بــيَلــدّا

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

للاعياد والمناسبات المختلفة مكانة مهمة في نفسية الفرد والمجتمع ككل , فهي تبعث على الفرحة والامل وتشحذ الهمم وتصقل المواهب للبدء من جديد , وخاصة لمراجعة الذات لما مضى وتقيمهِ سلبا او ايجابا ,والاستفادة من ذلك التقييم واستثماره في المرحلة القادمة ,لان هذه المحطات السنوية تكون ذات غالب اجتماعي , فهي نشاط جماعي ,وخاصة العيدين الدينين الكبيرين عند المسيحيين ,عيد الميلاد المجيد وعيد الفصح القيامة المباركة للسيد المسيح ,حيث لهما صدى كبير عند ابناء شعبنا الكلدو اشوري السرياني , وبالاخص الاطفال لما يحضوا بهِ من امتيازات خاصة كالملابس والهدايا وما الى ذلك ,والاطفال يعدون الايام  انتظارا لمجيء للعيد بلهفة وحماس  شديدين .

 بيَلدّا ܒܴܝܲܠܕܵܐ  ܒܴܝܬܼ ܝܲܠܕܵܐ اسم سرياني مركب من ب بمعنى البيت او مكان  يلدّا بمعنى الميلاد اي عيد الميلاد ،ܥܹܐܕܵܐ  ܕܡܲܘܠܵܕܵܐ عيد الميلاد ,وكلمة العيد انها مشتقة من فعل عادَ اي يعود ويتكررعلى مدار السنة . ففي النصف الكرة الشمال من الارض يحل هذا العيد في عز الشتاء ,حيث تكون الارض متوشحة بحلة الملائكة  البيضاء وفروع الاشجار متثاقلة ومنحنية تمجد الرب بميلاده الميمون وتزين الكنيسة والبيوت باشجار الميلاد المصنوعة من فروع شجرة السرو ان وجدت اما ان لم توجد كانوا يستعانون بشجرة دبرانا وهو اسم سرياني معناه دعبرانا المترب  لكثرة تراكم التراب عليها وهي شوكية ودائمة الخضرة , والمغارة مجسدين الظروف الزمكانية لولادة المخلص .

 ففي القرى كان للعيد لون وطعم  ونكهة آخرى فكان الطقس يبدأ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل , وذلك بدق ܢܵܩܘܼܫܵܐ ناقوس الكنيسة لينهظوا الناس على وقع اصواتهِ.اما جوقات الشباب كانوا يجوبون ازقة القرى ويلعبون العابا مختلفة منها كَيشّي ,بابي طاشو اي الاخفاء واللامس ,وقهقهات الضحك والركض تملأ اجواء القرية الكل فرحان بحدث الميلاد ,واحياءا يتطاولون على قن الدجاجات في القرية وخاصة من البيوت الغنية ليشونها على النار التي يوقدونها للتدفئة  والرؤية , وذلك باخذ اصاري دطربا من كوَشياتا حزمات اوراق السنديان المكبسة على البعض لغرض اعلاف للماعز في الشتاء واشعالها هناك. وعندما كان ناقوس الكنيسة يدق منتصف الليل كان الشباب يجوبون على كل البيوت ليوقظوا الناس لبدأ القداس , وبعض الناس لم يكونوا ينامون لحد منتصف الليل , وفي الكنيسة كان سلطان النوم يتغلب ويثقل جفونهم , فترى ان رؤوسم قد تدلت , او يقعون على الارض مرارا وتكرارا , وتخيل عزيزي القارىء انسان يصارع ويتحدى سلطان النوم .

 واحياناعند المساء في الكنيسة يبدأ طقس العيد ܫܲ܏ܲܗܪܬܵܐ  شَهَرتّا  اي السهرة  وتنتهي بقداس الميلاد وتناول القربان المقدس , وعند الخروج من القداس كان الناس يقفون في باحة الكنيسة ,لمباركة بعضهم البعض بالمصافحة القوية مع القبلات ,مهنين بعيد الميلاد والسنة الميلادية المجيدة الجديدة ,مع تقديم الحلوة خليوتا او الفطائر المصنوعة للعيد كادّي وكلّيجي لكسر صومهم الممتد لـ 25 يوما ,والناس يتسابقون في تقديم التهاني ويهنئون كل الموجودين في الكنيسة  .

