وشواهد وسردها  كما هي بلا رتوش , ليس القصد منها إثارة المواجع أو نكأ قروح جراح  الماضي كما يتخيل البعض ,فجراح شعبناالكلدواشوري السرياني (المسيحي) المستفحله اليوم  ليست بأخف نزفا من سابقاتها ولا باقل خطورة على مستقبل اجيالنا  ,مما يستدعي التأكيد على ضرورة وقف هذا النزف إن كنـّا  ننشد الافضل لاجيالنا بصدق ونزاهه , لذا فعندما نذكــّر أنفسنا بأخطائنا وبما ارتكبه الذين من حولنا بحقنا, فاننا بذلك نشدد على تحذيرنا من  تكرار دور اولئك الذين إعتاشوا في السابق على إكتوائنا و تشويه سمعة بلداتنا وشعبنا , هكذا نكون قد وضعنا ممثلينا وكافة المعنيين  بالصوره التي توضح  للجميع حجم الاذى الذي لحق بنا(مكوننا القومي الديني) نتيجة صراعات آيديولوجيات الآخرين التي خرجنا منها بخفي حنين بل الخاسرين .

 اما الكلام  عن تحميل جهه او جهات  مسؤولية ما حصل لنا فهو حق مشروع تضمنه لوائح حقوق الانسان, وما علينا الا الاستعانة بالقضاء والوثائق والشهادات لانها الاصدق في قول كلمة الفصل, لكننا مبدئيا نقول بانه ليس باستطاعة احد اعفاء الحزب الذي أوكلت له و لسلطته وأقطابه مهمة التحكم في امور البلاد والعباد فهو اول من يتحمل المسؤوليه ومطالب بالإعتذارلضحايا جرائمه , اما اصوات النشاز المطبله للتغطيه على جرائم اسيادها و إهانة الضحية وذويها فذلك لعمري سلوك الشاذ الذي في عقله خلل وفي صدره ضغينة مزمنه لن يشفى منها ما لم يقرأ المعلومه والحدث بتجرد وتعقل .

   كي نعود الى موضوعنا, من المفيد أن نستهل حلقتنا  بلفت إنتباه القارئ الكريم  الى ان موقف أبناء القوش والقرى التي لــبّتْ نداء حماية أهاليها في ضائقتهم  خلال أيام عصيان الشواف في الموصل , قد تم تأويل هذه التلبيه وتحريفها بالشكل الذي يسيئ فهم الهدف منها ويسيء الى سمعة أهلنا , نعم لقد أسيئ الفهم من قبل الإخوه الموصللين  (غير المسيحيين) مما خلق حاله من الكره والضغينه التي أستـُغـِلّتْ  في التحشيد  للإيقاع بين مكونات المدينه والامعان في تصعيد الإعتداءات الوحشيه التي شنت لاحقا على ابناء شعبنا في الموصل وقرانا و القوش على وجه الخصوص .

 إستمرت قوى الرده في محاولات إجهاض تجربة الحكم  الوطني  الذي كان يمكن لقواه التي أجمعت على اسقاط النظام الملكي أن تستثمر المشتركات لو صفت القلوب و حسنت النوايا للانطلاق نحو بناء نظام علماني ووطني يعيش في ظله العراقيون متآلفون متساوون ,الامر الذي توجست من تحقيقه الأنظمه الرجعيه ومن  عدوى إنتقاله وتهديد عروش رؤسائها وملوكها, ناهيك عن خبث الانظمه الرجعيه  التي لم تتوخى نفعا لمصالحها من عراق  ثورة تموز, بالنتيجه إلتقت مصالحها مع مساعي أعداء تطلعات الشعب و مع الأنظمه  المجاوره على ضرورة زعزعة النظام وإفشاله

 

في السابع من ت2/ 1959 , صُعـِقَ العراقيون بخبرإصابة الزعيم في شارع راس الگريه ببغداد , حيث كان مناوئيه القوميين والبعثيين قد هيأوا مجموعه تم توجيهها وتسليحها من قبل نظامي مصر وسوريا لإغتياله , ضمت هذه المجموعه كل من : عبدالوهاب الغريري وصدام حسين واحمد العزوز وحميد المرعي وعبدالكريم الشيخلي ورشيد الزيبك  , وقد قتل الغريري برصاصة من مسدس الزعيم  اثناء العمليه وأصيب صدام حسين الذي هرب على أثرها الى سوريا .

