الجانب المظلم من التكنولوجيا المعلوماتية 

 

 

                         سهى بطرس هرمز                           

                                                                                      

                                                                    

       الجريمة كما نعلم بمفهومها المُبسّط، وكما هي في نطاق القانون الجنائي وقانون العقوبات، تعرف بأنها كل فعل أو امتناع عن فعل يحرمهُ القانون، ويفرض عليه عقوبة أو تدبيرًا احترازياً، تبعًا لنوع الجريمة المُرتكبة وخطورتها، والتي تلحق ضرراً بشخص معين أو بمُجتمع ككُل.

وقد عرفت المُجتمعات الإنسانية جرائم مُتعددة واجهتها بشتّى السُبل والوسائل وسنتْ لها قوانين مختلفة. لكن مع تطور العلوم والتكنولوجيا ودخول وسائل الاتصال المتعددة من أجهزة الموبايل وشبكات نقل المعلومات وشبكة الانترنيت إلى مجتمعاتنا وكافة جوانب حياتنا، بدأت بإفراز أنماط مُستحدثة من الجرائم، مُعقدة في طرق ارتكابها ووسائل كشفها، مُخلفة خطراً يُؤرق المجتمع على الصعيد المحلي والدولي معاً. تسمى جرائم الانترنيتInternet Crime  أو جرائم المعلوماتية  Information Crime. والتي هي فعل إجرامي أو سلوك غير مشروع وغير مسموح به، في محاولةٍ للوصول لبيانات سرية مخزونةٍ داخل الحاسوب، وغير مسموح بالإطلاع عليها ونقلها ونسخها أو حذفها. أو تدمير بيانات وحواسيب الغير بواسطة الفيروسات، والاعتداء على حرية  الأشخاص واستغلالهم.

 والدراسات والمؤلفات في هذا الحقل قديمها وحديثها خلت من تناول الفقه على تعريف مُحدد للجريمة المعلوماتية.  حسب ما وردّ في شبكة النبأ المعلوماتية، بحجة إن هذا النوع من الجرائم ما هو ألا جريمة تقليدية ترتكب بأسلوب الكتروني. وقد تباينت التعريفات التي تناولتها وفق معيارين: معيار قانوني قائم على موضوع الجريمة والسلوك محل التجريم أو الوسيلة المستخدمة، ومعيار شخصي: وتحديدا يتطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مُرتكب الجريمة. إضافة إلى التعريف القائم على تعدد المعايير: والذي يشمل التعريفات التي تبرز موضوع الجريمة وأنماطها وبعض العناصر المتصلة بآليات وبيئة ارتكابها أو سمات مُرتكبيها.

كما ذكرنا أعلاه بأن الجرائم تعددت واختلفت صورها وخاصة الالكترونية، ولم تقتصر على جرائم الفيروسات، وجرائم اقتحام واختراق الشبكات الالكترونية وتدميرها أو سرقة معلومات وبيانات الأشخاص أو المؤسسات والبريد الالكتروني، بل انتشر إضافة إليها جرائم أخلاقية  تمسُّ الإنسانية مثل الابتزاز والاختطاف والقتل والتهديد والتهجم والسب والشتم ... الخ، وجرائم التخطيط لارتكاب عمليات إرهابية وتعليم الإجرام، والجرائم الجنسية من التغرير بالأطفال والنساء، وجرائم الدعارة والدعاية للشواذ أو تجارة الأطفال والمُمارسات الغير أخلاقية، إضافة إلى جرائم الاتجار بالبشر والذي يمثل نوع من الإجرام الدولي المنظم الذي يدر مليارات الدولارات، ونسميه في عصرنا الحالي (استرقاق العصر الحديث). بعكس الاسترقاق في الأزمنة الماضية. مُضيفين إليها جرائم التشهير وتشويه السمعة عبر مواقع مُخصصة لهذا الغرض.

هذه الجرائم جميعها وغيرها الكثير باتتْ ترتكب نتيجة للفرص الذهبية التي يتيحها الانترنيت من تسهيل لارتكاب الجرائم التقليدية من ناحية، ولأن الانترنيت يساعد على حدوثها بنسبة أكبر، لأنهُ لا يعترف بالحدود أو الحواجز  بين الدول والأشخاص. والتفتيش في نوع هذه الجرائم عادة يتم على نظم الكمبيوتر وقواعد البيانات وشبكة المعلومات، وقد يتجاوز النظام المشتبه به إلى أنظمة أخرى مُرتبطة، وهذا هو الوضع الغافل في ظل شيوع التشبيك بين الحواسيب وانتشار الشبكات الداخلية على مستوى الشبكات المحلية والإقليمية والدولية.

مع الأسف تحول الكمبيوتر إلى مسرح لارتكاب الجرائم الالكترونية، تستخدم فيها شبكة الانترنيت كأداة فيه، والتي لا تترك أثراً ماديًا كغيرها من الجرائم ذات الطبيعة العامة والخاصة، لأن مُرتكبيها يمتلكون القدرة على إتلاف وتشويه وإضاعة الدليل في فترة قصيرة جدا مُقارنة بالأثر الذي تتركهُ الجريمة التقليدية. ولو نظرنا إلى الجريمة الالكترونية نجدها تتشابه مع الجريمة التقليدية فقط في أطراف الجريمة من المُجرم (المجني)، والضحية (المجني عليه) والذي قد يكون شخص طبيعي أو شخص اعتباري. بينما الاختلاف الحقيقي يكمْن في الأداة المُستعملة ومكان الجريمة، والتي تكون في الجريمة الالكترونية ذات تقنية عالية، وأيضا المكان الذي لا يتطلب من الجاني الانتقال إليهِ.  