 عندها ينصرفوف الى بيوتهم ويدعون بعضهم البعض لوجبة الفطور , بعدها يقصدون دوي التعازي ليباركوا اعيادهم والقس ومختار القرية ورجالها سوية ,فيقومون بالتجوال على بيوت القرية كلها وتهنئتها بالعيد وكذلك مصالحة العوائل المتزاعلة والمتخاصمة, وكانت البيوت تُحضّر آنية فيها حفنة من الملح ليصلي عليها القس ويمرر الصليب الذي يحملهُ في الملح لريسم الصليب فيها ,܏ذلك دلالة على البركة كون الملح يدخل في الكثير من المواد , وهو يجسد قول المسيح له المجد ( انتم ملح الارض) ܡܸܠܚܵܐ ملخا اسم سرياني معناه مَلخَمتا اي التي تصلح او توازن الاطعمة وتحميها من الفساد .

 وعند الدخول للبيوت يقولون ايذوخون هاوي بريخا عيدكم سعيد فيردون الوخ ولبيتوخ ولكل سورايي مشيحايي , مشيخايي ,اي لك ولبيتك ولكل ( السريان )الاشوريين المسيحيين , بريلي  هويلي مارن اي ولد المسيح فيردون شوحا , شوخا لشمهِ وبركاثا لِيمهِ المجد لاسمهِ والبركات لامهِ, واحيانا ومن باب الهزل  فكان يرد على ايذوخون بريخا  ,شَلاّ دبابوخون يريخا اي سروال ابوك طويل .اما ذي التعازي  فيقولون آلاها مَنخلي فلان الله يرحم الفلان الشخص المتوفي ,ويصلون صلاتا على راحتهِ ويشربون القهوة المرة عند ذوي المتوفي , الى جانب كان القرويين يتسابقون في ايصال حصة اهل الفقيد من فطائرالمعدة للعيد والحلوة ,كون ذوي التعازي لا يطبخون تلك الفطائر .ِالى جانب تقديم خَليتّا دقاشا اي حلوانية القس هدية بسيطة او مبلغ مالي كان يوضع في جيب القس ولا يقدم لهُ يد ليد.الى جانب عيدانية البنت  المتزوجة في القرية او خارجها. اي صدى وفرحة العيد كانت تدخل كل الالباب على السواء .وبعد انتهاء العيد بايام كان عدد من الاطفال يجوبون البيوت معايدين اهلها ,ظنا منهم ان كل الايام عيد ,ومن ذلك كان يقال لهم خولا كل يوما ايذا, معناه وهل كل الايام عيد؟

  اما مواد او سفرة العيد فكانت عامرة وغالبية موادها من الانتاج المحلي, من المكسرات الجوز ,البطمي واليؤن  الحب الخضراء ,اللوز , والحمص المقلي خرطمانّي قليّ,الرمان المجفف , وحزمات السفرجل المعلقة في سقف البيت  والتي تبعث الرائحة الطيبة فكانت تذوب في الفم وطعمها لذيذ جدا, حب الشمس , حب الرقي ,حب البطيخ , والكشمش, سسي, والتين المجفف كتكاتا  والمشمش المجفف كجكاجي  وغيرها الكثير .

 الشيء الجميل للعيد قديما كانت جوقات الاطفال تجوب وتعيد كل البيوت دون ان تترك واحد منها, والفرحة تملأ كيانهم حاملين اكياسا وحقائب مملوءة بالحلوة وحتى بيوت المسلمين لم تكن تتخلص منهم , فكانوا يقصدونها قائلين ايذوخون يريخا بكل براءة وسذاجة طفولية, اما اطفال الاقرباء او الوحيدين لعوائلهم فكانت لهم عيدانية  خاصة خَليتّا دايذّا  حلوانية العيد شيء مميز لهم . وكانت جوقات الاطفال تذهب للقرى المجاورة لجمع اكبر كمية من الحلوة .

 وحاليا اختفت واختلفت تلك المراسيم باختلاف وتطور الزمن , ويجوب خلال ليلة الميلاد القديس الخيالي سانتا بابا نوئيل في منتصف الليل ليوزع الهدايا على الاطفال ,ويدخل الفرخة في قلوبهم , الى جانب وجود بطاقات  التهنئة المزمرة المتنوعة , والتهنئة من خلال رسائل نصية  عبر  الموبل وغيرها من الادوات والطرق الحديثة .وحاليا ورغم وفرة كل شيء, لكن طعم العيد وبساطة حياة الناس وحبهم الفياض كان الحاضر دائما ايام الزمان, فتحية لتك الايام الخوالي.

عيد سعيد وكل عام وانتم بالف خير.

 

عيدوخون بريخا عَم شاتا ختّا 2014