الناقد الذي تحركــّه منفعته الشخصيه لا يُعتــد بكلامه  

 

                     

 

                              

                                               

                                

                                                   

                                              

                            

                                                  شوكت توسا

               

    

       استميح القارئ عذرا لأستهل مقالتي برساله  وطلب تحريري اتوجه به  الى الاستاذ يونادم كنه , ليس لكونه صديق أعتز بعلاقتي معه ,اتفق معه فكريا في مناسبه واختلف معه في مناسبة اخرى وهذا لا يعكر من صفو علاقاتنا اطلاقا, كما اني لست بصدد  الدفاع  في رسالتي عن طرف آخر (السيد خوشابا سولاقا) الذي لا تربطني معه اية معرفه شخصيه مسبقه لا من قريب ولا من بعيد مع احترامنا لشخصه ,عدا ما أقرأه احيانا في كتاباته, انما اتوجه برسالتي  المقتضبه الى الاخ يوناذم كنه كنائب برلماني يمثلني بعد ان منحت صوتي عن قناعه لقائمته  وله ولاكثر من مره .

 

   اخي العزيز الاستاذ يونادم ممثلنا في البرلمان العراقي المحترم

     الرجال تقاس من خلال مواقفها ونبض قلوبها وسعة صدورها  تجاه ابناء جلدتها, ان الذي قرأناه حولكم  مؤخرا من نقد وانتقادات في مقالات السيد خوشابا سولاقا فيه مما يثيرالحفيظة ويلفت الانتباه دون شك , وفيه  أيضا مما يعكس حالة  الكاتب الانفعاليه مع احترامنا لشخصه لكني أتحفظ على اسلوبه  وهذا شأني الذي تحدده مواقفي وخبرتي المتواضعه ,و لا ننسى  بان حالة الاخ خوشابا سولاقه فيما كتبه هي حاله  ترافق كل صاحب قلم لسبب او لآخرلا اريد اشغالكم في تفاصيلها , لكني أؤكد باننا نحن معشر القراء إعتدنا قراءة مثل هذه الكتابات المتشنجه في اكثر من موقع وصفحه و من أكثر من طرف و بدرجات متفاوته من الحديه والنديه تحت مسوغات ومسببات مختلفه  كان لغالبيتها انعكاسات مخالفه لما كان يتوخى منها اصحابها او ما كان يتوقع البعض الاخر, وكوني واحدا من الذين يحترم نضالات الحركه الديمقراطيه الاشوريه بالدرجة الاولى  ويقدر ما تبذله من جهود رغم محدودية قدراتها ثانيا , اسمحوا لي بطلب خالي من اي دافع مصلحي او منفعه شخصيه عدا مصلحة شعبنا وصون وحدته وتضميد جراحه وعدم فتح الثغرات التي سيستغلها الغير.

      أخي المحترم يوناذم كنه , كوني واحدا من الآلاف الذين إنتخبوا قائمتكم  لتمثلوهم  في البرلمان , لذا أمنح لنفسي الحق بان أطالبكم شخصيا  بكل محبه واخلاص بالتنازل عن شكواكم  ضد السيد خوشابا وغلق ملفها ولندع الاقلام  تستمرفيما  تكتبه  وتحكيه  ولنترك الباقي من الحكم والاحكام  لحلم القارئ الذي  انتم على اطلاع تام  على  مواقفه وردود افعاله , وانتم تعلمون جيدا  كيف اثبت القارئ بانه  في حكمه  وموقفه  فاق وسيفوق الكثير مما تقرره اي محكمه او دائره  قانونيه . هذا ما وددت ان اطلبه منكم  يا استاذ يونادم وجنابكم  وقيادة الحركه على علم ويقين تام  باني لم يسبق لي ان طلبت منكم اي طلب  شخصي  طيلة سنين دعمي ومؤازرتي لكم . شكرا لكم , ولكم كامل الحريه في اتخاذ قراركم مثلما منحت لنفسي حرية عرض هذا الطلب.

 

اخوكم 

شوكت توسا

 

_________   عوده الى موضوع عنوان مقالنا :

 

    للحديث الجاد عن النقد وعن وظيفة الناقد ومقومات نجاحاته واسباب إخفاقاته , نحتاج الى دراسة مستفيضه لبحوث إختصاصيين ضالعين لهم شأن معتبر وباع طويل في علوم السياسة و الأدب والمنطق , ففي بحوثهم ودراساتهم  الفلسفيه خلاصات يمكن ان نستنير بها والتعرف من خلالها عن كثب على صنف الناقد المطلوب و مواصفات  النقد البناء ونقيضه , ولكن مع أهمية هذه الاشتراطات و قيمة مرجعياتها, فإن غيابها لا يعني بخس حق الذي يجد في نفسه  أهلية إبداء رأيه او نقد راي الاخر , عندها يصبح تناطح الافكار الوسطيه ظاهره شبه طبيعيه ضمن ممارسة حق النقد او الرد على انتقادات الاخرين , فيبقى الإجتهاد الشخصي  يراوح بين محاوله معرفة متى نعتد ونثق بالناقد  و متى  نقر ونعمل بصلاحية كلامه  او في محاولة كشف  الهدف من توجيه النقد  .