إذن أصبح من الصّعب حصرّ جرائم الانترنيت في أشكال وأساليب مُحددة، فيومًا بعد يوم ومع تطور التكنولوجيا تزداد تنوعًا وتعدداً كلما زاد العالم في استخدام الحواسيب وشبكات الانترنيت. ويمكننا القول اليوم وفي خضم التطور الهائل والسريع للتكنولوجيا بأن المجال أصبح مفتوحًا لكل أنواع الجرائم، وأصبح الانترنيت ساحة إجرام مثالية تتحدّى الأجهزة القضائية بقدرات وإمكانيات أكبر، بشكل يُهدد أمنها وأمن ورقي المجتمع.

فالمعلوماتية إذا كان لها من السلبيات ما ذكرناها، فلها من الايجابيات أكثر. فهي وسيلة تعليم وتواصل وتثقيف وتعريف، ومفيدة في كثير من النواحي لا تعدُّ ولا تحصّى. فهي مفيدة من الناحية الأمنية ومن الناحية العلمية والعملية والتثقيفية والاقتصادية والتجارية، وكذلك فهو يساعد على التطلع على ثقافات وحضارات الشعوب وتقريب الأفكار والتواصل معها. ولكن في حالة ما إذا استخدم بشكل خاطئ وغير قانوني، عندها يكون مُهدد للأمن الاجتماعي، وخاصة في المُجتمعات المُغلقة. وبالتالي يؤدي إلى تلوث ثقافي وأخلاقي وفكري، مُخلفًا فساد وتفسخ اجتماعي وانهيار في النظم والقيم الأخلاقية والسلوكيات لهذه المجتمعات.

ونلاحظ التأثير السلبي للاستخدام السيئ والغير القانوني للشبكة، يكون أكثر على المراهقين الهواة! مما يؤثر سلباً على نمو شخصيتهم وسلوكهم ويوقعهم في أزمات نمو فكري، وأزمات نفسية لا تتماشىّ مع القيم والأخلاقيات السائدة في المجتمع، من ذلك التعامل مع المواقع الإباحية وغرف الجات والدردشة لساعات طوال. مع العلم إن الاستخدام الغير قانوني والغير أخلاقي للشبكة ليس مُقتصر على فئة معينة دون أخرى، بل باتْ يستخدم وبنسبة (لا نعمّم على الجميع) ابتداءً من الطفل وانتهاءً بالكهل. أي يستخدم من قبل مُختلف الفئات العمرية ولكلا الجنسين.

وهذا النوع من الجرائم بدأ يثير جدلاً واسعًا على مستوى العالم لخطورتهِ واستفحالهِ بشكل مُثير للدهشة. وقد شرعت العديد من الدول الأوربية قوانين خاصة بهكذا نوع من الجرائم الالكترونية مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا واليابان وكندا، كما اهتمت البلدان الغربية بإنشاء أقسام ومراكز خاصة بمكافحة جرائم الانترنيت ولاستقبال ضحاياه وشكواهم. ووفقًا للقاعدة القانونية في قانون العقوبات (لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص قانوني). باعتبار إن التشريعات العربية لم تعالج هذا النوع من جرائم الانترنيت، وبالتالي بقيت هذه الأفعال والمُمارسات جميعها خارج سلطة القانون.

إن الجرائم الالكترونية تنطوي على قدر كبير من الخطورة بالشكل الذي يستلزم الاهتمام بها وتقليص حجمها على الحياة العملية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية والبيئية، ولابدّ من سنَّ قوانين وتشريعات مهمة وصارمة بحق مُرتكبيها  توقف مُجرمي التقنية وتقلل من حدة هذه الجرائم من خلال إتباع الفكر الوقائي والتثقيفي للفرد، والتنبيه بالمخاطر السلبية الناجمة عنها. واهتمامًا بالمخاطر التي قد تنجم من استخدام شبكات الحاسب الآلي والمعلومات الالكترونية وإدراكًا للحاجة، لتأمين توازن دقيق بين مصالح تطبيق وتنفيذ القانون من جهة واحترام الحقوق الأساسية للإنسان، كما تجسّدت في المواثيق والمعاهدات من جهة أخرى، فإن الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي والدول الأخرى الموقعة، قد وضعتْ اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم المعلوماتية 2001. اقتناعًا منهم بالحاجة لمُواصلة سياسة جنائية مُشتركة تهدف إلى حماية المجتمع من جرائم الفضاء ألمعلوماتي كهدف أساسي.

ونظرا للعدد الهائل والضخم الذين يرتادون هذه الشبكة، فقد أصبح من السهل واختصارا للوقت، ارتكاب أبشع الجرائم بحق مُرتديها ومُستخدميها. سواء كانوا أفرادا أو مُجتمعات بأكملها. وهذا ما دفع بالكثير إلى إطلاق الدعوات والتحذيرات من خطورة هذه الظاهرة التي تهدد جميع مُستخدميها. وإن أهم خطوة في مكافحة هذه الجرائم هو تحديدها وتحديد الجهة التي يجب أن تتعامل معها، مع العمل على تأهيل منسوبيها بما يتناسب وطبيعة هذه الجرائم المُستجدة، ويأتي بعدها وضع تعليمات مكافحتها والتعامل معها والعقوبات المقترحة ومن ثم التركيز على التعاون الدولي لمكافحة هذه الجرائم. مع ضرورة توعية الشباب والمراهقين بجرائم الانترنيت، وتنبيه الآباء بضرورة تقديم نصائح لأبنائهم وتوعيتهم بالمخاطر الناجمة عنه، مع التأكيد أيضاً على ضرورة إطلاق حملات توعية وسط المدارس ومقاهي الانترنيت ونوادي الشباب، مع أعطاها أهمية وأولوية ضرورية واهتمام جدي بهذه المسألة.