   بإذاعة نبأ فشل محاولة الاغتيال تنفس العراقيون الصعداء , وغنت الجماهير لشفاء الزعيم الذي لم يفعل بقتلته كما فعل صدام حسين في بلدة الدجيل, انما إكتفى بمقولة عفى الله عما سلف بحق الذين حاولوا اغتياله , لقد توهم الزعيم  بانه في تسامحه كسب لود قاتليه وقاتلي شعبه او وضع حد لجرائمهم, علاوة على انه في عدم التزامه بعبارته التي ما اكثر ان كررها ( انا فوق الميول والإتجاهات ) منح مناوئيه فرصة اخرى شجعتهم على تكثيف محاولات ارهاب الناس وزرع الفتن الداخليه  تارة في الإيقاع بينه وبين مسانديه من الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين وتارة اخرى  بالتحريض على  إستمرار عمليات الإغتيال و التمرد ضد الثورة .

في  احد أيام تلك الفوضى ,عدت من المدرسة(شمعون الصفا) ظهرا, ما ان اقتربت من باب بيتنا واذابرجل متربع على عتبة باب جارنا المقابل,كان يرتدي العقال  وشروالا اسود وستره رمادية اللون, لم تحفظ ذاكرتي من شكله سوى تجاعيد وجهه الخشن وغلاظة شواربه  , قبل ان ادخل للبيت ناداني قائلا,  روح شوف اذا اكو يمكم ضيوف تعال قل لي كم واحد همه , دخلت البيت خائفا من نبرة صوته الخشنه  دون ان افهم مالذي كان يقصده, كانت الوالده منشغله في تهيئة أكلة( الحامض كبي), القيت بحقيبتي وجلست  قربها لاحكي لها ما حصل, تفاجأت عندما امرتني بخفض صوتي, وقبل ان اكمل كلامي وأستفسر منها المزيد, انفتح باب الحمّام واذا برجل يناديني تعال عمو تعال ,اصبت برعشه مما يدور من حولي, كرر الرجل مناداته  قائلا بصوت خافت : تعال ابني  لا تخاف انا جاركم خالك محمد  ابو صديقك مثنى( المرحوم مثنى أغتيل في الموصل في 2007) , إقتربت منه لأرى  شخصين آخرين وراءه  اتذكر ان اسم احدهما كان ادريس, بعد ان هدأ من روعي  قال لي اذهب واخبره بان لا احد في البيت عدا ماما , فعلت كما قال ثم عدت وجلست قرب الوالده خائفا وهي تهيئ الغداء لنا ولهؤلاء الثلاثه الشيوعيين الذين  نزلوا ضيوفا عندنا عبر السطوح هربا من ملاحقات رجال الأمن, في هذه الأثناء جاء احد صناع (عمال, خلفات)  محل والدي كي ياخذ الغداء للوالد , اخبرته الوالده  بان يعود للمحل بسرعه ويخبر الوالد بضرورة المجئ للبيت وتناول الغداء هنا . بعد اقل من نصف ساعه  وصل الوالد , وعندما اخبرته الوالده بقصة الاشخاص الثلاثه , توجه مباشرة الى الحمام ليرى جارنا وصديقه محمد عبداللطيف مع شخصين آخرين في وضع  حرج ومرتبك يستوجب  مساعدتهم في محنتهم ,بعد ان شرحوا له  ظروف واسباب إضطرارهم في اللجوء الى بيتنا , سألوه عن الذي صادفه خارج البيت , اجابهم لا شيئ, واثناء كلامهم سقطت ثلاثة احجار صغيره(حصوات) في الحوش, يبدو انها كانت اشارتهم اللاسلكيه المتبعه , صعد المرحوم ابو مثنى  الى السطح , بعد دقيقتين نزل وأخبررفيقيه بوجوب المغادره الآن لانه استلم رساله تؤكد خلو المنطقه من رجال الامن , طلب الوالد منهم تناول الغداء قبل المغادره لكن  التاخير كما بدا لم يكن من صالحهم , اسرع الثلاثه ومعهم الوالد الى راس الشارع , حيث ودعهم بعد ان استأجروا عربة / ربل  لنقلهم .

.