     من البديهيات التي بمقدور القارئ  المتوسط  معرفتها دون عناء هي ان جوهر فعالية النقد هو إعتراض الناقد على راي ما و الدعوة الى اعادة النظر فيه وطرح البديل المناسب محله , وقد أثبت التاريخ  بان المسار الصحيح في ممارسة هذه الظاهره له الفضل الاساسي في انتاج الجديد المفيد ,من هذا المنطلق يكون من الصعب كما قلنا بخس حق اي انسان يعتز بما تعلمه من ان يمنح لنفسه تلقائيا حق المبادره بنقد اي ظاهره لا يتفق معها و في اي مجال كانت , بالنتيجه  سيظهر من بيننا من يعتقد بان سعة الإطلاع واللباقه في تسويق الكلمه هي بمثابة حافز او عامل مساعد يبيح للانسان  ممارسة نقد الاشياء والافكار , وهنالك من سيقول بان لعامل التخصص المهني اهميته  في  إعطاء الناقد فرصة اوسع  لتحقيق المفيد والمثمر في مجال عمله واختصاصه كأن يكون فنانا او عالما اجتماعيا او مهندسا او سياسيا .

     ولكن عند الرجوع الى نظريات فلاسفة النقد والاصلاح  ودراساتهم  التي تعتبر مصادرا يعتد بها, سنجد اننا في منح انفسنا حق النقد دون مراعاة أسسه وقوانينه قد اوقعنا ذواتنا في مطب اجتماعي وادبي  و ربما قانوني علاوة على اننا لم ننصف زبدة فلسفة العارفين والاختصاصيين التي تشدد على ان ابداع الناقد في مهمته لا يكتمل في امتلاك موهبة اللباقه وصياغة الكلمه او عبر تعاطيه النقدي  في مجال إختصاصه , إنما إبداعه يتجسد و ثمرة فائدته تتحقق عندما يتجرد في كل ما يقوله عن العاطفه والمنفعه الشخصيه ويبتعد عن إيلاء المحسوبيه اهميتها او منحها  فسحة  التأثيرفيه سلبا وتحيده عن أقدمية مصلحة العامه و مهنية مهمته الانسانيه . هذا باختصار ما يمكن إيجازه  نقلاعن أصحاب الراي .

      بعد هذا التعليق المبسط ,لا أكاد أبالغ  لو زعمت بان بين أيدينا وسائلا ايضاحيه ( اقصد المكتوبه) لو أجرينا عليها  مراجعه مقتضبه تحت مجهر الضوابط والاصول لوجدنا ان المراد منا كقراء هو إعتبارها نقديه وبناءه في نفس الوقت كما يجول في خاطر كاتبها  وما علينا الا ان نلبي طلبه في قبولها والبناء عليها , المخيف في الامر ان مثل هذه الانتقادات المضببه يتكرر ويتنوع ظهورها  ومن اكثر من كاتب ويتم نشرها في صدر صفحات مواقعنا الالكترونيه  المتعدده , فتصبح ماده من السهل انتقادها وتبيان عيوبها والاسهل من هذا وذاك يمكن استخدامها قضائيا.

    من طبع القارئ  الجاد الذي يتابع  ما يدور و يقرأ ما ينشر ,هو لهفه وشوقه الى قراءة مادة نقديه مرتبه تفيده  وتساعده  في معرفة ما قد يفوته او يجهله , لكنه عندما يقرا مضامين كلام  يطغى عليها خليط من التشهيروالتسقيط  بشكل عشوائي ومن إدعاء صاحبه  بانه  ينتقد بسبب  شدة حرصه على مصلحة شعبه  و يلتزم كما يدعي بقوام  الكلام البناء والمفيد في حين الحقيقة تقول العكس حتى لو حاول تمرير خطته من خلال حشر كلامه تحت  غطاء عناوين نقديه , كيف لا يصاب هذا القارئ بالحيرة والخيبه  امام هكذا كلام  مطلوب منا أخذه وقبوله على انه نقد بناء , فعندما يتمعن احدنا بقراءة  هكذا كلام ودراسته ,لا بد ان يكتشف نوايا الناقد  والمحركات التي أرشدته الى ما قاله وكتبه ليجد  بانها وإن صحت  , فهي بعيده كل البعد عن اسس ومقومات النقد ورسالته  الانسانيه والمهنيه ,حيث يحس القارئ بان عملية النقد قد أختزلت مهمتها الصحيحه  من قبل الناقد نفسه   بحيث أصبحت مجرد غطاء او وسيله لتمرير رغبة شخصيه  حتمت عليه مراوغة القارئ والتلاعب بافكاره  , بالتالي يكتشف القارئ بان في داخل هذا الناقد هناك ناقد  آخر يحاول المخادعه والتضليل من اجل إشفاء غليل او اكمال مهمه انتقاميه  ضد طرف او شخص معين  كان سببا في فشله و خذلانه وحرمانه من تحقيق مكاسبه الشخصيه  الى الدرجه التي  تجعل من محورالتجريح والمديح والاطراء بالاشخاص  قاعده يدور حولها المسمي نفسه ناقدا.

     النقد كونه فعاليه تفحيصيه و تكميليه  لا يقل شأنها عن  شأن رسائل وأفكار الأخرين التي ننتقدها , لذا ما يترتب على الناقد ربما  هو اكثر بكثير من المترتب على اي كاتب او ناشط في شتى تفاصيل الحياة , وهذا يعني أن على الناقد الذي يدعي ملكة القدره على نقد الاخر ان يتحلى بنفس القدره في تمحيص وتقييم كلامه قبل تسويقه السريع وعرضه للملأ  بانفعالاته وخيباته التي تتضح معالمها للقارئ البسيط فكيف لو فاتت على الناقد ؟

    عندما يتغافل الناقد عن حيوية نقطة تمحيص كلامه  قبل نشره ويعفي نفسه  من  حساب تبعاتها  او مراعاتها يكون في طرحه قد اسبغ على نفسه الصفه التي هو بصدد نقدها كأن تكون الانتهازيه  , وهذا ما أكدنا عليه في مقاله سابقه أوضحنا فيها رأينا المتواضع حول الفرق الواضح  بين المثقف الانتهازي والمثقف الثوري و تباين أسلوب محاكات الاثنين للكعكة وطعمها وللكرسي الدوار ومتعته  ولكيس الدراهم وصليلها.

    وإذ نحن نتكلم عن الجانب الذي يعنينا في شأن مكوننا الكلدواشوري العراقي, من المؤسف  ان نقول  بان  وسطنا السياسي والاعلامي في الاونة الاخيره  قد ساده نمطا  هداما من التفكير الذي ينطلق من مبدأ إعتبار العمل السياسي  حزمه من العلاقات النفعيه وبموجبها يتم تحديد المواقف  وعلى اساس ضمانها او عدمه تغدق المدائح وتكال الانتقادات اللاذعه ,مثل هذا الخطاب النفعي والعنفي يشكل خطرا قاتلا ومدمرا عندما يمتطيه اهل النخبه من المحسوبين على الثقافة والانتماء ومن الذين تسللوا باشكالهم المصطنعه  والمقنعه وأخفوا كنه ذواتهم الحقيقيه  , وهذا ما يبدو جليا في تناقضات  وتذبذبات مواقفهم  مع جوهر إدعاءاتهم .

    أما النقد الذي يأتي  متأخرا عن وقته المفترض ففيه تنكشف حقيقة النوايا  وقد تضع صاحبه امام تساؤلات واتهامات تجعل من مسعاه النقدي حاله انسانيه كاذبه وميته لا تقبل التصديق باي شكل  حتى وان صحت وقائعها . فالناس ستتساءل اين كان الاخ يوم كان يهلهل من ضمن الكمبارس لنضالات القائد ومنجزاته , ولماذا سكت على اخطار اخطاء رفاقه و مرؤوسيه لياتينا اليوم بشكل المصلح المؤمن والغيور على شعبه ؟

      على الناقد ان يحتاط ويعلم جيدا انه من الصعب  تمرير نوايا مغلفه على القارئ الملم الذي يراقب بكل حواسه  ما يقراه عن العقليه النقديه التي  تفقد خاصية التوازن والاعتدال بحيث ينفضح امرها وتنكشف نواياها  خلال سعيها الى تصفية حسابات شخصيه لا يستفيد منها اي طرف , انما المستفيد الاوحد منها هم الذين في صدورهم  الحقد والكيد المبيت .

 

الوطن والشعب من وراء القصد